×
محافظة مكة المكرمة

مراجعة خرائط 500 كيلو متر من شبكة تصريف الأمطار

صورة الخبر

لم تتعرض فنانة أو أي من المشاهير العرب للسخرية كما تعرضت الفنانة اللبنانية الراحلة صباح. من تابع تاريخ التعليقات عليها سيظن أن تلك المرأة تجاوزت المائة من العمر لا سبعة وثمانين فقط. لا أتذكر متى بدأت التعليقات عليها ولكن من المؤكد أن التعليقات غير الأخلاقية بدأت بشكل مبكر من حياتها المديدة. من الصعب التنبؤ متى انتقلت من مرحلة السلام إلى مرحلة الحرب. متى دخلت في الصراع الأزلي بين الإنسان والزمن. ربما حدث هذا في الخمسينات من عمرها. كانت صباح امرأة في غاية الجمال في شبابها وفي منتصف عمرها. وعندما دخلت الخمسينات لم تتخل عنها الدنيا كثيراً. كانت متعددة المواهب. صوت جميل وخفة دم وقدرة فنية على التمثيل وجاذبية خاصة. وأعطاها الله فوق كل هذا كمّاً وافراً من الأنوثة الوثابة. ولم تكف الدنيا عن إسعادها عند هذا الحد الذي تتمناها كل امرأة بل وفرت لها المال والشهرة وقيض الله أن تصلها حزمة المنح الإلهية الرائعة هذه في عقد الستينات من القرن العشرين. ذلك العقد الذي ثارت فيه النساء على التقاليد والمواريث الطويلة وسعت لتحطيمها بجرعة من التحدي لم يشهدها التاريخ. صباح امرأة كاملة كما تتمنى أن تكونها أي أنثى وما يتمنى الرجل أن تكون عليه أنثاه. لكنها مع الأسف دفعت الثمن وحدها. اندفعت تخوض في مجدها وسعادتها وتستهلك الطاقات المتراصة في جسدها دون هوادة. في معركتها مع السعادة أخذت كل شيء في الاعتبار، متناسية، ذلك الكائن الذي يتربص بكل الكائنات كائنا من كانوا. انتصرت في معركتها مع التقاليد وانتصرت في معركتها مع التعاسة وانتصرت في معركتها مع الحب فقادتها انتصاراتها أن تتجاوز حدودها القدرية وذلك أشبه بما يكون أن تعلن حربها على الزمن. زجت بنفسها في حرب شاملة لم تفكر في عواقبها.. تركها الزمن فترات كثيرة تتخبط في غرورها وهو يحطمها بشكل ممنهج غير مسبوق. نقلت بقايا أنوثتها وعتادها الذي غنمته من معاركها السابقة ووضعته في تحد صريح مع الشيخوخة سلاح الزمن الذي لم يُهزم أبدا!. خاضت الحرب غير مدركة لتاريخ الحياة وصراع المصائر. أعلنت تحديها بكل صخب. لم تدر معركتها الكبرى تلك بصمت وحكمة واحترام الاحتمالات. كانت على ثقة كبيرة من النصر. فجعلت حربها مفتوحة إعلامياً وعلى كل المنابر. لا تريد أن تترك الأضواء أبداً. الأضواء أحد أسلحتها الاستراتيجية. لن يغدر بها الزمن أمام الناس. سينتظرها في مكان معتم وهذا ما لن يحصل عليه. صارت تتخطى عتبات الزمن قافلة إلى زمنها الجميل مرة بالزواج من صغار السن ومرة بعمليات التجميل وأخرى بالغناء المتغنج علناً وأمام الملأ دون أدنى اهتمام بسخرية البشر. حتى صارت نجمة في شيخوختها كما كانت في شبابها. قبل أن تموت فقدت الاتصال. لا يعلم إلا الله ما كان يدور في ذهنها في اللحظات الأخيرة من المعركة ولكن إذا نظرنا إليها من منظورنا التقليدي ستكون صباح قد تلقت هزيمة ساحقة ونهائية، بيد أن من يهزمه الزمن بسلاح الشيخوخة لن يتذوق طعم الهزيمة المر، فيحق له أن يرقد مع المنتصرين. لمراسلة الكاتب: abakeet@alriyadh.net