هيفاء صفوق يكتشف الفرد وهو في منتصف الطريق أنه أضاع بوصلة الاتجاه، فلا يدرك بعدها في أي اتجاه يسير، وربما يحاول أن يدرك الاتجاه الصائب، لكنه يخطئ مرة أخرى، فيعود صفر اليدين مشوش التفكير، بسبب إعادة الخطأ مرة أخرى.. فهل كان اختياره للطريق منذ البداية خاطئ أم أن هناك ما هو أعمق من ذلك؟ عندما نتعمق أكثر، نكتشف قبل اختيارنا الاتجاه في طريق معين في الحياة، أنه يجب علينا أن نتعرف على الذات. (أنا) من أكون، ولو سُئِل من أنت؟ لوقف العديد يتأمل السؤال، من دون إجابة، وكأنه أول مرة يسمع به. على رغم أن المحرك الأساسي في الإنسان هي الذات الخفية في الظاهر، وربما يجول في خاطر بعضهم شيء مختلف عن مفهوم الذات، فيظن أن كل ما حققه من مشاريع وأعمال وأفعال هي الذات. القدرة على الدخول في مكونات الذات تحتاج إلى شجاعة، وقدرة على المواجهة وجهاً لوجه، والتعري والتخلي عن كل الحيل الدفاعية التي يجيدها الفرد. هنا سيتعرف على نقاط قوته الإيجابية، التي ربما لا يدركها أو يتجاهلها، إذا عرف الفرد ماذا تحوي الذات من قوة وإبداع وقدرة على إثبات وجودها، يساعده ذلك في عملية اختيار البوصلة في التوجه الصائب واختيار الطريق الصحيح، ويختصر المسافات، ويبتعد عن العوائق المحتملة، ويستطيع أن يحقق آماله وطموحه، بطريقة مدروسة وواعية ومحتملة ومتقنة أيضاً. القدرة في معرفة بواطن القوة يجعل الفرد واعياً في مراحل حياته، وطريقة تفكيره الإيجابي الحر والسليم، من دون أن يقع تحت أي آيديولوجية معينة تصادفه في الحياة، ويستطيع التخلص من أي نمط قديم اعتاد عليه أعواماً ماضية، سواءً أكان من تربية سابقة أم تراث متناقل من جيل إلى جيل؟ بل ستكون طريقة تفكيره مستبصرة ومدركة، بعيداً عن الإطار التقليدي التابع، وهنا يستطيع أن يفهم ذاته بحرية ووعي، فتزيد لديه الفرص والإمكانات، التي من خلالها يستطيع أن يعيش بشكل مريح ومتوازن، من دون أن يشعر بصراع بين ما يؤمن به، أو بين ما مُلئ عليه سابقا. لا يدرك الغالبية أن الظروف أو الإحباطات ليست هي من تسببت في التوهان أو عدم القدرة في التوجه الصحيح، بل يرافق ذلك أو لصيق لها هو الجهل في مكونات الذات وعدم التعرف على الداخل بموضوعية وصراحة، من دون جلْد أو تعظيم، وكما أن معرفة القوة الداخلية مهمة للفرد، كذلك معرفة بواطن الضعف أو السلبية مهم أيضاً، لأنه هنا سيدرك ما الذي يهزمه كل مرة؟ ما الذي يخيفه ويهابه ويهرب منه؟ أو لماذا توقف في منتصف الطريق؟ يواجه ماذا يعني فشل أو كره أو غضب، عندما يواجه الفرد كل ذلك بصراحة، وغيرها من النقاط السلبية، سيكون هذا أول الطريق الصحيح في اتجاه النور والتوجه السليم والمرضي له. ما لا يدركه، أن الاعتراف بضعفه هو قمة القوة وقمة التحدي، وإلغاء (الأنا) بكل غرورها هو ما يفتح له العديد من الأبواب المغلقة، سواءً أكان في عمل أم تعامل مع أفراد آخرين أم الشعور بالرضا والطمأنينة الداخلية؟ لأن الهروب من حال الضعف أو محاولة إخفائها، لها تراكمات سلبية وخطيرة فيما بعد، ويصعب التخلص منها سريعاً. إن هذا الضعف أو السلبية لا تذهب ولا تختفي، بل ستظهر في طريقة تفكيره من دون أن يشعر، وستنجلي في قراراته من دون أن يدرك، وستنكشف في حديثة وتعامله، وهذا أكبر عائق له؛ لأنه لا يدرك حقيقة الأمر، لماذا هو فشل؟ وسيعاود الكّرة ألف مرة، وللأسف سيتكرر الفشل أيضاً ألف مرة، في العلاقات الإنسانية أو المهنية أو في أي منحى من مناحي الحياة. معرفة الداخل في جوهر الإنسان يتطلب مهارة وإرادة، وإعطاء فرصة للنفس للتأمل بعمق، لكل بواطن القوة والضعف، وإدراك حقيقتها، وكيف تكون لها السلطة لاختيار البوصلة في التوجه في كل أمور وأشكال الحياة، معرفة الجوهر من الداخل يجعل الفرد يعرف هويته الحقيقية، من يكون؟ ماذا يريد؟ ماذا عليه فعله؟ ما الطريق الذي يناسبه ويلائمه؟ بحسب رغباته وحاجاته وقدراته. هناك من تضيع أعوام من حياته، يفقد الاتجاه والطريق الصحيح، ويقع ضحية التبريرات التي لا صحة لها، كأن يقول: إنه إرثه القديم الذي شّب عليه، نعم في حياة كل فرد يحدث ذلك -فهو الأصل-، يتعلم الإنسان من بيئته التي شب وترعرع فيها، لكن عندما ينضج ويتعلم ويدرك سيعرف ما هو الصائب منها وما هو الخاطئ، ويبدأ في عملية الاختيار؛ لأنه مهيأ لذلك، بما يمتلكه من قدرة عقلية وحسية متطورة ومتغيرة، عبر الأعوام، ومن خلال التجربة أيضاً سيتعلم المزيد في تطوير ذاته، والخروج من القوقعة التي يمر جميع الأفراد بها. هنا يأتي دور الإنسان في كيفية تطوير نفسه، من خلال توسيع مداركه الداخلية، بالسماح لذاته فتح الأبواب المغلقة، التي دائماً ما يخاف المرور من قربها، عندما يفتح تلك السلبيات والإيجابيات في أعماقه، وبتجرد تام من كل القديم الموجود في داخله، سيزيد مساحة الوعي في مفهوم «ماذا يريد فعلاً»، أكثر الإفراد ضياعاً الذين لا يدركون ولا يعلمون ماذا يرغبون؟ أو يريدون؟ فيعيشون تحت وطأة وسلطة الآخرين. معرفة الجوهر والداخل بفكر حر وسليم، يساعد الفرد على الابتعاد عن قمع الذات أو غرورها. من هنا تبدأ خطواته الثابتة نحو الطريق السليم، واختيار البوصلة الصحيحة كما يرغب هو، لا كما يرغب الآخرون.