×
محافظة مكة المكرمة

بالفيديو… أمطار وسيول على محافظة أضم‎

صورة الخبر

الكتابة بحر.. نحن فقط علينا الغوص بشكل جيد.. إننا حين نخسرها نغرق ونصاب بالكآبة في هذا العالم المزعج.. في هذا العالم الذي يروج لكل الأشياء المكررة التي تحدث مرارًا وتكرارًا.. تمامًا كما هو الأمر دائمًا ونحن نستيقظ بحثًا عما يدهشنا لنصاب بعد ذلك بالكثير من البلادة وننام في المساء طويلاً لفرط توغلها بنا. ماجد العتيبي الذي رسم "بأقصى زرقة ممكنة" بروائح الكادحين، ماجد الذي أخبرنا أن الأحداث العظيمة ليست فقط هي من تستحق فعل التدوين.. بل ثمة أجزاء أخرى مهمة.. مثلاً نظرة الطفل الخائف في الصباح دون سببٍ وجيه.. الزبال وهو ينظف الرصيف الذي أوجعناه كثيرًا بخطاواتنا.. أي تمامًا كما يقول: "الكتابة عن الأشياء التي لا ينتبه لها أحد كالبراغي، سدادة الفلين.. وقطع النقود المعدنية تحت مقعد السيارة الأشياء التي تسقط في الأماكن الضيقة ونجدها بالصدفة ..خلف الخزانات .. تحت الأسِرة .. جيب البالطو!." - بدايةً؛ لأولئك الكتّاب الذين يكتبون عن الأشياء التي تعاني من البلاهة، لأولئك الذين يحملون مبالغ ضخمة في حساباتهم ويريدون أن يكونوا كل شيء، لأولئك الذين يهربون في إجازاتهم إلى باريس ولندن ويجلسون هناك للاسترخاء من الراحة وليس من التعب بينما ثمة أشخاص يستيقظون باكرًا؛ لأنهم لم يناموا أصلًا لفرط شعورهم بالجوع والبحث عن الرغيف، لأولئك المتعجرفين الذين آن لنا أن نبصق على كل الأشياء التي يكتبونها، وعليهم أيضًا إن التقينا بهم يومًا، ل أولئك ماذا تقول؟. * أكتب كي أنجو على منوال أطواق النجاة في حواف السفن، الكتابة جري مجنون من قاتل متسلسل اسمه الرتابة، والورقة حقل مفتوح للانتصارات والهزائم.. حقل مفتوح لندفن الجثث التي تتربص بالقصيدة في مدى نيرانها. أكتب كمهمة خاصة برجل استخبارات يراقب العادي كي لا تخرج الأمور عن السيطرة، يندلع الموقف بعدها وأكتب كثائر طموح في بلدة صغيرة يريد أن تضطرب قارة كاملة كي تصل الكهرباء والهاتف لبلدته. القصيدة وحش ضارٍ، والتفاصيل طرائد تجيد الاختباء، لا أحتاج بندقية كي أقتل الوحش أو الطريدة.. كل ما أحتاجه جبل أراقب المشهد من الأعلى واستمر في الكتابة والنجاة. أكتب عن إصبع بنت وعلاقته بالمظاهرات في بلد بعيد حيث يشير إصبعها وهي تتحدث عن فستان خلف زجاج الفترينة. أكتب أحيانا لقط يجتاز الشارع السريع دون أن يلتفت خلفه وينجو من السيارات الطائشة. تفتني التفاصيل في هيئتها العادية وخجلها.. أصابعي حين ألتقطها وأعرضها للضوء، رعشتها الأولى من فرط الوضوح. التفاصيل حين تكبر وتصبح في هيبة حشد في ساحة عامة يحتفلون. التفاصيل التي تقودك لتصف نهدا صغيرا.. بأنه أصغر من قبلة جادة. والخصر كلمة مقتضبة في موقف حرج. الكتابة هي كل هذا الجنون الفالت من محاولة تصنيفه، الجنون الذي يقود دراجته على أسلاك الضغط العالي وينجو من العقل!. الكتابة ورطة حقيقية، لا يمكن التخلي عنها وإلا سنموت من مافيا القصائد التي تركناها خلفنا.. الكتابة شروع في القتل.. قتل العادي والسيرة القديمة.. نسف البنايات القديمة وإنشاء أحياء جديدة.. لأولئك أقول الكتابة كل هذا!.. مستمر في الكتابة ومهمة النجاة وخلق الحياة التي فاتني أن أعيشها. * ماركيز كان يقول: " الإمساك بأرنب في مكان من المستحيل أن يتواجد فيه هو أسهل من الإمساك بقارئ ذكي!".. أنا يا ماجد مصاب بخيبة، ومثانتي تؤلمني كثيرًا كلما وجدت الآخرين يتهافتون على كتب لا تصلح لشيء سوى لتحويلها إلى مادة لإزالة النفايات؟. - القارئ في صحرائه ينتظر المطر، لن يغفر لطقس الكاتب جفاف عشبه وهو يبحث عن الماء، القارئ الذكي تحديداً، أعني، القارئ الذي يكشف الهشاشة من أول صفحة ويرمي بالكتاب في موقدة الجائع لتأكله النار. يفتنني هذا القارئ النوعي، صاحب الحس العالي، الذي تخلى عن شهوة الكتابة وطلب ود القراءة .. أعرفهم جيداً أراهم في معارض الكتاب، تمسح أعينهم أرفف دور النشر بحثاً عن وجبة دسمة تكفي جوع أرواحهم ليوم آخر. القرّاء الجيدون يجتاحون الورق بنهم جراد، يعرفون الورقة الطرية جيداً، هم كوابيس الكاتب وسوط أعلى ظهره. القراء ضيوف أنيقون، في حفلة غير مفتعلة تعهد الكتب فيها بمأدبة تليق، لن يغفروا له سوء النكهة، سوء الإضاءة و ترتيب الطاولات، سيفسدون حفلته لمجرد تفصيلة سيئة نكأت الحفل. لا يعجبني القراء البسطاء، الذين يقرؤون الكتب التي على شاكلة الأكثر مبيعاً أو الكتب التي تروجها الميديا.. مجرد قطيع تسوّقه الدعاية والكتب المرصوفة في واجهة المكتبات، هؤلاء غير مخيفين، لكنهم مؤثرون في الإحصاء في عدد الطبعات؛ لأنهم يتبعون الدعاية. ينساقون خلف المقترحات، لا يصنعون ذوقهم الخاص بل يتبعون السائد والمروج. * هل تخاف الخطوط المستقيمة في الشعر؟ هل مرةً تربّصت بك قصيدة؟. - أنا خائف من الخط المستقيم وصرامته للوصول. أحاول في القصيدة كي تجرب المنحنى الذي تسلكه كرة البولينج كي تسقط كل القوارير، وتسجل النقاط لصالح اللاعب الذي دحرج الكرة. أحاول أن أقنع الجميع بأن القصيدة فوق التصنيف، فوق احتمالات كونها برمة أو (مندي) في قائمة مطعم يمني، أو (مفلق) في مطبخ حساوي، لكنهم يصرون على تدريسها في الجامعات كنظرية. القصيدة فرصة انفلات وقفز الفخاخ كوعل.. لكنهم يُنظّرونها يتداولونها كشركة في بورصة الأسهم. أخبرهم أنها رائحة في أنف متوجس يشتري كاميرات مراقبة لبيته، أخبرهم أنها أصداف في كف عرافة ترمي الودع، وفي نفس الوقت أنا خائف أن أحمل هذه القصائد وأجتاز نقطة التفتيش أمامي ورجال الشرطة!.