أحبتي! في الماضي كنت فتاة حسناء، متوقدة الذكاء، كثيرون هم من تنبأوا بأنّ الغيب يخبئ لي مكاناً بين النجوم لكن غياب التعليم حينها كان هو العائق الأقوى في تحقيق هذه النبوءة، فكنت أنظر إلى نفسي بأسى لأنني كنت أرى أبوابه مشرعة للنور في كلّ البقاع ولكن ما إنْ منّ الله عليّ به حتى بدأت أولى خطواتي، كانت خطوات جريئة، فتفتق عقلي ومارست دوري باقتدار، ولُذت بأبنائي الذين حباً بحبّ قرروا أن يسعوا لتكون أمّهم ليس ككل الأمهات، وقد راهنوا على وقوفي إلى جانبهم ودعمهم في توجههم مهما كانت الظروف، فأشرقت روحي بحبهم، وتجددت طاقاتي بصدق ولائهم، وكنت معهم وهم يغذّون السير، فكانت مكافأتي منهم أنْ بنوا لي بأيديهم عتبة جديدة في طريق المجد!. مضى ذاك الجيل من أبنائي، وانصرفت لتربية جيل جديد، وكانت الفاجعة! لقد شابهوا أسلافهم في السّحنة وجانبوهم في النيَّات والفعال، كنت أتودد إليهم فيجفوني، وإذا ما وجدوا حيلة نهبوني لا يردعهم عن ذلك وازع! واستحلوا حليّي، وسكبوا عطري وأفرغوا بأياديهم السوداء الغالي من ثروتي في جيوبهم القذرة، وليس ذلك إلّا لنزوة عابرة وحباً في دنيا زائلة، فتبدّل حالي وانحنى ظهري، وشحب من الهمّ وجهي، وتدثرت بحزني، كيف لا وأنا أرى أبنائي قد أداروا لي ظهر المجنّ وكأنّي ألدّ أعدائهم، أناديهم فيدبرون وأتوسل إليهم فيستغشون ثيابهم. لكنّني اليوم أضع رجائي في أبنائي المغتربين الذين غادروني رغم تعلقهم بي– لكي يجلبوا لي صنوف العلوم ومستجدات المعارف، وطفرات التقنية وأقول: إنّه بقدر حبّي لكم أناشدكم أنكم إذا عدتم هبوني ضمائركم، وتحسسوا دَيني الذي في رقابكم وثقوا أنّي سأكافئكم بأكثر من عطائكم فإنّه ليس من شيمي التنكر للأوفياء فكيف بأبنائي؟!.