×
محافظة المنطقة الشرقية

مستشارة أسرية لـ«الجزيرة»: ارتفاع نسبة الخلافات الأسرية بسبب ضعف إعلام المراكز الأسرية

صورة الخبر

باريس: أنيسة مخالدي «قد يبدو من غير اللائق الحديث عن دمار المعالم الأثرية، بينما آلاف الأرواح البريئة تزهق كل يوم، لكننا لا نستطيع البقاء مكتوفي الأيدي أمام ما يتعرض له التراث السوري من دمار فادح، إنها كارثة كبيرة، ما يحدث اليوم في سوريا من هدم للتاريخ أخطر مما رأيناه في العراق بكثير.. تاريخ سوريا مهدد بنفس الدرجة التي يهدد بها حاضرها ومستقبلها». هذه التصريحات المروعة هي لفرانشيسكو بندران، المدير العام المكلف لدى اليونيسكو بحماية التراث العالمي للشرق الأوسط، والرجل يزن كلماته، فهو وفريقه من الخبراء قدموا في الندوة التي عقدوها في الثلاثين من أغسطس (آب) الماضي بمقر المنظمة العالمية تقارير توفي كلها بخطورة الوضع معتمدين على معاينات ميدانية لموظفين بمصلحة الآثار والمتاحف وشهود عيان. والواقع أن النزاع المسلح الذي خلف أكثر من 100 ألف قتيل وأكثر من مليونين نازح قد حصد ضحية أخرى هي الإرث السوري بمدنه التاريخية ومواقعه الأثرية ومحتويات متاحفه التي تدمر وتنهب منذ سنتين على مسمع ومرأى من العالم أجمع. * خطة إنقاذ * الندوة التي عقدت أواخر أغسطس تدخل ضمن استراتيجية شاملة تتبعها اليونيسكو منذ سنتين من أجل إنقاذ التراث السوري من الدمار وقد سبق وأدرجت ستة مواقع تاريخية ضمن قائمة التراث العالمي المعرض للخطر وهي مدينة حلب القديمة ودمشق وبصرى وقلعة الحصن وقلعة صلاح الدين، إضافة لمدينة تدمر والقرى الأثرية القديمة شمال سوريا. وكان مكتب اليونيسكو في عمان قد نظم في فبراير (شباط) 2013 ندوة تدريبية إقليمية لتقييم وضع التراث الثقافي السوري وكيفية التصدي لخطر النهب والاتجار بالتحف الأثرية. لكن عروض المساعدة التي تقدمت بها منظمة اليونيسكو، ولا سيما تلك التي تخص تدريب الخبرات على حماية الآثار وتقنيات الحفظ لم تدخل بعد حيز التنفيذ بسبب انعدام شروط الأمن. وهو ما تحسر له السيد فرانشيسكو بندران، حيث صرح لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف نحن لا نستطيع التدخل الآن، الوضعية الأمنية لا تسمح بذلك رغم كل التقارير التحذيرية، ولا سيما الخاصة منها بالحفريات السرية والتي تظهر مدى فداحة المشكلة والحاجة لخطة طوارئ سريعة». إيرينا يوكوفا، المديرة العامة لليونيسكو، لم تخف هي الأخرى قلقها في الكلمة التي ألقتها وهي ترأس هذه الندوة: «الوضع في سوريا اليوم يتعدى كل الكلمات، حماية التراث جزء من حماية الرجال والنساء لأن المعالم والآثار الثقافية تحمل قيم الشعوب وهي جزء من هويتها، نحن نتحدث عن تراث من أثمن ما خلفته لنا الحضارة الإسلامية ولكن أيضا المسيحية». يضيف فرانشيسكو بندران: «المجموعة الأوروبية وعدتنا ب 400 مليون يورو لإعادة ترميم بعض الآثار التي دمرت خلال الحرب، لكن كل هذا يبقى مشروطا بعودة الأمن للبلاد». * نهب المتاحف * جمعية حماية الآثار التي تنشط من مدينة ستراسبورغ بشمال فرنسا رصدت في تقرير واف نشرته في صفحتها على موقع «فيس بوك» بعنوان «واقع المتاحف السورية لعامي 2011 و2012» قائمة بكل أحداث النهب والسرقة التي تعرضت لها المتاحف. التقرير يفيد بأن اثني عشر متحفا من بين الثمانية والثلاثين التي تضمها سوريا قد تعرضت للنهب والسرقات: متحف حمص الأثري تعرض لخراب كبير لأنه يشكل خط تماس بين قوات الجيش الحر وقوات الجيش النظامي وكانت قناة الـ«بي بي سي» قد بثت تقريرا لمراسلها وهو يتجول بين أروقة المتحف بين القطع المحطمة والملقية على الأرض، ويشرح كيف أنه دخل عبر ثقب كبير أحدثته القذائف على الجدران ليخرج للشارع الأخر. وفي حمص أيضا سجل تهدم جزء من واجهة الطابق الأول لمتحف «قصر