مرة أخرى يسقط الصحفيون وعشاق البحث عن الحقيقة ضحايا لنظام الأسد القمعي الذي أدمن سياسة التعتيم الإعلامي، وأعلن شن حرب ضروس على كل من يسعى وراء إظهار الحقيقة في سورية، أو فضح فظائعه التي يرتكبها بحق المدنيين وكأنه لا يريد للعالم الحر أن يتعرف على حقيقة الأوضاع إلا من خلال إعلامه المسيس الموجه الذي لا يجيد سوى تزييف الحقائق ولَيّ أعناقها، وهو الإعلام الذي ارتضاه النظام الدموي عملا بالمبدأ الفرعوني "لا أريكم إلا ما أرى". وأشارت تقارير أممية إلى سقوط مئات القتلى وسط الإعلاميين والصحفيين في حوادث قتل متكررة وبصورة منهجية رغبة في إبعاد كل من يسعى إلى نقل الحقيقة أو القيام برسالته المعرفية في بلد تكالبت عليه المآسي، وتداعى عليه الظالمون من كل حدب وصوب، تارة من إيران ونظامها الساعي إلى تنفيذ أجندة مذهبية طائفية تجاوزتها مفردات الواقع العصري، وتارة من حزب الله الذي رضي بأن يكون مجرد مخلب قط ينفذ سياسات طهران ضاربا عرض الحائط بمصالح بلاده ومستقبلها، وتارة أخرى عبر ميليشيات من المرتزقة الذين يقاتلون لأجل المال. في ظل هذا الوضع ازدادت الصعوبات والعوائق التي تواجه مهام العمل الإعلامي في سورية بالتزامن مع تدني وتراجع المصداقية التي وصلت إلى حالة بالغة السوء تجلت في المعلومات المتضاربة والمضللة، مما دفع كثيرا من الإعلاميين الشرفاء الذين فصلوا من أماكن عملهم لرفضهم الانسياق ضمن مواكب الزور الرسمية إلى الانضمام للفصائل الثورية فحملوا السلاح بعد أن وضعوا القلم، وضحوا بأرواحهم في سبيل إظهار الحق والعدل. إلا أن هناك آخرون تمسكوا بمهنتهم التي أحبوها، ورضوا بالعمل في ظروف بالغة الخطورة مضحين بأرواحهم وحياتهم بعد أن رفضوا المشاركة في طمس الحقائق، وتغيير مجريات الأحداث وتكميم الأفواه، وحجب الصورة والكلمة، فكان مصير بعضهم القتل. وبالأمس استهدف صاروخ حراري موجه من طراز كورنيت 3 صحفيين سوريين في الشيخ مسكين في مدينة درعا أثناء أدائهم عملهم كمراسلين لقناة "أورينت" السورية المعارضة وهم: رامي العاسمي، ويوسف الدوس، وسالم خليل. وأشارت وكالة سراج برس إلى أن استهداف القتلى لم يأت بطريق المصادفة أو الخطأ، وإنما كان مقصودا، إذ تم توجيه الصاروخ للسيارة التي تحمل شعار الصحافة، وعليها معدات لا يحملها عادة إلا المراسلون الصحفيون. وأضافت الوكالة أن عملية الاغتيال وقعت بعد أن رصدت سيارة الصحفيين من قبل مجموعات تنتمي إلى النظام، متمركزة في قصر اللواء رستم غزالي في بلدة "قرفة" القريبة، مشيرة إلى أن سائق السيارة حاول الانحراف عن طريق الصاروخ، إلا أنه لم يتمكن لأن الصاروخ أطلق على السيارة من مسافة قريبة لا تتجاوز 2 كلم. وردا على الجريمة نددت رابطة الصحفيين السوريين بالمجزرة وقالت في بيان "ارتكبت قوات النظام السوري مجزرة جديدة، تضاف إلى سجله الدموي الأسود من المجازر راح ضحيتها ثلاثة زملاء إعلاميين سوريين، كانوا في طريقهم لتغطية المعارك التي تجري في بلدة الشيخ مسكين بريف درعا. وندعو المجتمع الدولي للتحقيق في المجزرة". وإن كان هؤلاء الإعلاميون الثلاثة قد انضموا إلى قافلة طويلة من شهداء العمل الصحفي إلا أن الثابت هو أن نظام الأسد الذي لا يجيد الحديث إلا بلغة القتل والدمار، ولا يرد على أصوات العقل والمنطق إلا بهدير المدافع والبراميل المتفجرة سيظل يعاني أشد المعاناة، لأن من يستهدفهم من صناع الكلمة وأصحاب الرأي قد عقدوا العزم على مواصلة مسيرتهم على الرغم مما يعترض طريقهم من ألغام.