تأخذنا تفاصيل الحياة وجنونها وصخبها إلى الكليات أكثر، وننسى الجزئيات، بينما السعادة والبهجة كلها تكمن في الجزئيات والتفاصيل، ابتسامة، تذوق ما تحب، العشرة السمحة، دفء الحب والغرام.. كل تلك الأمور تنعش القلب وتخفف من ضغط الحياة وتصاريفها. على قناة Nat Geo people ــ ناشيونال جيو غرافيك بيبول، تبث يوميا في المساء برامج عن عادات الشعوب وغرائبها، ومما تميزت به البحث في التقاليد والتي تعني الأسس لهذا الشعب أو ذاك، كل تلك التقاليد نراها بسيطة للغاية وليس فيها أي تعقيد، يأخذون مسؤولا كبيرا في فندق ليذهب إلى أهله وقريته الصغيرة ويعيش التفاصيل الأولى أو التقاليد الأساسية، لا تصدق كيف هي سعادة ذلك الإنسان وهو يعود إلى جذره وبريته، فمن أسباب السعادة الاتصال بالبرية والطبيعة. ثم إن التفاصيل هي عناوين الإبداع، فهي محتوى الشعر والقصيدة، وفحوى اللوحة والفن، ونغمة الأغنية والموسيقى، إذ الإبداع لا يتكون دائما من كليات، بل تصبغ الجزئيات الفن على أعلى طراز، وهو ما يمنح الفنون السحر والجذب. تجد الركضات الأولى والتفاصيل تحضر لدى الشعراء؛ مثل قرية سلمية لدى محمد الماغوط، أو قصابين لدى أدونيس، أو بنغازي لدى الصادق النيهوم.. كل تلك الركضات الأولى هي ما تحتويه الإبداعات والفنون. بالتأكيد أن المدينة شوهت بعض الأخلاق والآداب، وأن الشهامة أو الفروسية ضعفت في ظل نزعات البشر القاصرة، لكن الأصالة والبراءة الأولى تكمن في التفاصيل الأساسية التي أحبها الإنسان، فكل التجارب التي يمر بها في حياته وآلامه وآماله لا تساوي شيئا في نهاية مطاف الحياة أمام رائحة مصلى الأم، وقهوة تمد إليك من يد جدتك التي ازدانت يدها بتجاعيد الحياة، أو ركضة في فناء حقل هجرته منذ سنين. التفاصيل ليست مسكنا للشيطان ــ كما يقولون، بل هي مكمن السعادة.. حافظوا على أصالتكم وتفاصيلكم. نقلا عن عكاظ