الزهراوي» وفي متحف حماه الأثري تمت سرقة تمثال لإله أرامي مصنوع من البرونز يعود للقرن الثامن قبل الميلاد. عمليات نهب وسرقة أخرى حدثت في متحف أفاميا ومتحف معرة النعمان الذي يضم أكبر مجموعة للموزاييك في الشرق الأوسط والذي تعرض للقصف عدة مرات وتحطم عدة قطع أثرية لا تقدر بثمن، نفس المصير عرفه متحف دورا أروبوس الذي تعرضت خزائن العرض فيه للتكسير وسرقة عدة نماذج منها وخلع الأبواب والنوافذ وتم العبث بمحتويات بيت البعثة الأثرية الفرنسية وسرقة محتوياته. * المواقع الأثرية ساحات للقتال * يشرح الدكتور علي شخموس من جمعية حماية الآثار السورية، أن هناك عدة أنواع من الأخطار التي تهدد الآثار والتراث الحضاري السوري، أهمها قصف المواقع والأبنية الأثرية وتحولها لساحات حرب حقيقية. وهو ما حدث في مدينة حلب القديمة التي تكبدت أضرارا فادحة تمثلت في تدمير قبة المسجد الأموي الأثري تدميرا كليا في شهر أبريل (نيسان) نتيجة المعارك التي دارت على مدى أشهر في محيطها واحتراق أسواقها القديمة (أسواق السبعة) والأذى الذي لحق بموقع تدمر بسبب وجود آليات عسكرية ثقيلة في الموقع، من دبابات وراجمات صواريخ. القلاع القديمة تحديدا تحولت لثكنات عسكرية يتمركز فيها المقاتلون وتصنع فيها متاريس للقناصة. مواقعها الاستراتيجية جعلتها موضع نزاع كما حدث في قلعة حماه وقلعة شميميش في السلمية وقلعة حمص وقلعة الرحبة على الفرات، وقلعة فخر الدين المعني في تدمر وقلعة حلب مما أحدث بها أضرارا فادحة. * مافيا الآثار * في إحدى مداخلاته عبر الدكتور مأمون عبد الكريم، مدير المتاحف والآثار في وزارة الثقافة، عن قلقه الشديد إزاء انتشار عمليات الحفر العشوائي في المواقع الأثرية، لا سيما أنها تؤدي لتخريب الطبقات الأثرية وضياع معلومات هامة تفيد بدراسة تاريخ الموقع وفهمه: «ما شاهدناه في بعض المواقع إجرام حقيقي في دير الزور وفي موقع ماري (50 حفرة سرية) وفي موقع دورا أوروبوس (300 حفرة سرية) وفي تل حمو كار في الحسكة وتل الأشعري في محافظة درعا وفي الرقة وموقع مدينة أفاميا». يضيف الدكتور مأمون: «هذه السرقات تتم في وضح النهار من طرف عصابات مدججة بالسلاح والأخطر هو أنهم لا يترددون في تدمير معلم بكامله من أجل الحصول على جرة أو تمثال صغير». يتم تهريب القطع إلى لبنان وتركيا وبشكل أقل إلى الأردن ومن هذه الدول تتولى عصابات التهريب الدولية نقل القطع المسروقة إلى أوروبا وأميركا وكانت مراسلة صحيفة الـ«صنداي تايمز» في لبنان هالة جابر قد كشفت في تحقيق تم بالتعاون مع مصالح الإنتربول وخبراء بريطانيين عن وجود شبكة كبيرة من مافيا الآثار. المراسلة اخترقت هذه العصابات على أساس أنها مندوبة مجمع كبير تبحث عن قطع أثرية ثمينة، وقد سجلت توفر عدة قطع ثمينة لدى هذه العصابات التي عرضت عليها شراء عدد منها أهمها أحد عشر تمثال نصفي من القرن الثامن ميلادي سرقوا من موقع في تدمر لا يقدرون بثمن حسب خبراء الآثار. إضافة إلى أن التراث عنصري أساسي للهوية والتماسك الاجتماعي، فهو أيضا إحدى الركائز المهمة للتنمية الاقتصادية. سوريا الغنية بأكثر من عشرة آلاف موقع أثري استقبلت بين عامي 2009 و2010 أكثر من ثمانية ملايين ونصف المليون سائح بعائدات سياحية وصلت لمليارين ونصف المليون يورو. منذ بداية النزاع المسلح انخفضت العائدات السياحية في سوريا بنسبة 94 في المائة، في فرنسا مثلا أحصت وكالة «سيتو» المتخصصة أقل من 4700 رحلة بين فرنسا وسوريا معظمها لسوريين مقيمين في الخارج أو صحافيين وأعضاء للمنظمات الإنسانية بعد أن سحبت الوكالات السياحية سوريا من كتالوغاتها لانعدام الشروط الأمنية. اليوم الوضعية أخطر، آثار سوريا وتاريخها في خطر وقد يستيقظ العالم بعد فوات الأوان وقد خسر جزءا مهما من تراث الإنسانية.