طرح المحلل والكاتب الأميركي بصحيفة «واشنطن بوست» ديفيد أغناتيوس تساؤلاً في مقالة له، عند بدء غارات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وهو: هل الولايات المتحدة تسير نحو فخّ نسجه «داعش»، لدفعِها إلى نزال وشن هجمات تُسفِر عن حشد الجهاديين حول «داعش» من كل أنحاء العالم؟ تساؤل لم تعد الإجابة عنه الآن في حدود الاحتمالات والتكهنات، فتنظيم دولة داعش قد بدأ بمسارعة الخطى في استجلاب التدخل العسكري الغربي البري، واستفزاز الولايات المتحدة ومحاولة إجبارها على إنزال قواتها إلى أرض المعركة، وهو مطلب داعشي بامتياز، فهو يدرك تماماً أنه لا يستطيع إسقاط الطائرات المهاجمة، ولا وقف الصواريخ التي تسقط فوق مواقعه، وقد تقضي على قياداته المهمة، وقد شرع فعلياً وبطريقة محددة قي تصعيد حدة الموقف مع خصومه واستدراجهم للمواجهة، وآخر تلك الخطوات هو ما تضمنه الإصدار الأخير للتنظيم الذي حمل عنوان: «ولوكره الكافرون»، عبر إعلانه وبكل بشاعة ذبح الرهينة الأميركي الطبيب بيتر كاسيغ على يد الإرهابي ذي السترة واللثام الأسود واللكنة البريطانية المعروف باسم جون، المسؤول من قبلُ عن نحر الرهينتين البريطاني والأميركي، وفي رسالة تهديد واضحة قال جون مخاطباً الرئيس الأميركي أوباما «مقاتلي داعش ينتظرون بلهفة قدوم المزيد من الجنود الأميركيين ليلاقوا المصير نفسه». وكذلك إعلان زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي في كلمته بقوله: «عما قريب سيضطر -بحسب تعبيره- اليهود والصليبيون للنزول إلى الأرض وإرسال قواتهم البرية إلى حتفها ودمارها»، معتبراً أن ذلك «بدأ بالفعل» إثر إعلان الرئيس الأميركي، باراك أوباما عزم بلاده على إرسال حتى 1500 جندي إضافي إلى العراق، لتدريب القوات العراقية والكردية على قتال التنظيم. وفي خطوة لا تخلو من الرمزية، وفي سبيل تحقيق مرادها عبر استغلال وترويج النبوءات والدعايات والشعارات الدينية، فقد زعم التنظيم أن مقتل الطبيب الأميركي بيتر كاسيغ قد تم في بلدة دابق بريف حلب، وأنه أول صليبي أميركي سيدفن في دابق، وهذه البلدة الصغيرة المشار إليها، هي بحد ذاتها لا تشكل قيمة إستراتيجية تذكر مقارنة بالمدن الإستراتيجية التي يسيطر عليها التنظيم، كالرقة معقل التنظيم في سورية أو الموصل في العراق، وإنما هي نداء تعبوي لمقاتلي وأتباع تنظيم دولة داعش، ولا سيما منذ أن تمت السيطرة عليها في آب (أغسطس) الماضي، بناءً على نبوءة وردت في حديث نبوي تشير إلى أن حشداً من الكفار يرفع 80 راية يواجه جيش المسلمين عند بلدة دابق، في ملحمة تكون نهايتها بانتصار المسلمين، وليست هذه المرة الأولى التي يتم استخدام وتوظيف التنظيم لها، فقد تم استخدامها منذ نشأة التنظيم في العراق على يد أبي مصعب الزرقاوي، فقد كان يتحدث عن المعركة الحاسمة في دابق، وقد قال ذات مرة: «ها هي الشرارة قد انقدحت في العراق، وسيتعاظم أوارها بإذن الله، حتى تحرق جيوش الصليب في دابق»، والآن نجد أن التنظيم يهدف من توظيف هذه النبوءة إلى الإيحاء بأن حربه مع الولايات المتحدة وحلفائها إنما هي حرب عقيدة وحرب إيمان وكفر، وأن الصراع هو صراع ذو طبيعية دينية، بين «داعش» ممثلاً أوحد للإسلام، والغرب بقيادة أميركا وحلفائها ممثلاً للكفر، وقد خطط التنظيم منذ ظهوره وإعلان دولة العراق والشام الوصول إلى هذه النتيجة، فهو قد ابتدأ بمقاتلة ومواجهة خصومه التابعين للمعارضة من الفصائل الإسلامية، فضلاً عن غيرها، والحكم عليها بالردة وتكفيرها، ثم انتقل إلى مقاتلة حلفاء الأمس جبهة النصرة، وانتهى الأمر بإعلانه عن مشروع إقامة الخلافة الإسلامية ونزع الشرعية عن كل التنظيمات الجهادية في العالم، وعلى رأسها تنظيم قاعدة الجهاد العالمي، ليجعل من نفسه هو الممثل الوحيد للإسلام ضد الغرب، هذا الاستدراج من تنظيم داعش للقوات الأميركية والغربية ودفعه إلى النزول على الأرض ومحاولته استعجال ذلك، في ظل هذه الحرب هو هدف استراتيجي يرمي «داعش» إلى تحقيقه من عمليات التصعيد المتكررة، وتصفيتها مواطنين أميركيين، بغية كسب المزيد من التعاطف، والتأييد الشعبي من شرائح مختلفة من المسلمين في العالم الإسلامي والغربي، ومن ثم تحقيق المزيد من المساندة والدعم العابر للحدود. والأمر الآخر الأهم وهو قلقه المتزايد من نجاح تشكيل قوات عشائرية سنية بالعراق وقوات وفصائل من المعارضة السورية لمقاتلتها والتصدي لها؛ لأن ذلك يهدم الصورة النمطية التي يسعى التنظيم إلى ترويجها عن نفسه، بصفته مدافعاً وحامياً للمكون السني، في وقت يواصل فيه المكون الشيعي تثبيت سيطرته ونفوذه، بالاستناد إلى الدعم والرعاية الإيرانية له، ولا سبيل للتنظيم في تجاوز هذه الإشكالية الكبرى إلا باستدراج القوات الأميركية والغربية، واستبعاد خيار المعارضة السنية، ولذلك فإن التنظيم يحشد لتحقيق ذلك بكل الوسائل والإمكانات. حالياً، تواجه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما موقفاً معقداً، وتجد نفسها متورطة في حرب شرق أوسطية جديدة، فأوباما قد أكد في أكثر من مناسبة رفضه التورط أو إرسال قوات أميركية برية إلى ساحة الصراع، فهل تصمد وعوده في مواجهة الحقائق الصعبة على الأرض؟ في وقت أصبحت الحاجة ملحة إلى الحرب البرية، من أجل هزيمة وردع تنظيم داعش، وهل تتمكن إدارته من إيجاد الشريك العسكري والسياسي المناسب للقضاء ميدانياً على هذا التنظيم؟ * كاتب سعودي. hassansalm@