دشّنت القمم التاريخية التي عقدت في الرياض، أمس، عصراً جديداً من العلاقات بين العالمين العربي والإسلامي والولايات المتحدة من جهة، وبين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة من جهة ثانية، وأسست لتعاون مشترك غير مسبوق على صعيد مكافحة الإرهاب والتطرف، والتعاون لحل الأزمات في المنطقة.وفي القمة العربية الإسلامية - الأميركية التي شارك فيها زعماء وقادة وممثلون عن 55 دولة في مقدمهم سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد إلى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز أن «النظام الايراني يشكل رأس حربة الإرهاب العالمي»، معلناً بحزم أن المملكة عازمة على القضاء على «كل التنظيمات الإرهابية أياً كان دينها أو مذهبها أو فكرها».أما ترامب الذي أعلن أنه يحمل إلى العالمين العربي والاسلامي «رسالة صداقة وأمل ومحبة»، فأكد ضرورة «عدم تقديم ملاذ للإرهابيين»، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة «عزل» إيران التي اتهمها بإذكاء «النزاعات الطائفية والارهاب». (تفاصيل ص 37 و38 و39)وكان يوم الرياض التاريخي الطويل بدأ بلقاءات للرئيس الأميركي مع عدد من الزعماء، شملت محادثات مع العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.وبعد قمة تشاورية بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي، عقدت ظهراً قمة خليجية - أميركية جرى خلالها توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء مركز لمكافحة «تمويل الارهاب»، أطلق عليه اسم «اعتدال» ومقره الرياض.وأمام قادة وزعماء وممثلين عن 55 دولة شاركوا في القمة الإسلامية - الأميركية إلى جانب ترامب، أبدى خادم الحرمين حزماً غير مسبوق تجاه إيران وممارساتها في المنطقة، قائلاً إن «النظام الايراني يشكل رأس حربة الارهاب العالمي منذ ثورة الخميني وحتى اليوم»، و«لم نعرف إرهاباً وتطرفاً حتى أطلت الثورة الخمينية برأسها» العام 1979.وإذ ساوى بين «النظام الايراني وحزب الله والحوثيين وداعش والقاعدة» ووصفهم بأنهم «متشابهون»، اتهم الملك سلمان طهران برفض «مبادرات حسن الجوار التي قدمتها دولنا وبحسن النية واستبدلت ذلك بالاطماع التوسعية والممارسات الاجرامية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى».وأضاف «لقد ظن النظام في ايران أن صمتنا ضعف وحكمتنا تراجع حتى فاض بنا الكيل من ممارساته».وأكد عزم المملكة على «القضاء على تنظيم داعش وكل التنظيمات الارهابية أياً كان دينها أو مذهبها أو فكرها».بدوره، دعا الرئيس الأميركي، في خطابه، «كل الدول التي تملك ضميراً، أن تعمل معاً لعزل إيران»، متهماً إياها بإذكاء «النزاعات الطائفية والإرهاب».وأضاف «علينا أن نصلي ليأتي اليوم الذي يحصل فيه الشعب الإيراني على الحكومة العادلة التي يستحقها».وفي خطابه الذي تجنب فيه استخدام عبارة «الإرهاب الاسلامي المتطرف» التي تستفز كثيرين في العالم الاسلامي، شدد ترامب على أنه يحمل رسالة «صداقة وأمل ومحبة»، مضيفاً «علينا الانفتاح واحترام بعضنا البعض من جديد، وجعل هذه المنطقة مكاناً يمكن لكل رجل وامرأة، مهما كان دينهما أو عرقهما، ان يتمتعا فيه بحياة ملؤها الكرامة والامل».ودعا قادة الدول العربية والمسلمة إلى «عدم تقديم ملاذ للإرهابيين» و«إخراجهم» من هذه الدول، قائلاً «أخرجوهم من أماكن عبادتكم. أخرجوهم من مجتمعاتكم، على كل دولة في المنطقة واجب ضمان ألا يجد الارهابيون ملاذاً على أراضيها».وإذ حض الدول الإسلامية على أخذ زمام المبادرة في مكافحة التطرف، اعتبر ترامب أن الدول العربية تحملت العبء الأكبر «لعنف المتعصبين» وأن هناك كارثة أمنية وإنسانية آخذة في الانتشار في المنطقة.وأضاف «سنقوم بأمور رائعة عسكرياً لتعزيز أمن حلفائنا الموجودين هنا... نهدف للسلام والأمن والازدهار في هذه المنطقة وبقية العالم»، مشدداً على ضرورة الاتحاد خلف هدف واحد هو «هزيمة الإرهاب والتطرف».ورأى أن «حزب الله وحماس وداعش وغيرهم يمارسون الوحشية نفسها، ويجب أن يشعر أي مؤمن بالإهانة عندما يقتل إرهابي شخصا باسم الرب».واعتبر أنه «بفضل إيران ارتكب (الرئيس السوري بشار) الأسد الجرائم بحق شعبه».وبدا جلياً أن الرئيس الأميركي انتهج مقاربة خطابية مختلفة عن الإسلام، سعياً لإرساء بداية جديدة مع العالم الإسلامي بعد هجومه المتكرر على المسلمين خلال حملته الانتخابية العام الماضي.وقال «مستعدون للوقوف معكم للبحث عن المصالح المشتركة... لسنا في معركة بين الأديان إنما في معركة بين الخير والشر»، مشيراً إلى أن مسيرة السلام «تبدأ هنا في هذه الأرض المقدسة» وأن السعودية وطن لأقدس الأماكن.وأكد أن الشرق الأوسط يجب أن يتحول إلى أحد مراكز التجارة العالمية، مضيفاً ان «هذه القمة تمثل بداية السلام ليس فقط في الشرق الأوسط بل في العالم».وبعد انتهاء أعمال القمة، مساء، أطلق خادم الحرمين والرئيس الأميركي، بمشاركة القادة والزعماء، المركز العالمي لمكافحة التطرف في الرياض الذي يهدف لنشر المبادئ الوسطية والاعتدال.وفي ختام القمة، أكد البيان الختامي، الذي صدر تحت اسم «إعلان الرياض»، أن القادة ثمنوا «الخطوة الرائدة بإعلان النوايا بتأسيس تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي بمشاركة العديد من الدول»، ورحبوا بـ «استعداد عدد من الدول الإسلامية توفير قوة احتياط بـ 34 ألف جندي لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية في العراق وسورية عند الحاجة».وإذ أشادوا بـ «بناء شراكة وثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة لمواجهة التطرف والإرهاب»، أكد القادة «رفضهم الكامل لممارسات النظام الإيراني المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم ولاستمرار دعمها الإرهاب والتطرف»، ودانوا «المواقف العدائية للنظام الإيراني واستمرار تدخلاته في الشؤون الداخلية للدول في مخالفة صريحة لمبادئ القانون الدولي وحسن الجوار».وأعلنوا أن القمة تمثل «منعطفاً تاريخياً» في علاقة العالمين العربي والإسلامي مع الولايات المتحدة، مؤكدين التزام دولهم الراسخ بـ «محاربة الإرهاب بكافة أشكاله والتصدي لجذوره الفكرية وتجفيف مصادر تمويله».(الرياض - وكالات)