الهرب من الشيخوخة ليس بعار ولا بجريمة، ولو لم يكن الهرب من الزمن ديدن الناس وحلمهم -ذكوراً وإناثاً- لما كان البحث عن إكسير الشباب مستمراً. رحلت الفنانة اللبنانية صباح، التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بزيجاتها المتكررة، وبعمليات الشد ومحاولة المحافظة على شبابها -حتى قبل أن يأفل- عن عمر لم يتعد الـ90 عاماً، ويعد سناً ليس بالكبير مقارنة بالشاعر اللبناني سعيد عقل، الذي لحق بها بعد أن بلغ الثانية بعد المئة. لستُ من زمن صباح لأكتب عن فنها، ولكني -مع الأسف- من زمن جعل من صباح أيقونة للتندر على امرأة تحب الحياة والفن، بعد مماتها انشغل الناس هل يجوز أن نترحم على جانيت فغالي أم لا؟ كثيرون اغتابوا صباح في مجالسهم، تارة من أزواجها الذي يصغرونها سناً، أو من عمليات شد الوجه المتكررة، أو من زواجها وهي في الـ85 من مصفف شعر. وكثيرون ممن اغتابوها كانوا ينتظرون موتها، وكأن أنفاس صباح تصرف لها من أقفاصهم الصدرية، منذ 20 عاماً والناس يتساءلون (يووه ما ماتت صباح). وصباح تشد وتتزوج. وتبتسم وتغني. لم يتساءل أحد عن سعيد عقل، أو فيروز، بل كانوا يتساءلون حول صباح ليس؛ لأنها أكبر سناً، بل لأنها محبة للحياة. لقد عاشت صباح زمنها والزمن الذي أحبته، من دون أن تأخذ يوماً زائداً من عمر أحد، فهذا قدرها الذي كتبه الله لها، لا منة لزوج ولا لجراح تجميل ولا لصحافي مغمور تسلق على أكتافها، ولا حتى المتندرين. ومثلما كانت صباح في حياتها معضلة بالنسبة إلى بعضهم. كذلك هي في موتها. إذ قفز السؤال: هل يجوز أن تترحم على صباح اللبنانية المسيحية أم لا؟ كم تشعر بضيق أفق بعضهم، وضيق إنسانيتهم، وضيق خلقهم أيضاً، وكأن مفاتيح الجنة والنار بأيديهم. مثلما كأن أعمار البشر محسوبة عليهم. ينتظرون موت أحدهم ويقفون مجازاً على موته، ليظهروا أنهم العارفين ببواطن الرحمة وعلى من تجب، بينما رحمة الله وسعت كل شيء. في «تويتر»، وفي بعض المجالس، تتعلم أن النميمة وذكر الآخرين بما يكرهون ليست حراماً، إن كانت الضحية التي على مائدة النميمة، فناناً أو مسيحياً أو امرأة ليبرالية، وتتعلم أيضاً أن المسيحيين يجب ألا نترحم عليهم عند موتهم، وإلاّ فإنك ستحشر معهم، كما يجب ألا تتمنى لهم أمنية تليق بأفعالهم الخيرة في الدنيا، وربما ستكون مسلماً صادقاً إذا دعوت عليهم بالنار والخلود فيها. أمنياتنا ودعواتنا كثيرة نتمنى فيها الخير للناس الطيبة، أما الأشرار فمآلهم النار خالدين فيها. فلن أدعو لقاتل قتل لمجرد أنه يدَّعي أنه مسلم، بل سأدعو لهم بـ (عليه من الله ما يستحق)، مثلما لنا من الأمور ظاهرها، فالله -سبحانه وتعالى- هو الظاهر الباطن، والعليم بأمور عباده، وأن الجنة ومفاتيحها ليست في يد البشر ولا في دعائهم. أذكر إحدى الصديقات لم يرزقها الله بزوج على رغم دعاء عمة لها بالزوج الصالح.. وفي لحظة غضب وملل ترجت الفتاة عمتها أن تتوقف عن الدعاء لها، فلربما كانت هي السبب، وبالفعل توقفت العمة التقية عن الدعاء لابنة أخيها، وتزوجت الفتاة بفضل من الله. فلا تمنوا بدعائكم على أحد. رحمنا الله جميعاً أحياء وأمواتاً.. ورزقنا فسحة في قبورنا لا تشبه ضيق خلق بعض البشر.