قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه إلى الأمة مؤخرا تبريرا لضمه شبه جزيرة القرم، حيث قال إنها لا تقل قداسة بالنسبة إلى الروس عن المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، وأوضح قائلا: «لقد تعمد هنا، في القرم، الأمير فلاديمير قبل أن يشرع في تعميد كل الروس بعد ذلك». يتسم التاريخ الحقيقي وراء هذا الزعم بالغموض، لكنه يشير بقوة إلى أن استغلال بوتين لاسم فلاديمير الأول يمثل تمهيدا للاستيلاء على القرم أكثر مما يحمل معنى مقدسا. ويستند زعم بوتين على واحد من أوضح المصادر التي تحدثت عن عصور الظلام في روسيا وهو «كتاب التاريخ الأول» الذي يعرف أيضا باسم «قصة سنوات مضت» الذي تم تأليفه في كييف في القرن الثاني عشر. ويروي الكتاب كيف زار المسلمون واليهود والكاثوليك ورجال الدين الأرثوذكس اليونانيون الأمير فلاديمير في كييف وحاول كل منهم إقناع حاكم الفايكينغ الوثني بالدخول إلى ديانته. وتردد فلاديمير، الحاكم العدواني لروس وهي مقاطعة نورس - سلافيكية (روسيا وأوكرانيا حاليا)، لسنوات قبل أن يرسل مبعوثين لمعرفة طقوس الأديان المختلفة. وبحسب ما جاء في كتاب التاريخ المذكور آنفا اختار فلاديمير أن يتم تعميده. مع ذلك لم يتمكن من فعل ذلك بهدوء، فبعد اتخاذه ذلك القرار توجه هو وقواته إلى تاوريس خيرسون، التي تقع على أطراف سيفاستوبول حاليا في جنوب القرم، وحاصرها، وهدد باستعداده البقاء لثلاث سنوات إلى جانب جدران المدينة إن استدعى الأمر، ومع ذلك لم يستسلم اليونانيون. وأخذ السلافيون والنورسيون يهيلون التراب في كومات بجوار الجدار حتى يستطيعوا تسلقه، في حين اخترق أهل المدينة الجدار من الداخل وحفروا أسفله حتى ينخفض مستواه. وبعد أشهر حالف الحظ فلاديمير، وذلك بعد أن أصدر أوامره بقطع أنابيب المياه وتغيير مسارها. ونال الوهن من الناس بسبب العطش واستسلموا، ودخل فلاديمير المدينة بقواته وأرسل خطابا إلى باسيل وقسطنطين يقول فيه: «لقد استوليت على مدينتكما المجيدة، وسمعت أن لديكما شقيقة غير متزوجة، فإن لم تمنحوها لي، سأفعل بالعاصمة ما فعلته بهذه المدينة». وبعدما تلقى الملكان هذا الخطاب شعرا بالحزن وأرسلا إليه بالرد قائلين: «لا يصح للمسيحيين أن يزوجوا نساءهم لوثنيين. ويمكنك الحصول عليها إذا أصبحت على ديننا». لم يكن هذا بالنسبة إلى فلاديمير، الذي راقت له فكرة الدخول في ديانة يونانية، بالتنازل الكبير. ولم ترق للأميرة البيزنطية فكرة الزواج من رجل متوحش، لكنّ شقيقيها أجبراها على الذهاب إلى تاوريس خيرسون خوفا من تنفيذ فلاديمير لتهديده. وذهبت بصحبة رجال الدين، وكان فلاديمير في انتظارها، بحسب ما تخبرنا الرواية التاريخية. المؤرخ الروسي البارز أليكسي شاكماتوف وصف عام 1908 نسخة خيرسون عن تغيير فلاديمير لدينه بأنها «أسطورة». ويشير مؤلف قديم بعنوان «ذكرى ومديح الأمير الروسي فلاديمير»، الذي يعود تاريخه إلى القرن الحادي عشر، إلى تعميد الأمير في كييف قبل ثلاث سنوات من بعثة تاوريس خيرسون. وتتفق كافة المصادر فقط على أمور قليلة وهي حصار الأمير فلاديمير وغزوه لتاوريس خيرسون وأن إمبراطوري بيزنطة زوجاه شقيقتهما آنا، وكانا بحاجة إلى التحالف معه لأنهما كانا يسعيان لاحتواء خطورة عسكرية ولم يكن بمقدورهما التعامل معه كعدو. وبغض النظر عن رحلة فلاديمير التي قادت خطاه إلى المسيحية في تلك الفترة تقريبا، فإن مؤرخي اليوم يصفون اندفاعه باتجاه شبه جزيرة القرم بأنه جيوسياسي وانتهازي. وبعيدا عن الحقيقة غير المريحة بأن فلاديمير حكم روس القديمة من كييف، ولهذا يعده الأوكرانيون، الذين يطلقون عليه فلوديمير (واحدا منهم)، لا أساس لزعم بوتين بوجود أهمية روحية للقرم بالنسبة إلى روسيا الحديثة، من الصحة، ولا صلة له بالوضع السياسي الحالي كما هو الحال بالنسبة لهجمات السياسيين على مدار التاريخ. كذلك لا يعلم الكثيرون ممن يعيشون في روسيا أو شبه جزيرة القرم اليوم مهام فلاديمير الدينية أو مغامراته العسكرية. وما أسطورة تاوريس خيرسون إلا قصة قصيرة مسلية في تاريخ القرم الحديث أو قصيدة ممتعة من عصور الظلام تتغنى بأفعال فلاديمير غير العظيم، وأحد غزاة العصر الحديث. * بالاتفاق مع «بلومبيرغ»