×
محافظة المنطقة الشرقية

عام / بلجيكا تشهد حركة إضرابات شاملة يوم غد

صورة الخبر

لا هوادة في الحرب الدائرة في سورية. ويلاتها المستمرة منذ العام 2011 قد يصعب على القنوات الإخبارية نقل كل تفاصيلها، إما لغزارتها أو لقسوتها وربما لاعتبارات سياسية غير معلنة. سينمائياً، نجح المخرج السوري أسامة محمد في تمرير واقع بلاده المؤلم وانعكاساته عبر فيلمه «مياه فضية... بورتريه ذاتي عن سورية» بطريقة شعرية ملحمية، مستخدماً 1001 مقطوعة فيديو صوّرها ناشطون سوريون من أرض المعركة بهواتفهم النقالة، وقاموا ببثها على يوتيوب. الشريط السينمائي، الذي عرض أخيراً خلال الدورة الـ27 لمهرجان أمستردام لأفلام الوثائقية (أدفا)، في الفترة من 19 حتى 30 من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، يوثق في لقطات متتالية حملات التعذيب التي يتعرض لها أي معارض لبشار الأسد داخل السجون، راصداً الدم المتدفق في شوارع المدن السورية، والبنية التحتية المدمرة، والنازحين على الطرق، والأصوات المعارضة وهي تصدح «حرية حرية» أو «ثورة ثورة على الظلم والعدوان» حتى الحيوانات تعاني القتل والتشويه. لقاء عن بعد عبر الإنترنت يتعرف المخرج الذي غادر سورية في 9 أيار (مايو) 2011 الذي يصادف تاريخياً يوم النصر على الفاشية، من منفاه في باريس على المخرجة وئام سيماف بدرخان التي تسجل باستخدام كاميرا مهربة ما يدور في شوارع حمص، بعدما رفضت المخرجة الكردية الأصل مغادرة سورية. الحوارات اليومية بين أسامة ووئام عبر «الشات» هي المحور الأساسي لسياق الفيلم، إذ يتطرق الحديث عن اندلاع التظاهرات ضد النظام في درعا، وصولاً إلى منطقة دوما في ريف دمشق، وما خلفه الحصار من ألم وموت. إذاً، وئام بدرخان، التي أخرجت أفلاماً تسجيلية عدة شاهدها الجمهور السوري من دون اسمها لاعتبارات أمنية، حلّت محل أسامة محمد على الأرض في حمص. ومن هذه الخلطة ولد الفيلم الذي كان العرض الأول له خلال مهرجان «كان» السينمائي الدولي في نسخته الماضية. أيضاً، جاء الاعتماد على ما سجله الشباب السوري بمثابة تذكير بأن لا يأس مع الحياة. فالكاميرا باتت أداة للتعبير ونقل الحقيقة الى العالم الخارجي وسط التكتم الإعلامي الذي فرضه النظام الحاكم. كحال سورية... صور الهاتف النقال غالباً مهتزة. لا سيما وهي تراقب المسيرات ضد بشار الأسد. ثم وهي ترصد الجثث في الشوارع وسط برك من الدماء، وفرار المواطنين السوريين رجالاً ونساء وأطفالاً من القصف. بعض اللقطات يتكرر. الكاميرا قد تتحرك ببطء أحياناً. هي محاولات لترسيخ المأساة السورية في عقل ووجدان المشاهد عبر التشديد على معاناة الضعفاء وعدم تكافؤ القوى. ويحوي الفيلم أيضاً لقطات قسمت على شكل فصول بعناوين مختلفة مثل «سينما القاتل»، و«سينما القتيل»، و«سينما شاعر» وأبرزها «نادي السينما». وهنا يتذكر المخرج شاباً سورياً طلب منه المساعدة في إنشاء نادي سينما في بلدته دوما، لكن الموت طاوله قبل تحقيق حلمه. بشاعة ما يعيشه الشعب السوري ظهرت جلية في مشاهد من يقبّلون أحذية من يعذّبهم، ومن يجرَّدون من ملابسهم بينما يتم الاعتداء عليهم لفظياً وجسدياً، أو ذاك الذي تُقتلع أظافره لأنه حلم بالحرية. وفي ثنايا الفيلم يسترق النظر طفل صغير يدعى عمر، الذي تتبعه الكاميرا وهو يحتضن ما تبقى من ألعابه، ويحاول الإفلات من القصف ليضع وردة على قبر والده. صنّاع الفيلم أهدوا منتجهم السينمائي إلى عمر، لا سيما وهم يرونه رمزاً لمستقبل سورية. وعلى الطرف الآخر، قطة تموء من الألم بعدما فقدت إحدى قوائمها، وأخرى تتوجع من آثار الحرق. بينما في زاوية أخرى كلب نحيل الجسد يلتفت يميناً ويساراً ربما بحثاً عن مهرب أو طعام يسد جوعه. سنوات الدمار إذاً على مدار ثلاث سنوات، كل شيء في سورية معرض مدمر أو على وشك. كل ذلك أعاد صياغته سينمائياً مخرجا الفيلم ليكون بمثابة كبسولة تقضي الغرض بأقل الإمكانات. في نهاية الفيلم تُرجم بعض الكلمات من العربية إلى الكردية. أبرزها «الحرية». شريط الصوت جاء مناسباً للسرد السينمائي حيث بدا خليطاً من صوت الرصاص وأغاني الثورة وآهات المعذبين، وعويل النساء، وفي الخلفية موسيقى أوبرالية حزينة، وكأنها جنائزية، فضلاً عن التأليف الموسيقي الخاص بالفيلم الذي يحمل توقيع نوما عمران. صوت مخرجي الفيلم رافق صوره المتتالية، ليبدوا كمعلقين أو راويين ينقلان ما هو خلف الصورة. ويمكن القول إن «ثيمة الحرب» التي أضحت غالباً محور تناول المخرجين السوريين بطبيعية الأمر الواقع، خرج في معظمها بحرفية، ومنها فيلم «العودة إلى حمص» للمخرج السوري طلال ديريكي الذي افتتح نسخة مهرجان «أدفا» العام الماضي. «مياه فضية... بورتريه ذاتي عن سورية»... مأساة شعب يبحث عن حياة، إنتاج مشترك بين شركتي «بروآكشن فيلم» السورية، و «لي فيلم ديسي» الفرنسية، وحاصل على دعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون والمركز الوطني للسينما في فرنسا، وصندوق الفيلم التسجيلي في معهد «سندانس» الأميركي، وبمشاركة تلـــفزيـــون «آرتي» الفرنسي- الألماني، وهو عن سيـــناريو وإخراج لأسامة محمد ووئام سيماف بدرخان، ومونـــتاج ميسون أسعد. الفيلم كان من المقرر مشاركته في المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة في دورته الأخيرة تشرين الثاني (نوفـــمبر) الجاري، لــكن عرضه من قبل على شاشة التلفزيون حال دون ذلك. ويعرض الفيلم في فرنسا والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا.