في 2005، قفز سعر النفط الى 55 دولاراً للبرميل من 38 دولاراً في العام السابق معلناً خروج السعر عن نطاق مسار تاريخي استمر لفترة تجاوزت عقدين من الزمن. وشكل 2005 بداية مسار جديد شهد، باستثناء تراجع مؤقت في 2008 بسبب الأزمة المالية العالمية،ارتفاعاً مستمراً وصل الى 115 دولاراً للبرميل في حزيران (يونيو) الماضي. وأدى التحول في مسار الأسعار الى تغير هيكلي في أسواق الطاقة العالمية في شكل عام وسوق النفط في شكل خاص، بإطلاقه ثورة النفط غير التقليدي المتمثل بالنفط والغاز الصخريين والرمل الزيتي في الولايات المتحدة وكندا إذ أصبح استخراج هذه الموارد مجدياً مع تجاوز السعر العالمي للنفط عتبة 55 دولاراً للبرميل عام 2005. وبالتالي واكب مسار الأسعار نمو مماثل في إنتاج النفط والغاز فوصل إنتاج الولايات المتحدة من النفط الى نحو تسعة ملايين برميل يومياً في تشرين الأول مرتفعاً من نحو خمسة ملايين برميل يومياً عام 2007. وارتفع إنتاج الغاز الطبيعي من نحو 24 تريليون قدم مكعبة إلى 30 تريليوناً. ودعمت صناعة النفط والغاز الاقتصاد خلال السنوات التسع الأخيرة ومكنته من التعامل بنجاح مع نتائج الأزمة المالية العالمية في 2008. وتمكنت الولايات المتحدة بخلاف العديد من الدول الصناعية المتقدمة من العودة السريعة الى مسار النمو وخفض البطالة وتقليص العجز التجاري. كما أن النتائج السياسية لازدهار صناعة النفط والغاز الصخريين لا تقل أهمية عن نتائجها الاقتصادية فتراجع منسوب القلق حول أمن إمدادات النفط على رغم حصول أحداث سلبية في العالم العربي. وانخفض هامش العلاوة على أسعار النفط العالمية جراء هذا القلق بينما خفت المضاربات في أسواق النفط نظراً إلى العلاقة الطردية بين مستوى القلق وحدة المضاربة. وخفتت أيضاً الأصوات المطالبة بفرض رسوم على الواردات النفطية، كما أن سياسات الطاقة لإدارة الرئيس أوباما وعلى رغم توجهاتها الداعمة لبدائل الطاقة الأحفورية، تجنبت اتخاذ إجراءات تضر بصناعة النفط والغاز فاقتصر الضرر على صناعة الفحم. يشار الى أن توافر الغاز الصخري أتاح لهذه الإدارة أن تلتزم ولو جزئياً بأجندة المناخ الهادفة الى خفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من خلال إحلال الغاز الطبيعي محل الفحم في توليد الطاقة الكهربائية، وأتاح لها تأجيل اتخاذ قرارات صعبة حول مستقبل الطاقة النووية ودورها في مواجهة ظاهرة التغير المناخي. وبالتالي فان انخفاض السعر بنسبة تتجاوز 35 في المئة خلال النصف الثاني من هذا العام الى مستوى يقل عن 75 دولاراً لنفط غرب تكساس وهو المستوى الذي كان قد تجاوزه قبل سبع سنوات تقريباً خلال 2007- 2008، لا بد وأن يشكل مصدر قلق لمنتجي النفط غير التقليدي. ويلاحظ أن بعض الشركات ذات الإنتاج الأعلى كلفة بدأت تواجه صعوبات مالية. لكن المستوى الحالي للسعر، في حال ثباته، لا يهدد إنتاج النفط الصخري إذ إن معظمه يبقى مجدياً اقتصادياً في نطاق يتراوح بين 60 و75 دولاراً لبرميل غرب تكساس كما تجمع عليه آراء المراجع المتخصصة. إن انخفاض الأسعار الى مستويات دون التكلفة الحدية لإنتاج النفط غير التقليدي هو أمر ممكن لكنه بعيد الاحتمال طالما أن إمدادات النفط التقليدي لا تغطي كامل الاستهلاك. وتبقى كلفة برميل النفط غير التقليدي أساس السعر الذي يوفر التوازن بين العرض والطلب في السوق وأي اختراق للسعر دون التكلفة الحدية سيكون موقتاً. وانخفاض السعر الى مستويات تهدد جدوى إمدادات النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة، وفي ضوء الدور المهم الذي أصبحت تؤديه في الاقتصاد فضلاً عن مفاعيلها السياسية والأمنية، قد يستدرج إجراءات غير متوقعة. فعودة القلق حول أمن الإمدادات قد يستعجل إجراءات حماية تبقي أسعار النفط المحلية عند مستويات مجدية للإنتاج المحلي، كما قد تدفع الى تعزيز دعم استخدام التقنيات البديلة للنفط في قطاع المواصلات وهو السوق الأساسي للنفط. وبالتالي فإن التراجع في إنتاج النفط غير التقليدي لن يأتي على الأرجح لمصلحة النفط التقليدي بل لمصلحة التقنيات المنافسة مثل النقل الكهربائي. قد يكون المستفيد الأكبر من انخفاض أسعار النفط الدول المستوردة له مثل الصين والهند وغيرهما، بما ينتج عنه من وفر في فاتورة الواردات. إلا أن النمو في الاستهلاك نتيجة انخفاض الأسعار سيزيد من اعتماد هذه الدول على الواردات، الأمر الذي قد يرفع من منسوب القلق حول أمنها. كذلك يخفض تراجع الأسعار بهذا القدر الكبير بعد فترة زمنية طويلة، جدوى السياسات التي سبق اعتمادها والاستثمارات في مجالات الطاقة البديلة وتحسين كفاءة الطاقة وحماية البيئة. أما الدول المصدرة للنفط والتي تراجعت إيراداتها مع انخفاض السعر فان معظمها سيواجه تحديات مالية بقدر درجة اعتمادها على الإيرادات النفطية في تمويل موازناتها العامة. وبالتالي يبدو أن مصالح كل من المنتجين والمستهلكين للنفط تلتقي حول بقاء السعر في نطاق وسطي يوفر عائداً معقولاً من الاستثمار في المصادر غير التقليدية المطلوبة لتحقيق التوازن في السوق، فلا ترتفع الأسعار الى مستويات تدمر الطلب على النفط أو تنخفض الى مستويات تستدرج اجراءات الحماية وترفع منسوب القلق على أمن الإمدادات.