اتخذت الحكومة البريطانية أخيرا مجموعة من الإجراءات والتدابير، الرامية لتعزيز الاستثمار والإنتاج في كل من قطاعي النفط والغاز في منطقة بحر الشمال. الرجل الذي يقف وراء هذه الإجراءات هو جورج أوزبورن وزير المالية البريطاني، الذي تعتمد خطته على منح تلك الصناعة المزيد من الخصومات الضريبية لتشجيعها على الانتعاش، وتحفيز الشركات النفطية الكبرى على ضخ المزيد من الاستثمارات، وتوظيف أعداد أكبر من الأيدي العاملة. وكانت وزارة المالية البريطانية قد أعلنت خفضا ضريبيا بنسبة 2 في المائة على التكاليف الإضافية لشركات النفط لتنخفض الضريبة بذلك من 32 في المائة إلى 30 في المائة. وأدى هذا القرار إلى توفير نحو 450 مليون جنيه استرليني لمصلحة الشركات النفطية العاملة في بحر الشمال. وتواكب الخفض الضريبي مع تمديد فترات "الإعفاء" من ست سنوات إلى عشر، إضافة إلى منح بعض حقول النفط والغاز التي تواجه ارتفاعا في تكلفة الإنتاج علاوات تشجيعية. وقد أثار قرار الحكومة البريطانية نقاشا واسعا حول مدى تأثيره في صناعة النفط والميزانية العامة والبيئة. ولـ"الاقتصادية" يصف جون توماس المختص النفطي السابق في شركة شل تأثير تلك القرارات قائلا: "بالنسبة للشركات النفطية فقد رحبت بالقرار، لكنها وجدت أن نسبة الخفض الضريبي أقل مما كانت تأمل فيه. وبصفة عامة فإن ما سينجم عن توفيره نتيجة الخفض الضريبي سيستثمر في صناعة النفط والغاز. ويتضح هذا من تصريحات شركة مارسك للبترول على سبيل المثال، وكانت الشركة قد أعلنت أن قرارات وزير المالية ستتيح لها المضي قدما في خططها بشأن تطوير وتوسيع أحد حقولها المنتجة للغاز في بحر الشمال. إلا أن هذا الترحيب لم يمنع بعضا من كبار المسؤولين في صناعة النفط والغاز في المملكة المتحدة في القول إن التخفيضات لا يمكن لها أن تحل "الأزمة الحالية في عمليات الاستكشاف". فقد نشر رئيس مجلس إدارة شركة النفط والغاز البريطانية على الإنترنت تعليقا له قال فيه "لا يمكن إلا أن ننظر إلى هذه القرارات باعتبارها خطوة أولى نحو تحسين القدرة التنافسية المالية لصناعة النفط في بحر الشمال، لكن النهوض بهذه الصناعة الحيوية يتطلب مزيدا من التخفيضات في المعدل العام للضرائب، لضمان مستقبل جيد لها على الأمد الطويل". بيد أن مساعي المسؤولين في صناعة النفط والغاز للحصول على مزيد من التخفيضات الضريبية تواجه برفض ليس فقط من قبل المعارضة العمالية، ولكن أيضا من قبل مستشارين ومختصين اقتصاديين في الحكومة. ولـ"الاقتصادية" يعلق الدكتور بلامر دين أستاذ المالية العامة وأحد الأعضاء في الحزب الديمقراطي الليبرالي المشارك في الحكومة قائلا: "إجمالي الاستثمارات في صناعة النفط والغاز البريطانية يبلغ 32 مليار استرليني، والناتج الإجمالي من صناعة النفط والغاز في بحر الشمال يبلغ خمسة مليارات جنيه استرليني سنويا، وقد تراجع وضع هذه الصناعة ومساهمتها في الاقتصاد جراء الانخفاض الراهن في الأسعار، وكذلك تراجع الاحتياطات من النفط والغاز في بحر الشمال بصفة عامة. وهذا التراجع وانخفاض الأسعار يرفع بلا شك تكلفة عمليات التنقيب والإنتاج. وما منحته الحكومة أخيرا لشركات النفط والغاز من امتيازات ضريبية يعد كافي في الوقت الراهن، لأن منح المزيد من الخصومات الضريبية سيؤدي إلى زيادة العجز الراهن في الميزانية العامة". إلا أن وجهة النظر تلك تواجه بمعارضة بعض مختصي النفط، الذين يشيرون إلى تقرير حكومي صدر في شهر فبراير الماضي كشف أن قيمة الاحتياطات النفطية والغازية في بحر الشمال تقدر بنحو 200 مليار جنيه استرليني. ويعتبر الخبراء أن التراجع الراهن في عمليات التنقيب وزيادة معدلات الإحالة على المعاش لدى العاملين في شركات البترول في بحر الشمال، يتطلب ضخ مزيدا من الاستثمارات لإنقاذ تلك الصناعة الاستراتيجية، وهو ما يقدم مبررا لزيادة الخفض الضريبي لتعزيز الإنتاجية والتوظيف. ومع هذا فإن عددا آخر من مختصي الطاقة في بريطانيا فضلوا التريث في الحكم على قرارات وزير المالية البريطاني حتى تدخل حيز التنفيذ، فالشركات الدولية تختار الاستثمار في البلدان التي تكون العوائد المالية فيها كبيرة ونظامها الضريبي واضحا وأكثر قابلية للتنبؤ بالتغيرات المتوقعة فيه. والخطوات الضريبية الأخيرة تعد مشجعة - من وجهة نظرهم - لكن إلى أي مدى يمكن أن تؤدي إلى زيادة في عوائد صناعة النفط لتجعلها جذابة للاستثمارات الأجنبية؟ فهذا لن يقرره فقط الخفض الضريبي وإنما أيضا أسعار النفط التي لا تبدو مشجعة في الوقت الراهن. ولـ"الاقتصادية" يعلق المختص الضريبي جون آلن قائلا: "قضية الخصومات الضريبية للقطاع النفطي في بريطانيا تكشف عن تغير في فلسفة الحكومة الضريبية تجاه هذا القطاع. فبدلا من أن يكون جوهر السياسة الضريبية هو زيادة عائدات الخزانة العامة عبر استقطاعات ضريبية من شركات النفط والغاز، فإن سياستها الراهنة بنيت على تعظيم عوائد تلك الشركات لدعم الإنتاج والتوظيف، ليس فقط من منطلق زيادة العائد الضريبي على الأمد الطويل، ولكن الأهم حاليا الانتعاش الاقتصادي ككل" وبينما يرجح البعض أن تسهم تلك الإجراءات الضريبة في تشجيع شركات النفط على مزيد من التعاون المشترك سواء في عمليات التنقيب أو الإنتاج. يعتقد آخرون أن استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية يمثل الحل الأمثل لصناعة النفط البريطانية، إذا يمكن لهذه الاستثمارات الدولية أن تساعد في التغلب على حالة التشاؤم التي هيمنت على الشركات المنتجة للنفط في بحر الشمال بعد خسارة أسعار النفط أكثر من 30 في المائة من قيمتها. وبينما بلغت عملية الإنفاق في صناعة النفط البريطانية معدلات قياسية العام الماضي لتلامس سقف 14.4 مليار استرليني، يتوقع لها أن تنخفض هذا العام إلى 13 مليار استرليني فقط، وأن تواصل الانخفاض عام 2015 إذا ظلت أسعار النفط في تدهورها الراهن.