×
محافظة مكة المكرمة

محافظ جدة يلتقي أعضاء مجلس إدارة اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم (تراحم)

صورة الخبر

روايتان فقط، من روايات الكاتبة بي دي جيمس، التي توفيت مؤخرا تم اقتباسهما إلى السينما، هما «عمل غير مناسب لامرأة» (An Unsuitable Job for a Woman) و«أطفال الرجال» (Children of Men). على أن الكاتبة وضعت أكثر من 25 رواية منذ أول مرّة نشرت فيها (سنة 1962) وحتى عام 2011. أعمالها غير الروائية 3، آخرها بعنوان «الحديث عن رواية التحري» ونشرت سنة 2009. اهتمامها بالروايات البوليسية المعتمدة على التحري حلال الألغاز طبيعي، فهي وريثة عرش أغاثا كريستي ولقّبت بـ«ملكة الغموض» تبعا لرواياتها تلك التي قاد بطولتها تحريها أدام داغليش بدءا من رواية جيمس الأولى «غطّي وجهها» سنة 1962. رحيلها يخلف فراغا نوعيا، كون الكاتبات الجديدات أكثر علاقة اليوم بالسائد من الروايات البوليسية المستجيبة لرغبات جمهور جديد سائد ما عاد يكترث كثيرا للمقوّمات النفسية (إلا إذا كانت سوداوية) أو للحبكة (مفضلا، على نحو عام، حس المغامرة عليها). ولدت فيليس دوروثي جيمس وايت في 3 أغسطس (آب) سنة 1920 في مدينة أكسفورد ورحلت مع عائلتها (أبواها وشقيقها سيدني وشقيقتها دوروثي الصغيران) إلى مدينة كامبردج حيث درست في معهدها. أرادت فيليس أن تصبح كاتبة منذ أن كانت شابّة تقرأ كل ما تستطيع الحصول عليه من روايات بوليسية. لا عجب أنها جُذبت إلى هذا الخط من الروايات وأبحرت في روايات أغاثا كريستي وديفاني دي مورييه ورايموند تشاندلر بين آخرين. لكن إقدامها على الكتابة تأخر حتى عام 1962 عندما أصبحت في الثانية والأربعين من عمرها. سبب هذا التأخير يعود إلى ظروف عائلية. لقد تزوّجت باكرا وكان عليها أن تعمل وزوجها وتؤخر مشروع الكتابة إلى مطلع الستينات عندما قررت أن تستيقظ في الصباح الباكر من كل يوم لتكتب ما تيسّر لها من كتابة قبل توجهها إلى العمل في المستشفى القريب. من أجواء عملها صاغت روايتها الأولى تلك. «غطّـي وجهها» هي العبارة التي تقال عندما يفحص البوليس جثّـة ضحية وبعد انتهاء الفحص يوصي بتغطية وجهها إيذانا بأنه عاين ما فيه الكفاية. لكن في حالة الكاتبة جيمس فإن العنوان نفسه يعود إلى عبارة وردت في رواية جون وبستر «تراجيديا دوقة مالفي» نشرت سنة 1612 وتقول: «غطي وجهها. عيناي زائغتان. لقد ماتت شابّة». وفي رواية جيمس يقوم رئيس البوليس أدام داغليش بمعاينة وفاة خادمة أرادت العائلة الأرستقراطية التخلّص منها ليجد أنها بالفعل ماتت مخنوقة. مرّت أكثر من 20 سنة قبل أن تقدم محطة ITV البريطانية على إنتاجها تلفزيونيا. بناء على النجاح النقدي والشعبي، قامت فيليس جيمس بكتابة رواية ثانية تم نشرها في العام التالي (1963). وفي الواقع فإن رواياتها الثلاث اللاحقة تستوحي أيضا أحداثها وأجواءها من عملها كإدارية في المستشفى الحكومي في كامبردج، وهذه الأعمال هي «عقل للقتل» (1963) و«كفن للعندليب» (Shroud for a Nightingale) (1971) و«البرج الأسود» (1975). في هذه الروايات، وفي تلك التي تبعتها، اعتمدت الكاتبة على الوصف الواقعي. صحيح أنها لم تكن لتصف الطريقة التي يقدم فيها القاتل على فعل الجريمة، إلا أن وصفها للضحية (رجل أو امرأة) كان غالبا ما يميل إلى الواقعية. التفاصيل وافية والصدمة التي تتوخاها من وراء وصف الجثّة كانت تحقق غايتها. * منوالان أساسيان كذلك، ومن بين صفات أعمالها، الاهتمام بالمكان. في «موت