تأريخ موسم الحج في بيت المقدس أ. حسن محمد شعيب من ثمارِ زيارتي لمعرض الشارقة الدولي للكتاب 2014م هذا الكتاب الجديد القيّم في بابه المعنون تأريخ موسم الحج في بيت المقدس مؤرِّخاً للحج في القدس الشريف – حرّر اللهُ أرضه من أيدي المغتصبين الصهاينة ومن عاوَنَهم – من خلال أحد أبناء القدس المؤلف بشير عبد الغني بركات عابراً في مسارات التاريخ الإسلامي التي انطلق فيها من العهد العثماني بالقرن التاسع الهجري تحديداً حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري . تطرّق الكتاب - كما يشير عنوانه – للجوانب التاريخية في موسم الحج المَقْدِسِي دون التوسّع في الجوانب الشرعيّة إلا ما تدعو إليه الحاجة في بيانِ بعض أحكام الحج التي انتهجها حجّاج بيتِ المقدس وعلماؤه ، والتي تسرّع المؤلفُ فيها بالحكم على أصحابها من علماء القرون الماضية المقدسيّين وجهّلهُمْ اعتماداً على رأيٍ أحادي مع إغفالِ بقيةِ الآراء الأخرى الوَجِيهة التي كانت حاضرةً لاشك في أذهان أولئك العلماء ؛ في مسائلَ لم تخلُ من اختلافٍ العلماء ! حملَتْ مباحثُ الكتاب عناوينَ مُهمّة يأخذُ بعضُها خصوصية المكان ( بيت المقدس ) مثل : استئذان القاضي في أداء الفريضة ، تأثير موسم الحج على الحياة اليومية في بيت المقدس ، استعداد حجاج بيت المقدس لشدّ الرِّحال إلى الحجاز ، الرّكب الغزّاوي ، الركب المقدسي ، وفيّات حجاج مقدسيّين ، الحج من فلسطين بعد زوال العهد العثماني .. إلخ . ولعلّ من جميل مَباحِث الكتاب تسليطُ الضوْء على النواحي الاقتصادية وتأثير الحج فيها ببيت المقدس ، وأثر الحج الواسع على ازدهار التجارة المقدسيّة خاصةً الصناعات المحليّة التي كانت تمدّ الركب المقدسي وغيره من احتياجاته المتعددة ، إضافةً إلى ما كان يأتي من تبرّعاتٍ للمسجد الأقصى . عدّد المؤلفُ مراحلَ الحج المقدسي ابتداءً من تبرئة الذمّة التي يتوجّه فيها الحجاجُ إلى المحكمة ، ثم التعاقدِ مع المكّاريّين والخُدّام ، إلى تأمينِ وسائل الرُّكوب والأموال المنقولة قبل السفر وغيرها . وقد عرّج كذلك على الرّكب الشامي كونه أكبر وأهم قوافل الحجاج خلال العهد العثماني ؛ واصفاً بعض تقاليده التاريخية : في تعيين أميرٍ للحج ، وقضاةٍ للركب ، ومسارِه ، وتمويلٍ القافلة وتجهيزها ، ومراسم الاحتفال بانطلاقها وما يسمّى بالمحمل الشامي ، مع سردٍ لأهم الشخصيات التي تكون عادةً في هذا الركب من أمراء وأميرات وعلماء وقضاةٍ وغيرهم . ولم يُغفل المؤلفُ الحديثَ عن الرّكب المصري أيضاً ؛ لأهميته بالنسبة للرّكب المقدسي خاصةً فيما يُسمّى بالرّكْب الرَّجَبي الذي يلتحق به بعضُ المقدسيين ؛ حينما كان ينطلقُ من القاهرة في رَجَب مُتجهاً إلى الحجاز ، إضافةً إلى تأريخ حادثة وُصُول المَحْمَل المِصري إلى بيت المقدس في زمنِ حملة نابليون على مصر واستعادَتِه فيما بعد . وقد استفاضَ المؤلفُ في حديثه عن الرّكب المقدسي – موضوع الكتاب – معدِّداً الكثيرَ من أحوالِهَ وأحداثه ، مُضيفاً بعضَ وفيّات الزائِرين لبيت المقدس من الحجاج وغيرِهم ، أضف إليها مبحثاً لطيفاً يتناولُ سفَرَ المرأة المقدسية بعنوان سفر المقدسيّات لأداء فريضة الحج ، بسط فيه ما كانت تعانيهِ المرأة الفلسطينية من مشقّة في حجها . وفي مبحث طويل رسمُ فيه المؤلفُ مسارَ رَكْبِ الحج المقدسي مع تفاصيل الأمكنة وبعض الأحداث المهمة ، مضيفاً بيان أثر افتتاح قناة السويس على مسار حجاج أوروبا وتركيا والشام الذي كان يمرّ ببيت المقدس ثم انقطع .. ويفصّل كذلك في سرد المخاطر والعقبات التي كانت تعترض الحجاج آنذاك مثل : قطع الطريق ، العطش وتردي الأحوال الجوية ، معاناة غالبية الأمة من الفقر ، تعسّف ولاة الأمور وإهمالهم رعاية الحجاج ، سوء الرعاية الصحية وانتشار الأوبئة .. خاتماً مبحثه بقائمة وفيّات حجاج بيت المقدس خلال الفترة ( 811 – 1329هـ ) والتي بلغت 127 ما بين رجلٍ وامرأة . ثم ختم المؤلف رحلة الحج المقدسي بمبحث بهيج يصف عودة الحجاج المقدسيين وما يُسمّى الجَرْدَة : وتطلق على الكعك وغيره من الأطعمة الجافة التي كانت تُرسل للحجاج العائدين إلى الشام لنفاد ما حملوه من الحجاز ، وهي من تقاليد الحج التي تطوّر مفهومها عبر الزمن ، ويضيف المؤلف كذلك وصف فرحة الركب العائد بعد الحج والتهاني بسلامة العودة التي كانت تأخذ أشكالاً متعددة نثراً وشعراً ؛ أثبت فيها بعض النماذج المؤثّقة من مصادرها التاريخية . وخاتمة مباحث الكتاب كانت في وصف الحج من فلسطين بعد زوال العهد العثماني ، وكيف كان أداء الفريضة خلال الاحتلال البريطاني مستشهداً بأهم رحلات الحج الفلسطيني بذلك الزمن مثل رحلة الشيخ محمد سعود العوري التي دوّن الكثير من تفاصيلها هنا ، ثم وصف رحلة الحج الفلسطيني بالعهد الأردني ، تلاهُ وصف رحلة الحج خلال الاحتلال الإسرائيلي حتى اتفاقية أوسلو عام 1414هـ . وتظهر أهمية الكتاب التوثيقية في اعتماد المؤلف على بيانات مرقومة في سجلات محكمة بيت المقدس ( وهي من المصادر الموثّقة التي تصف أحداث بيت المقدس بدقّة خاصةً ما يتعلق بالحياة اليومية خلال موسم الحج : كازدياد الطلب على الخبز والمياه ، والتموين ، والتعاقد ، والنواحي العسكرية وغيرها ) إضافةً إلى اعتماد المؤلف على بعض المخطوطات والمطبوعات ذات العلاقة بالحج . زيّنَ الكتابَ الكثيرُ من الصور الفوتوغرافية القديمة لأماكن وأشخاص وكتب ووثائق مكتوبة ومطبوعة ، مع أربعة ملاحق بآخر الكتاب ضمّت : أولاً ملحقاً بأسماء أمراء الركب الشامي منذ القرن السادس الهجري حتى القرن الرابع عشر الهجري ، ثانياً ملحقاً بأسماء وفيّات الحجاج المقدسيين من القرن التاسع الهجري حتى القرن الرابع عشر الهجري ، ثالثاً ملحقاً بأسماء الحجاج المقدسيين والزائرين الذين حجوا مع الركب المصري ، رابعاً وأخيراً ملحقاً بأسماء قضاة بيت المقدس الذين أدوا فريضة الحج خلال ولاياتهم . والكتاب في الجملة مهم جداً وفريد في بابه وموضوعه الذي يحتاج إلى المزيد من التوسع والبحث التاريخي العميق في رحلة الحج المقدسي إلى بيت الله الحرام عبر القرون السابقة للعهد العثماني وخلاله . * مِن آخِرِ السّطْر : مع الكمّ الهائل من رحلات الحج المدوّنة عبر قرون الإسلام الطوال ؛ يصبحُ مُلحّاً وضرورياً وجودُ مركزٍ تاريخيٍ لشؤون الحج ؛ أحدُ أهم نتاجاته موسوعةٌ للحج عبر العصور تغطّي كل ما دُوّن عبر التاريخ وتحلله وتدرسه ؛ تُوجّه لها همَمُ الباحثين ويُسخّر لها الدارسُون ويشتركُ في عملها المهتمّون بالعالم كعملٍ إسلامي تَجْنِي ثمارَهُ الأمّةُ في أهمّ فريضةٍ تجمَعُ شملَها كل عامٍ في زمنٍ ومكانٍ واحد . Shuaib2002@gmail.com