تعرف العلاقات الفرنسية- التركية تحسناً ملحوظاً منذ وصول الرئيس فرانسوا هولاند إلى السلطة عام 2012. أولى مؤشرات هذا التحسن كانت موافقة الحكومة الاشتراكية على التخلي عن معارضتها لبحث استعدادات أنقرة في بعض المجالات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتراجع الرئيس فرانسوا هولاند، خريف العام الماضي، عن الفيتو الذي استخدمته باريس لمنع بدء المفاوضات التركية- الأوروبية بخصوص أربع فصول رئيسة (من أصل 35 فصلاً)، يتعين الانتهاء منها قبل البحث في الانضمام. فضلاً عن ذلك، لم يعارض هولاند، مبدئياً، تحقيق الأمنية التركية عكس ما فعله سلفه نيكولا ساركوزي الذي كان يردد أن مكان تركيا ليس داخل الاتحاد الأوروبي. ومهارة هولاند أنه عاد إلى موقف كان التزمه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وهو طرح الموضوع على الفرنسيين في استفتاء عام، ما يعني أنه يتنصل عملياً من المسؤولية التي سيتحملها الشعب الفرنسي إن جاء الجواب موافقة أو رفضاً. يضاف ذلك إلى قيام هولاند بالتنقل إلى تركيا في «زيارة دولة» قادته إلى مدينتي أنقرة واسطنبول مطلع العام الجاري، دامت يومين. حرص هولاند خلال هذه الزيارة على قلب صفحة الخلافات مع أنقرة، وتدوير الزوايا التي أفضت في الماضي إلى قيام مناخ من الشك بين الطرفين انعكس على تراجع الشراكات الاقتصادية والمبادلات التجارية. وبدا هولاند خلال الزيارة متفائلاً في الكلمة التي ألقاها أمام رجال وسيدات الأعمال من الأتراك والفرنسيين في العاصمة الاقتصادية لتركيا، إذ دعاهم إلى الارتقاء بالمبادلات إلى مستوى العشرين مليار سنوياً، الأمر الذي نال موافقة نظيره التركي حينها عبدالله غل. وتبحث باريس عن علاقات أكثر حرارة مع تركيا كبلد ناشئ، يجمع بين صفتين مهمتين؛ هما: كونه شريكاً سياسياً فاعلاً في قضايا تهمّ فرنسا، مثل أزمات الشرق الأوسط، وتداعيات الربيع العربي، فضلاً عن قضايا المتوسط والمسألة القبرصية، كما أنه يتمتع باقتصاد ناشئ وسوق زاخرة بالفرص بالنسبة للشركات الفرنسية. وتعمل باريس على تشجيع الاستثمارات المتبادلة وعقود الشراكة الصناعية، وخصوصاً الاستفادة من المشاريع التركية في البنى التحتية مثل الكهرباء والاتصالات والطاقة المتجددة والاستخدامات المدنية للطاقة النووية وخلافها. كما تم التوقيع على العديد من الاتفاقات والعقود بين الطرفين الفرنسي والتركي منذ تلك الزيارة التي أريد لها أن تكون ترجمة للحالة «الجديدة» القائمة بين البلدين. وتشجع الحكومة الفرنسية الحالية المستثمرين الأتراك للاستثمار في فرنسا، واعدة إياهم بتسهيل مهمتهم. كما أن هناك اتفاقاً استراتيجياً في ما يتعلق بالشأن الأمني وملف الإرهاب، خاصة ملف «الجهاديين» الفرنسيين الذين يتوجهون إلى سورية للمشاركة في الحرب فيها عبر تركيا. وتقدر باريس عدد الفرنسيين المواطنين أو المقيمين بنحو 700 شخص. والتخوف الكبير يكمن في أن يعود هؤلاء إلى الأراضي الفرنسية حاملين آيديولوجيا جهادية، ما يشكل تهديداً أمنياً كبيراً وهمّا إضافياً للأجهزة الفرنسية المختصة. وكانت الحكومة الفرنسية شكرت السلطات التركية على الجهود التي بذلتها للعثور على تلميذين فرنسيين، عمر أحدهما لا يزيد على 15 عاماً، تركا مدينة تولوز حيث يقيمان وسافرا إلى إسطنبول ومنها إلى الجنوب التركي، ساعين للدخول إلى الأراضي السورية. ونسق البلدان بخصوص عودة 3 رعايا فرنسيين إلى فرنسا أخيراً، مشتبه فيهم بانتمائهم إلى تنظيمات جهادية في سورية وكان طلب الرئيس الفرنسي شخصياً من السلطات التركية أثناء الزيارة التي قادته إلى أنقرة، مساعدة بلاده وكذلك البلدان الأوروبية الأخرى لمنع وصول هؤلاء الجهاديين إلى سورية.