شاهدة خبيرة» (1977) تقع الجريمة في مختبر لجمع المعلومات يقع في مكتب حكومي. وفي «خطيئة أصلية» (1994) تقع الجريمة في أقدم دار نشر في مدينة ووبينغ. قبل ذلك، كتبت «أجهزة ورغبات» (1989) حيث استخدمت مختبرا نوويا مكانا لحدوث الجريمة. معظم رواياتها كانت من بطولة ذلك التحري، رئيس قسم البوليس، أدام داغليش. وهو يختلف عن معظم من تم بعثهم على صفحات الروايات البوليسية. كبداية، هذا رئيس بوليس وصل إلى رتبة عليا حين انتقل إلى لندن للعمل، لكن حياته ليست كلّها تحقيقات متوالية، بل هو في الأساس شاعر مرهف، أمر ربما ناتج عن أن مبدعته، فيليس جيمس، كانت بدورها تحب الشعر وإن لم تمارسه. وهو شخصية تحب خصوصية العالم في داخله. لكن الكاتبة تفصح عن بعض خلفيّته. والده مات وهو شاب ولم يعد لديه من الأقارب سوى عمّته التي، حين ماتت، أورثته بعض الممتلكات البسيطة ومن ضمنها طاحونة. وهو فقد زوجته ما بين الرواية الثانية والرواية السادسة («موت شاهدة خبيرة») ورفض الزواج من حينه. وعندما طالبته صديقته ديبورا بالزواج منها، بعد سنوات من فقدانه زوجته رفض فانتهت العلاقة. لكنه تزوّج ثانية سنة 2008 وفي رواية «مريض خاص». فيليس جيمس لم تكن الوحيدة التي توغلت قليلا في حياة أبطالها الخاصّة. وفي هذا الصدد منوالان: الأول أن يكتفي الروائي بتقديم بطله من قصّة إلى أخرى محافظا على عدد محدود من المعلومات الضرورية (كما حال شخصيات ميكي سبيلان أو داشيل هاميت أو فيليب مارلو) والثاني العودة إلى ما وفّره المؤلّف من معلومات في كل رواية كما لو أنه يقدّم مسلسلا متواصلا (كحال الكاتب إد ماكبين وكحال فيليس جيمس ذاتها). الفيلمان اللذان تم اقتباسهما للسينما من روايتين لجيمس كانا متباينين تماما باستثناء أن شخصية التحري داغليش ليست موجودة فيهما. التحري البديل امرأة باسم كوردليا غراي لديها شركة تحقيقات خاصّة. الرواية الأولى «عمل غير ملائم لامرأة» نشرت سنة 1972 وتم اقتباسها للسينما في فيلم بريطاني من إخراج كريس بيتَت مع بيلي وايتلو في البطولة. الرواية ذاتها انتقلت إلى التلفزيون في عام 1997. هذا الفيلم شهد إقبالا محدودا ووجد العديد من النقاد الغربيين أن أهميته محصورة في كونه يستند إلى عمل أدبي للكاتبة. لكن الفيلم الثاني الذي تم اقتباسه للسينما تجاوز هذا الاعتبار كثيرا. في عام 2005 باشر المخرج المكسيكي الأصل ألفونسو كوارون تصوير «أطفال الرجال» الذي هو بعيد جدّا عن حكايات جيمس الأخرى. فهو دراما تقع في المستقبل الموحش (سنة 2027) حيث توقّفت النساء عن الإنجاب. الإرهاب والقتل والثورات تقض الحياة في المدن الأوروبية (تقع الأحداث في بريطانيا). نتيجة هذا الوضع فإن الجيل الأخير للحياة بات يقف عند حد الاندحار التدريجي. فجأة هناك مهاجرة أفريقية غير شرعية (كلير هوب أشيتي) حبلى والأمل كلّه معقود عليها. بطل الفيلم ذي الخلفية السياسية السابقة (كلايف أووَن) هو من تؤول إليه مهمّة الدفاع عن هذه المرأة وإبقائها على قيد الحياة حيث يحاول الثوار ضمّها إليهم كما تحاول الحكومة الاستحواذ عليها. الفكرة رائعة لكن الفيلم مذهل بحد ذاته. يتجاوز الرواية، في سردها الأدبي الرصين، إلى بانوراما سينمائية من المؤثرات والمضامين المعبّرة عن حياة مستقبلية داكنة. آخر رواية وضعتها فيليس جيمس كانت «الموت يأتي إلى بمبرلي» (2011) التي أرادتها الكاتبة تحية منها لرواية جين أوستن «كبرياء وإجحاف» والتي استلهمها التلفزيون البريطاني في حلقات مسلسلة سنة 2013.