يحاول المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا اختراق الرمال الوعرة للأزمة، مستعيناً بتجربته في العراق وكوسوفو ولبنان وأفغانستان، وذلك عبر خطة طموحة لا تتضمن أية أبعاد سياسية أو عسكرية آنية، وإنما تهدف إلى تثبيت الوضع الميداني القائم. خطة دي ميستورا لتجميد الصراع جاءت إثر قراءة عميقة للوضع السوري ومشاورات غير رسمية مع أطراف إقليمية ودولية ومؤسسات مدنية، بعد بلوغ الأزمة السورية مستوى عالياً من التعقيد والتشابك بحيث يستحيل إنهاؤها عبر عمل عسكري مباشر أو عمل سياسي مباشر. ليست خطة دي ميستورا مقدمة لإنشاء مناطق عازلة وفق ما تطالب به المعارضة وتركيا منذ زمن، ولا هي شبيهة بالمصالحات التي يقوم بها النظام في بعض المناطق وتنتهي بسيطرته عليها. إنها خطة تهدف إلى الحفاظ على الوضع الميداني بين القوى المعتدلة والنظام، ومحاولة تعميمها إذا كتب لها النجاح إلى مناطق أخرى. أهمية الخطة أو المبادرة أنها تبدأ من الأرض، وليس من المستوى السياسي، كما كان الحال مع الأخضر الإبراهيمي في «جنيف 2» وقبله كوفي أنان مع خطته ذات البنود الست، بل على العكس يمكن القول إن دي ميستورا الذي يمكن وصفه بـ «الماركسي» يعمل على ربط النجاح السياسي في المراحل البعيدة بمدى نجاح خطته على الأرض في المرحلة المقبلة. كما تنبع أهمية هذه الخطة من أنها تتضمن بشكل أو بآخر مضامين المبادرات الإقليمية، سواء مبادرة الجامعة العربية عام 2011 أو خطة إيران التي طرحت في نهاية عام 2012 أو حتى بعض مضامين اتفاق «جنيف 1» و «جنيف 2»، فضلاً عن مضامين بعض القرارات الدولية حول سورية. غير أن اختيار حلب تواجهه عوائق كثيرة قد تحيل خطة دي ميستورا إلى سراب وتضعه في الوضع الذي كان فيه سلفاه الأخضر الإبراهيمي وكوفي أنان، ومن هذه العوائق: ـ وجود أكثر من عشرة فصائل عسكرية في مدينة حلب وريفها وهي لا تجتمع على هدف واحد وإن كانت محاربة النظام العنوان العريض لها. ـ وجود «داعش» و»جبهة النصرة» أيضاً، وهما تنظيمان لهما أهدافهما الخاصة ولا يأتمران بأوامر من أحد ويصعب إن لم يكن من المستحيل إجبارهما على تجميد القتال. ـ تنوع أشكال تواجد النظام في المنطقة من جيش نظامي إلى قوات حليفة كـ «حزب الله» وقوات فلسطينية، إلى مدنيين تابعين للنظام يمكن تسليحهم فوراً. ـ تداخل جبهات التماس بين الفصائل المسلحة من جهة وبين هذه الفصائل والقوات النظامية من جهة أخرى. ـ كيف يمكن مراقبة تجميد القتال ومعرفة من لم يلتزم بذلك على وجه التحديد من دون وجود قوات حفظ سلام. ـ تنفيذ الخطة خارج إطار الأمم المتحدة حيث لن تأتي وفق قرار من مجلس الأمن سواء كان تحت الفصل السادس أو السابع، بسبب اعتراض موسكو على ذلك خشية تكرار نموذج كوسوفو وحدوث تدخل عسكري دولي إذا فشل تجميد القتال. ـ تباين مواقف الأطراف من الغاية من تجميد النزاع، حيث يسعى النظام إلى تطويع خطة دي ميستورا لصالحه من خلال اختزالها في محاربة الإرهاب، وهذا سبب إصراره على ضرورة تنفيذ قراري مجلس الأمن 2170 و 2178 المتعلقين بمحاربة الإرهاب. ومفهوم محاربة الإرهاب مفهوم فضفاض لدى النظام حيث يشمل كافة المسلحين الذين يقاتلونه، في حين تسعى الفصائل المعارضة لا سيما «الجيش الحر» إلى ربط تجميد القتال بتنفيذ القرار الدولي 2165 الذي يتضمن وقف القصف من قبل النظام وعدم تحريك قواته وإطلاق سراح المعتقلين. ـ غياب الثقة بين الأطراف الإقليمية الداعمة للنظام من جهة والفصائل المسلحة من جهة ثانية، وهذا الأمر يتطلب جهوداً ديبلوماسية كبيرة للوصول إلى تفاهم حولها. * إعلامي وكاتب سوري