جلستُ أُفكِّر بيني وبين نفسي وأنا أقود سيارتي في شوارع العاصمة العربية، التي أقيم فيها حاليًا، وأشاهد فيها كل يوم مظاهر مختلفة من حياة الناس؛ وحال الشارع في هذه العاصمة العريقة، التي تشف كلها عن مظاهر غير مُشجعة لعاصمة عربية، كان ينبغي أن تكون اليوم في مصاف العواصم العالمية الكبري، خاصة وأنها كانت كذلك يوما ما!! وأمعنت في مقارنة هذه المدينة، وبعض مدننا العربية الكُبرى، بمدينة أخرى في جوارنا الجغرافي، وهي اسطنبول، التي كانت يومًا ما عاصمة للإمبراطورية العثمانية، وهي اليوم من أجمل المدن بعد أن كانت قبل 30 عامًا لا تختلف كثيرًا عن كثير من مدننا العربية؛ التي مازالت تعاني مشكلات تزداد تجذرًا يومًا بعد يوم. *** إسطنبول، وتُعرف تاريخيًا باسم بيزنطة والقُسْطَنْطِيْنِيَّة والأسِتانة وإسلامبول؛ هي أكبر المدن في تركيا، وهي اليوم مركز تركيا الثقافي والاقتصادي والمالي.. كانت هذه المدينة عاصمةً لعدد من الدول والإمبراطوريات عبر تاريخها الطويل، فكانت عاصمة للإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية البيزنطية، والإمبراطورية اللاتينية، والدولة العثمانية.. وفي معظم هذه المراحل، أحيطت المدينة بهالة من القداسة، إذ كان لها أهمية دينية كبيرة عند سكانها وسكان الدول المجاورة، فكانت مدينة مهمة للمسيحيين بعد أن اعتنقت الإمبراطورية البيزنطية الدين المسيحي، قبل أن تتحول لتصبح عاصمة الخلافة الإسلامية من عام 1517 حتى انحلال الدولة العثمانية عام 1924. *** هذه المدينة تعرضت لما تعرض له غيرها من المدن من التأثر بأحداث جعلتها تعاني من شيخوخة كادت ترديها إلى حتفها.. وكان لمحافظ اسطنبول (آنذاك) رجب طيب أردوغان الفضل في تحقيق معجزة إصلاحية كبرى حولها من مدينة تحتضر إلى مدينة ديناميكية، وانفرجت أمام المواطنين العاديين فرص العمل والزواج والسكن والتعليم.. وأكمل أردوغان مسيرة الإصلاح وحقق لبلاده في سنوات قليلة ما عجزت حكومات قبله من تحقيقه في نصف قرن. وبرزت تركيا كقوة اقتصادية كبرى، مع وعد بأن تكون تركيا عام 2023 أكبر قوة اقتصادية في أوروبا!! وعندما سأل الصحفيون الغربيون أردوغان: كيف استطعت أن تصنع كل هذه المعجزات في وقت قصير؟! قال الرجل ببساطة: كل ما فعلناه أننا أغلقنا أبواب الفساد في الإدارة الحكومية، وضربنا على أيدي الفاسدين لمنعهم من نهب المال العام!! *** وبعد هذه المقارنة، التي لم تكن في صالح كثير من المدن العربية، طرحت على نفسي العديد من الأسئلة.. في مقدمتها: ما الذي ينقص العواصم والمدن العربية، خاصة في الدول التي أفاء الله عليها بمقدرات تنموية كبيرة كي تكون نسخة أخرى من اسطنبول، أو الدول العربية لتحقق ما حققته تركيا من تطور ونمو تعدّت فيه الكثير من مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية.. وحققت نموذجا تنمويًا لدولة إسلامية وسط نماذج أوروبية لها طبيعة وتجارب مختلفة. * نافذة صغيرة: (إن التقدم والتنمية وحقوق الإنسان لا يُمكن أن نأخذها جاهزة مُعلَّبة من الغرب بتحيّزاته وقواعد حضارته هو، بل يجب أن نضعها في سياق ثقافتنا وحضارتنا). جلال أمين. nafezah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain