بعيداً عن جدلية "مشروعية الجهاد الحالي" أراضي الصراعات من عدمه، وبالقفز على كل الملفات السياسية والاستخباراتية، وغيرها من كل ألوان التناقضات المتناحرة على ملف "الجهاد"، وبمنأى من كل خطابات التشدد التي يغص بها العالم، وتقدم الجنة على هيئة ضغطة زر، ترسل الموت لزوايا كثيرة من الحياة.. هناك أمر شبه مهمش، بل قد يكون مهمشاً بالمرة، متمثل في دافع منسي في التعاطي مع القضية، يكمن في "الهروب من الحياة"، وهو أن "المجاهدين"، (بعضهم)، اختار الموت من أجل الموت، ولا غيره! في مجتمع مسلم، مسألة "الانتحار" قد تبدو مرعبة، سواء في مدلولاتها العقدية أو المجتمعية، ولم تصل لأن تكون ظاهرة حتى الآن، أسوة بغيرها من المجتمعات، وإنما - بالرغم من تزايد الرقم - تعتبر فعلاً شاذاً نوعاً ما، ولذلك تم الإقبال بشكل كبير على "الجهاد"، ليكون الوجهة المتوهمة شرعيتها للموت، بطريقة تضمن التسليم للخلاص من الحياة، دون الاكتراث بما بعد الوداع، والذي يعد همًا فيما لو قورن بنظيره الانتحار، بل ان الأمر يتعدى ليصل إلى أوج البطولة، وبذلك تكون الغاية تحققت، هروب وشهرة، خلاص وثناء.. تحقيق الهدف بلا خسائر؛ بل بأرباح. لأن الذين يكون الموت خيارهم الأوحد، ويختارون تغليفه بما يعتقدون أنه "جهاد"، هم لا يبحثون عن الانتصار غالباً، وإنما عن أبواب الهروب من الحياة، يختارون النهاية باحترافية، حيث إن الإنسان بطبعه يخاف من الخروج عن النسق، حتى في دروب الموت، لذلك هم يجدون الحل في حزام مفخخ، يقتل اليأس في دواخلهم، ويمنحهم وسام الانتصار الداخلي المزيف.. بغض النظر عما بعد هذه النار! "كنا خمسة شبان من السعودية... أنا، وصديقي أبو سهل، وأبو عمار، واثنان التحقا بنا من مكة لم نعرفهما من قبل، أبو مصعب، وأبو محجن، وكان هذا الأخير أكبرنا سنّا، وأحدثنا توبة؛ وما سمى نفسه بأبي محجن إلا لشدة حبه للخمر؛ ولعدم مقدرته على تركه إلا (بالموت).. هكذا كان يقول لنا في دمشق. لقد عقدنا العزم على عدم مماطلة الموت، فها نحن نقدم إليه - راغبين - بعملية استشهادية تنهينا وتنهي العدو.." هكذا يقدم نفسه وأصدقاءه، عبدالرحمن عايل، الهارب من معركة التناقضات أخيراً، والذي سمح له القدر بأن يعود من العراق دون كفن، ويكتب قصته عبر رواية "قبل أن تخون الذاكرة"، وكيف أن الموت، من أجل "الموت"، كان دافعاً هاماً لقناعاتهم، وهو الأمر الذي يبرهن فرضية الهروب! وهنا، يجب تسمية الأسماء بمسمياتها الحقيقية، وأن نفرق بين مفردة مجاهد، ومقاتل، ومنتحر، وغير ذلك.. وتوضيح آلية التعاطي بين كل هذه الأنواع، وهذا ما يفترض أن تتبنى دراسته الحكومات، بطرق تقليدية أو حديثة، ومحاولة تجاوز الأسباب التي قد تدفع مواطنيها للانتحار! وأخيراً.. وكما يقول "بيل كلارك"، رئيس تحرير "نيويورك تايمز" السابق: عدد المسلمين الذين قتلناهم، أو عذبناهم (كأميركيين)؛ يقل عن عدد المسلمين الذين قتلهم مسلمون!.. والسلام.