×
محافظة المنطقة الشرقية

الجمعية العلمية السعودية لجراحة التجميل والحروق تنظم مؤتمرا دوليا في جدة

صورة الخبر

هناك أدب وهناك قلة أدب.. ولا أعني بقلة الأدب سوء الأخلاق بالضرورة، وإنما أعني بها أن يقرر المرء فجأة أن يكون شاعرا أو أديبا دون أي موهبة أو معرفة. هكذا يقرر وكأن الإبداع متوقف على قرار واختيار. قلة الأدب هي قلة المخزون الأدبي والتجربة الفنية والموهبة اللدنية. ولقد ابتلينا هذه الأيام بفتيان وفتيات اشتهـروا في مجال الإعلام أو التمثيل أو غيرها من المجالات وقرروا أن يستثمروا شهرتهم هذه في التأليف الأدبي. ويبدو أن ظهور شبكات التواصل الاجتماعي فائقة التطور كالتويتر والفيسبوك والواتساب ونحوها شجعت أولئك الناس على اقتحام ميدان الأدب الذي هو أكثر صعوبة وتعقيدا من ميدان الدردشة والتغريدات. فإذا كان الفتى منهم يكتب تغريدة سطحية ويأتيه عليها من الثناء ما لم ينله طه حسين في كل ما كتب وأبدع فلا غرابة أن يتجرأ ذلك الفتى على النشر.. وبالمناسبة فأنا ضد منع هؤلاء السطحيين قانونيا من النشر والتأليف فهو حق لهم. لكن لنا الحق في نقد السطحية أنى وجدت. انشروا واكتبوا فلا لوم عليكم بل على من يقرأ لكم ويثني عليكم. أو لنكن أكثر عدلا: اللوم على من يعتبر ما تكتبون فنا. أحد هؤلاء الفتيان كتب باللغة المحكية (اللهجة العامية) وهذا برأيي لا بأس به، فهناك فن عظيم مكتوب بالمحكية الخليجية أو الشامية ونحوها.. لكن تحويل الفن إلى ثرثـرة ودردشة خالية من إبداع وجمال وعمق هو المصيبة التي أصابت الأدب العربي. بعض المؤلفات السطحية هذه أسوأ حتى من الكلام العادي الذي نزجي به وقت الفراغ وليس لها من مقومات النشر سوى شهـرة صاحبها. أنا لا أندب وأنوح كالثكلى على الأدب العربي تحديدا فهناك أدباء رائعون وملهـمـون.. بل على الذائقة التي أصيبت بالتدهور مع ظهـور أدباء الدردشة. آلاف من الشباب والشابات يقرؤون تلك الثرثـرات ويظنون أنها أدب.. وقد يقول الواحد في سره: ما أسهـل الإبداع.. لم لا أكتب كما يكتبون؟ والحقيقة أن الإبداع ليس سهلا. فالمرء لا يولد مبدعا؛ فلا بد قبل الإبداع من تمرين وتعلم. ولو تصفحت سير أعلام الأدب الحقيقي لوجدت أنهم أفنوا أعمارهم في القراءة والكتابة والتحليل والتفكير. فكل شعراء النهضة العربية مثلا كانوا يحفظون آلاف الأشعار ويقرؤون آلاف الكتب. بل إن منهم من يحفظ القرآن كاملا. بل حتى بعض الشعراء العرب النصارى كانوا يحفظون القرآن ليقووا ملكاتهم اللغوية. كما أنهم لا يكتفون بقراءة التراث العربي بل امتد نشاطهم ليشمل قراءة الآداب العالمية كالهندية والفارسية والألمانية والإنجليزية والفرنسية وغيرها. بقي شيء واحد ورغم بساطته مقارنة من الشروط السابقة إلا أنه مهـم: إجادة النحو والإملاء. إن أكبر عيب لأي أديب في أية ثقافة أن يكون قاصرا في هذا الجانب رغم أن (اللغة) هي شغله الشاغل. بكل أسف إن أغلب أدباء الإنترنت ضعفاء جدا في النحو ويخطئون في كل كلمة إما إملائيا أو نحويا أو لغويا أو أسلوبيا. لذا فالقدرة الأسلوبية واللغوية هي فاتحة الأدب والأديب الذي تخونه هذه القدرة لا يوثق في ما يكتب. ولو قبلنا على مضض بعض الأخطاء النحوية فيما يكتب المفكر أو العالم فإنا لا نقبلها من الأديب. حبا في الله أيها السادة.. إن كنتم لم تقرؤوا في الأدب والنحو والبلاغة فلا تكتبوا .. وابحثوا عن أي شيء آخر يليق بقدراتكم.. فالشهـرة مجالها واسع ويمكن اكتسابها بعيدا عن الأدب. إن الفن والأدب هو رأسمالنا الثقافي.. ففي الفكر والعلم لازلنا نزحف زحفا.. والمجد الوحيد الذي يمكن أن نتنعم به هو الأدب.. واللغة العربية لغة أدبية عظيمة ومطواعة وقادرة على تحدي كل لغات العالم في مجال الفن الأدبي. فلا تعبثوا بأجمل ما في تراثنا.