لم يدر في خلد ابن السابعة عشرة سنة ولو للحظة واحدة وهو يغادر جازان تاركا أهله وأحبابه وبيته ليغترب في مدينة أخرى، تجوب أحلام الشباب داخل صدره، وتطلعات المستقبل في فكره، وهو ينشد جامعة يواصل فيها تعليمه من أنه سيعود إليها يوما بعد أن حاز الأستاذية وأصبح أستاذا جامعيا ليقف على منصة جامعتها في واحد من محافلها متحدثـا في جامعة فتية أصبح مشهود لها بالتميز رغم حداثة إنشائها مستشعرة أهمية التطوير لتواكب أقدم الجامعات وتطمح للريادة. لم يكن الكلام عن جامعة جازان محض صدفة فقد كنت قبل أسبوعين تقريبا ضمن المشاركين في ملتقى الريادة والإبداع الذي نظمته الجامعة، وخرجت بانطباع يفوق كل التصورات وأبهرني ذلك المجتمع الجامعي رغم حداثة عهده، فقد رأيت بعيون هذه الجامعة الفتية غدا واعدا، ومستقبلا رائدا وتطورات متلاحقة تنبئ عن اقتصاد معرفي يسهم في مسير النماء لهذه الأرض المباركة لجيل معرفي متميز وجيل قيادي واعد. سنوات عديدة لم يحالفني الحظ لزيارة جازان فكانت هذه الزيارة فرصة لمشاهدة هذا النمو والتطور، ولعل أبـرز ما لفت انتباهي تلك المنجزات التي تثلج الصدر والحالة التنموية التي تشهدها جازان المنطقة والجامعة بدعم وتوجيه من ولاة أمر هذه البلاد المباركة. فقبل أن أشد إليها الرحال دخلت في رهان خاسر مع نفسي، حين تساءلت ما الذي يسكن جامعة لم يتجاوز عمرها سنوات قليلة، وما عساها تمتلك من الإمكانيات، وأنا الذي تركت المنطقة بكاملها ذات يوم بحثا عن قاعة دراسية أكمل فيها تعليمي وغيري الكثير من أقران جيلي ممن كانوا يذهبون إلى مناطق المملكة الأخرى لإكمال تعليمهم الجامعي في الوقت الذي تخلف فيه البعض ممن قصرت بهم سبل المعيشة عن الانتقال إلى جامعات أخرى بعيدة لمواصلة مسيرتهم العلمية؛ لكنني رأيت ما يبهجني ويشعرني بالغبطة والسرور، شاهدت جازان المنطقة ترفل بحلة جديدة وهي تشهد نقلة نوعية متعاظمة وحراكا تنمويا واقتصاديا كبيرا ومشروعات حيوية في مختلف المجالات كترجمة حقيقية لذلك الدعم الذي تحظى به هذه المنطقة من لدن خادم الحرمين الشريفين وتجسده تلك المشروعات الاقتصادية العملاقة التي تشهدها جازان من أبرزها مصنع الحديد، ومصفاة جازان، والمدينة الاقتصادية، ومنظومة جامعة جازان الفتية. الفارق الزمني لم يكن عقبة أمام هذه الجامعة الطامحة لأن البشر وحدهم من يصنعون الإنجاز وليس الأيام والسنوات فالمكتسبات العظيمة والخطط المدروسة جعلتها تسبق الكثير من الجامعات التي سبقتها بمقياس الزمن بعشرات السنين، كل ذلك بفضل مديرها الكفؤ النشيط والمتحمس ومساعديه الطامحين من أبناء المنطقة وطلابها المبدعين والمجتمع الجازاني المتعطش للنجاح والكفيلين بتحقيق الريادة؛ ناهيك عن رعاية ودعم أميرها المخلص، فدماؤه محبة للعلم والإبداع وهو الذي يحرص على حضور كافة مناسباتها العلمية والاجتماعية والوطنية. صحيح أن زيارتي كانت قصيرة وتمنيت لو تطول لأفتش في سواكن هذه الجامعة ومكتسباتها، وما حققته من سمعة جيدة، لكنها امتزجت بفرحة عارمة بما رأيته من تطور تغلب على سنين الابتعاد عنها، وإعجاب شديد بالمستوى الذي وصلت إليه في الريادة البحثية وشراكتها مع الجامعات العالمية المتقدمة، وما تمتلكه من مجموعة واسعة من التخصصات وكذلك الكفاءات الأكاديمية المتزايدة، ومراكز الأبحاث المكثفة، وتصميمها البديع كمدينة جامعية تتداخل مع البحر، حيث الممرات المائية تنساب بين كليات الجامعة ومنشآتها، فقد استطاعت خلال سنوات قليلة أن تنطلق من جامعة ناشئة وليدة بدأت بثلاث كليات إلى بضع وعشرين كلية في كل التخصصات، من الشريعة حتى الطب والهندسة تضم ما يقارب ستين ألف طالب وطالبة، فضلا عن جهود الجامعة ودورها الملحوظ في نهضة منطقة جازان وإسهامها في خدمة المجتمع من خلال برامجها الهادفة حيث مثلت منارة علم وتطور للمنطقة وأصبحت بيت خبرة يسهم في تطوير المنطقة ونهضتها. سيحفظ التاريخ لخادم الحرمين الشريفين ما أنجز في عهده من انتشار ودعم لا محدود للتعليم العالي، حتى أصبحت الجامعات في كل منطفة بل وفي المحافظات، وسيحفظ له ما تحقق لجازان المنطقة والجامعة بفضل اهتمامه البالغ بهذه المنطقة وغيرها من المناطق التي شهدت في عهده نقلات سريعة ومنجزات عظيمة على المستوى الثقافي والعلمي والعمراني.. ودمتم سالمين.