×
محافظة المنطقة الشرقية

فضية المطيري بداية الحصاد

صورة الخبر

الذهاب تماماً، بكامل أوقاتنا وأرواحنا تجاه ما نعمل، وبكل إخلاص وتفان ودأب، هو ما يصنع أحلامنا، هكذا كانت حياة سليمان الراجحي محفوفة بالفقر والجوع قبل أن تكتمل بالثروة والنماء، ففي رحلة مع كتابه (منظومة حياة) الذي تجاوز أربعمائة صفحة، تتكشف للقارئ الكثير من العثرات، الكثير من الجوع، الكثير من الانتظار، والكثير الكثير من الشقاء!. طفولة مشتتة لأربعة أطفال، أصبحوا رموزاً في عالم المال والأعمال، حيث تقاسمهم الأب والأم، اثنان ذهبا مع الأب إلى الرياض بحثاً عما يسد الرمق، واثنان بقيا مع الأم في البكيرية بالقصيم، ينتظران الأرز المجفف الذي يبقى من وجبات الأب والأخوين، فيرسله لهم من الرياض... ورغم أن وصف رحلة السفر إلى الرياض أعرفه جيداً، وقد حدث لوالدي ووالدتي ما يشبهه، وربما لمعظم أبناء ذاك الجيل العصامي، ممن هاجر من القصيم إلى الرياض منتصف القرن الماضي، بحثاً عن الرزق، إلا أن مغامرات الراجحي في طفولته، وتنقله بين العديد من المهن، والحكايات التي يتذكرها بشكل لافت، قد تكون إنموذجاً نادراً في الكدح والعطاء بلا كلل، وعدم التخاذل والتكاسل، بل إن صراعه العنيد ضد احتمالات الفشل في مجالي الزراعة وتربية المواشي، هو أمر مذهل يجلب الإعجاب والتقدير. ولعل من قصصه الطريفة في الطفولة والشباب قصتان، الأولى حينما عمل حمالاً في السوق، ونقل على رأسه مشياً كرتون لحم، لصالح رجل تبعه حتى منزله، وحينما وصل كان ثوبه ملطخاً بدم الذبيحة، وهو الثوب الوحيد الذي يمتلكه، فسأله الرجل ما إذا كان يريد أجرته غسل ثوبه فقط، أو أن يحصل على هللة واحدة، فاختار الهللة، ثم ذهب إلى ركية أو بئر قريبة، ونزل بكامل ثيابه في الماء، حتى غسل الدم، ثم خرج يركض جيئة وذهاباً حتى جف ثوبه، وعاد إلى المنزل يحمل هللة ويرتدي ثوباً نظيفاً... هذه الطفولة تكشف معدن هذا الرجل العصامي، وماذا سيصبح بعد بضع سنوات، وهذه الهللة كانت قاعدة أولى لمليارات ستأتي تباعاً! وفي قصة الشباب، يحكي سليمان الراجحي، بعد أن رزقه الله، وكسب مالاً جيداً، وكان في رحلة إلى باريس ولندن مع رفيق له، وفوجئ بالغلاء الفاحش في بلدان اليورو، خاصة في أمر الأكل، فبحث طويلاً حتى عثر على مطعم يقدم وجبة دجاج بالأرز بسعر زهيد، وأصبح هذا المطعم مقصدهم اليومي، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل اقترح على رفيقه أن يأخذا معهما وجبة إضافية في يوم السفر إلى لندن، حتى تكون وجبتهما الأولى هناك، إلى أن يجدا مطعماً رخيصاً، وهذا ما حدث مع ملياردير يحمل وجبته معه في السفر، بحثاً عن وفر النفقات، بينما معظمنا يدفع آلاف اليوروات بواسطة بطاقة الفيزا، حتى إذا عاد بقي يعاني عدة أشهر من تحصيل المبالغ المدفوعة، وخصمها من المرتب الشهري، رغم أن معظمنا يعيش ليومه فقط، دون أن يفكر في غده، ودون أن تدخل مفردة الادخار في قاموس حياته!. هل كان ما فعله بخلاً، أم ترشيداً للنفقات، أم زهداً؟ أعتقد أن من يعرف سليمان الراجحي يعرف أن هذا أسلوب حياة بالنسبة له، فهو يكره التبذير، ويعتبر الترشيد في الإنفاق هو أولى خطوات التصحيح للحياة الاقتصادية لأي إنسان، وإلا ما معنى هذه الأعمال الخيرية العظيمة التي يقوم بها لو كان في الأمر بخل؟. هكذا حياة تسطر بماء الذهب، يجب أن تكون دليلاً ناجحاً لشباب الأعمال، بل حتى للأشخاص العاديين، ففيها الكثير من الحكمة والذكاء والدأب والصبر.