قبل ثلاثين عاماً من الآن، أو أقل من ذلك، كانت معظم السيارات أمريكية الصنع أو ألمانية أو فرنسية أو سويدية، ولن أذكر أسماء، فمن عاش في ذلك الزمن وأمد الله في عمره إلى وقتنا الحاضر، لا بد أنه قد اقتنى أو استخدم دون اقتناء إحدى السيارات المصنعة هناك، وكانت معظم المعدات الزراعية، وقليلا من أجهزة التكييف المتوفرة تصنع هناك، وحتى الصوف الإنجليزي الشهير إضافة إلى القطن المصري، مصدراً للأقمشة أو الملابس الجاهزة، أما الأثاث والأواني المنزلية وغيرها فكانت إيطاليا متقدمة في ذلك، ولا يخلو منزل من وجود عدد لا بأس به من تلك الأدوات اللازمة. اليوم أصبح الأمر مختلفاً فالنسبة الأكبر من السيارات، والمعدات، والأجهزة، والأواني، والملابس مصدرها الشرق، وهذا أمر ظاهر للعيان، حتى وإن لم يكن صاحب النسبة الأكبر فإنه قد اقتنص نسبة كبيرة من ذلك الإنتاج المماثل في السنوات التي قد خلت، أما ما حدث من ثورة حديثة في مجال التقنية، والمواصلات، والاتصالات، والأجهزة الكهربائية، والتقنيات المتخصصة، فيبدو أن الشرق قد احتل المرتبة الأولى عالمياً، جاعلاً حصته في الأسواق العالمية تكبر مع الزمن، في الوقت الذي يندر أن تجد في أسواقه منتجا غير محلي، إلا لأسباب ترفيهية وعلى نطاق محدود. من البديهي القول إن انخفاض تكلفة الإنتاج مع غزارته، والوصول بنوعيته إلى درجة مقبولة عند الناس كان سبباً رئيسيا للوصول إلى هذا الوضع السوقي المتجدد، ناهيك أن منحنى الدخل لدى كثير من الشعوب يميل إلى نسبة تؤشر على انخفاض الدخول مما يستوجب معه الاقتصاد وتحري ما يحقق الغرض بسعر مناسب. هذا الوضع الاقتصادي الجديد، لابد له أن يترك أثراً على اقتصاديات بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ولن يقف ذلك الأثر على الدول وموازناتها بل إنه سيكون ولا شك مؤثرا على سكان تلك الدول، مما يتطلب معه واقعية أكثر في تلك الدول في مجال المصروفات غير اللازمة، والتأثير على أنماط الحياة السائدة، وإذا ما استمرت تلك الحال، فلابد أن تغييرا اجتماعيا سيحدث فيما بعد في تلك البلدان، وعندما يكون هناك ضغط اجتماعي كبير على حكومات تلك الدول، فإن تفاهماً سياسياً مصحوباً بضغوط سياسية كبيرة، سيعمل على إعادة التوازن من خلال تغيير صرف العملات، وفتح الأسواق، والسعي إلى وضع الحصص، حتى يعود التوازن في الميزان التجاري، ليكون هناك عالم متوازن ـ لكن إذا لم تستجب الدول الآسيوية لتلك الضغوط السياسية فإن مزيداً من ضغوط شعوبها عليها سيجبرها على اتخاذ إجراء ما. إن ميل القوة الاقتصادية إلى جهة مع وجود قوة عسكرية في جهة أخرى، غير جيد للسلم العالمي. أما إذا اجتمعت القوة الاقتصادية والعسكرية في جهة بعينها فإن الكفة ستظل راجحة، وستضطر الأخرى أن تعيش بأسلوبها الخاص وطبقاً لمعطياتها المتاحة ويمكن التمثيل على ذلك بما كان عليه العالم أثناء الإمبراطورية البريطانية آنذاك حيث كانت تملك القوتين العسكرية، والاقتصادية فسادت العالم وبقي جزء كبير من العالم يعيش تحت ظلها، ولا يمكنه أن يطلب منها شيئاً من التوازن حتى أفل نجمها بعد أن امتدت بأكثر من طاقتها مما صعب معه الحفاظ على ذلك التميز العالي الذي استمر ردحاً من الزمن، وقد خلفتها الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوضع، حتى كانت تنتج 30% من إجمالي الإنتاج العالمي، وتسيطر على أغلب غذاء العالم، وكانت القوة العسكرية مصاحبة للقوة الاقتصادية مما أدى إلى تميزها عن غيرها. هناك من يرى أن تلك القوة قد بدأت في الانحسار لسبب بسيط، أنها وإن كانت تسير بسرعة إلا أن غيرها يسير بسرعة تفوق سرعتها، ولهذا فإنه بعد مدة من الزمن لابد لتلك الدول من اللحاق بها إلاّ إذا جعلت من العراقيل ما يكفل تعثر تلك الدول والحد من سرعتها مستفيدة من تفوقها العسكري، وتأثيرها السياسي. إن هذا التسابق العالمي نحو الاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من القوة والتأثير، ليس لعالمنا العربي نصيب فيه بقدر كاف، والأسباب في ذلك كثيرة ومتنوعة لكنها كلها أو جلها تدور حول ثقافة الإنسان ونمط حياته، ومقدار إنتاجه، لكن سيظل الأمل معقوداً على تغيير إلى الأفضل بإذن الله. وهو القادر على كل شيء.