الأمم التي لا تعمل تبدع في ابتكار الحكايات الخيالية، ويروق لها كثيرا الهروب من واقعها الخامل إلى عوالم الوهم والماورائيات، وتأخذ قصص السحر والحسد حيزا كبيرا من وقتها، ولهذا يمكن أن تظهر لوحات في بعض المواقع يعلن أصحابها عن بيع كميات من ماء (مقري فيه) مخصص للإبل كي تشربه ويتم غسلها فيه!، وبالتأكيد سوف يلقى هذا الماء المضاد للحسد سوقا رائجة؛ لأن كل ناقة (مزيونة) يبلغ سعرها ملايين الريالات تبدو مكشوفة أمام طلقات أصحاب الأعين (الحارة) الذين يهمهم التنكيد على صاحب هذه الناقة كي لا يهنأ بجمالها الأخاذ! عيون الحاسدين الحارة ليست مستعدة لالتقاط الصور المدهشة لهبوط المركبات الفضائية على سطح المريخ، فهذا بالنسبة لها خيال.. والواقع هو ما يدور في ذهن صاحب الناقة المزيونة!، وهكذا يطرح كل سوق بضائعه وفقا لما يفكر فيه أهله.. فمن يريد تحويل الخيال إلى واقع يصنع مركبة فضائية، ومن يريد الهروب من الواقع إلى الخيال ينتج ماء (مقري فيه) لتحصين الإبل من الحسد!... ويا له من سباق!. قبل أن تنتشر إعلانات ماء الإبل المقاوم للحسد، نشرت أخبار عن ضبط راقٍ هنا أو راقٍ هناك يستغل غطاء الرقية الشرعية للتحرش بزبائنه من النساء.. هذا بخلاف الراقي الذي استنطق جنيا سكن قاضيا تورط في قضية فساد كبرى.. والراقي الذي تسبب بقتل ضحيته عبر صعقها بالكهرباء.. وقصص تعاون عدة جهات رسمية في البحث عن عمل سحري مدفون هنا أو مخبأ هناك.. ما يعني أن هذه الإعلانات المخصصة لحماية الإبل من الحسد تجيء في سياق عام يرى أهله أن المبالغة في الجنوح إلى الأوهام أسهل كثيرا من مواجهة الواقع!. حفظ الله الإبل (المزيونة)، وكذلك الإبل (الشينة)، من رشقات أعين الحاسدين... ورحم الله أهلها الحقيقيين الذين لم يغسلوها عبر تاريخهم بالماء المقاوم للحسد، بل حملوا عليها نور الحضارة في مشارق الأرض ومغاربها، ثم دار الزمان دورته العظيمة، وبلغ الجهل بالناس مبلغا عظيما، فاختلط الحابل بالنابل والحقيقة بالوهم، فأنتج أحفادهم هذا الماء العجيب!.