×
محافظة الغزالة

البكاء على أنقاض الغناء… حين أصبحت الأغنية مجرد “إيفكت” يلمع ثانية ويختفي: أين ذهبت الروح؟

صورة الخبر

لم يعد السؤال اليوم عن شكل الأغنية، بل عن مصيرها كيف تحوّل الفن الذي كان يُهندس على مهل، من حلم يُكتب على ورق أصفر ويُسجَّل في استوديوهات تشبه المعابد، إلى “منتج سريع” يشبه قهوة الـInstant… تُذاب في ثانية ثم تُنسى؟ في زمن أهواك و أغنية بتمنى لو أنساك لعبد حليم حافظ  ، وبودعك لميادة كانت الأغنية تُبنى بعمق وجمال وطقوس كاملة اليوم؟ الأغنية تشبه “ستوري” إنستجرام: 15 ثانية ضوضاء، تلمع وتختفي، لا أثر ولا ذكرى. وليس الفن العربي وحده من تهاوى… العالم كله انزلق. أين أيام «My Heart Will Go On» لسيلين ديون؟ أين روح «Hotel California»؟ أين ضخامة «Earth Song» لمايكل جاكسون؟ أين الهيبة التي صنعت موسيقى تعيش لثلاثين سنة؟ اليوم أغنية أجنبية تضرب تريند يومين ثم تتبخر، تمامًا كما يحدث في العالم العربي مع «الغزالة رايقة»، أو موجات “الراب السريع” اللي تعيش أسبوع واحد فقط. فمن قتل الأغنية الحقيقية؟ الجمهور؟ ولا السوق؟ ولا الفنان نفسه؟ السوق تغيّر  وأصبح لا يملك وقتًا للفن الطويل شركات الإنتاج أصبحت  تفكّر بمنطق “الضربة السريعة”: أغنية تُصنع خلال أسبوع، تتصدر «ريلز» لمدة 48 ساعة، ثم تُرمى في المخزن. لم تعد هناك ميزانيات لتوزيع ضخم مثل “حياتي معاك”، ولا لصوت حي قوي مثل “حبه جنة” مثلاً. أصبح الهدف: أغنية سريعة، كلمة سهلة، لحن يتكرر، بس كفاية إنها تعمل “Meme” أو “ريل” ترقص عليه البنات والباقي مش مهم. وماذا عن مصير الفنان ؟ الفنان اليوم مُرهق ومُحاصر منصات التواصل حولته إلى موظف محتوى، مش صانع فن لازم ينزل أغنية كل شهر، لازم يعمل تيك توك، لازم يرقص، لازم يضحك، لازم يعمل “تريند”.  او يضع مشاكله العائلية لترويج عن أعماله فما عاد عنده الوقت أو الطاقة ليجلس يكتب عمل يعيش مثل «أكتر واحد بيحبك» أو «لو قابلتك» أو «أنا بعشقك». ومن ناحية الغرب… هل تفتكر إن فنانًا مثل Freddie Mercury لو كان عايش في عصر “أغاني 30 ثانية”، كان هيقدر يقدم «Bohemian Rhapsody»؟ مستحيل. يبقى الجمهور… هل هو بريء؟ ليس تمامًاالجمهور أصبح يتعامل مع الأغنية كوجبة سريعة: أكلناها؟ خلاص، نريد غيرها. أغنية مثل الليلة دوب كانت تعيش سنة كاملة في الراديو. اليوم أغنية تنفجر على تيك توك يومين ثم تختفي في الزحام الجمهور أصبح  أذنه مدربة على السرعة، على الخفة، على ما يلمع لا ما يبقى. وجزء من المسؤولية يقع عليه لأنه كافأ الأغنية السريعة ومنحها “لايك” أكثر مما منح الأعمال الثقيلة فرصة. لكن الحقيقة المرّة؟ الجميع شريك في الجريمة،السوق الذي ضغط، والفنان الذي استسلم، والجمهور الذي اختار السهل. ولذلك أصبحت  الأغنية الحقيقية  العربية والأجنبية  أسيرة الماضي. أصبحنا  نعود لفيروز لنتنفس، ونرجع لأم كلثوم لنرتاح، ونسمع “Nothing Else Matters” لنفتكر يعني إيه لحن عايش، ونضع “Shallow” في السيارة كأننا نبحث عن بقايا زمن جميل. المشهد اليوم:  أغانٍ تولد على “توزيع جاهز” وتموت في تريند، موسيقى تُشبه بعضها… بلا شخصية، بلا هوية،وفنانين أصبحوا يخافون من تقديم عمل أصيل لأنه قد لا يحصد المشاهدات. لكن… هل انتهى كل شيء؟ ليس بالكامل ما زال داخل كل مستمع ذاكرة موسيقية تبحث عن شيء حقيقي،ولو قرر الجمهور أن يرفع سقفه، وقرر السوق أن يستثمر في الجودة مرة أخرى، وقرر الفنان أن يرفض أن يكون مؤثرًا بدل أن يكون مغنيًا، حينها فقط قد نرى ولادة جديدة للأغنية.