×
محافظة الجبيل

أنيسة عيد العميري لـ"العرب": حرية التعبير والإبداع الآن أصبحت أكبر من السابق الحركة الإبداعية السعودية شهدت طفرات كبرى في مختلف فنون الكتابة.

صورة الخبر

دخلت الكاتبة السعودية أنيسة عيد العميري العديد من الفضاءات مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وفضاء التعليم، علاوة على أنشطتها الثقافية الأخرى ما منحها نظرة أكثر اتساعا للأدب خاصة في علاقته بقارئه والمجتمع. في هذا الحوار للعميري مع "العرب" نتعرف على رؤاها وأفكارها انطلاقا من بدء الكتابة وانعكاسات الواقع عليها وانتهاء بما يجري الآن على الساحة الثقافية والإبداعية السعودية. تشكل رؤية الكاتبة السعودية أنيسة عيد العميري الواقع الاجتماعي للحياة بكل تجلياتها الإنسانية والجمالية والروحية الممزوجة بتكوينات هذا الواقع على اختلافاتها، وهي تسرد في أعمالها الروائية ونصوصها النثرية بشغف وشفافية حيوات ما تعيشه وتتأثر به وتتفاعل معه ذاتيا وفنيا، وذلك بعيدا عن تعقيدات اللغة والأسلوب والمعالجة. تنسج الكاتبة عالما شديد الإنسانية والبساطة والعمق، وإذ يحتل واقع المرأة السعودية جزءا أصيلا من إبداعاتها فإن كافة تجليات مشكلاتها وهمومها تتجسد على نحو واضح، خاصة في روايتيها “خبايا رجل” و”بزوغ فجر” كما يتجسد أيضا في نصوصها النثرية “غرف من مداد الروح” و”دفء الذكريات”. الكتابة ومؤثراتها التعليم والإدارة وسناب شات جعلت للكاتبة مساحة مشتركة واسعة للتحدث وتبادل الأفكار مع الآخرين بطرق متعددة تقول العميري “في مرحلة الطفولة كان لحكايات جدتي دور مهم في ارتباطي بالحكي ثم بالكتابة، كانت تجمعنا أنا وإخوتي حولها لتسرد لنا كل ليلة قصة شعبية من القصص الشعبية المتداولة بالمنطقة الشرقية، حيث نشأت وترعرت في مدينة الجبيل، كانت تحكي للمتعة أو ربما لإيصال فكرة او معلومة أو توجيه بطريقة بسيطة وخفية، كنا نسعد جدًا حين تبدأ بالسرد ونبحر بخيالنا مع أحداث قصتها. كانت هذه الخطوة الأولى لعشقي للاستماع وقراءة القصص، لقد عشقت تلك الليالي وقصصها التي أثرت عليّ أكثر من أخوتي.” وتضيف “لقد كانت تطلق خيالي لتأليف قصة لحكيها أو لكتابتها عقب أداء واجباتي المدرسية في سطور قليلة ركيكة وبخط متعرج. ناهيك عن تأثري بوالدي الغالي ذي الهيبة والثقافة والحكمة والذي سبق عهده بأفكاره وتكوينه الفكري، حيث كان قارئا للكتب المتنوعة. ومحبا للشعر وحافظا للكثير من الشعراء القدامى والمعاصرين. لقد تربيت في بيئة مشجعة على التعليم والقراءة والثقافة والانضباط أيضا. كنت اقرأ ما يقع بين يديّ، وكل تلك الأمور كانت البذرة التي نبتت فيّ وظلت تكبر معي وشكلت عالم القراءة والكتابة لدي على الرغم من انشغالي عن الكتابة لسنوات عديدة بسبب التعليم والوظيفة.” حول الفكرة الرئيسية التي ولدت منها أحداث روايتها الأولى “خبايا رجل” تقول العميري “أي رواية تبدأ بفكرة يمكن أن تأتي ربما من لفتة داخلية أو خارجية من حولك لتستقر برأسك، وتبدأ بالإلحاح عليك لكتابتها أو لربما شاهدت هذه الفكرة كواقعة حدثت امام عينيك. ورواية ‘خبايا رجل‘ كانت تحمل جزءا كبيرا من حقيقة كنت شاهدة على أحداثها وإن تغيرت بعض الأحداث. الرواية تحمل العديد من الغموض والتناقضات بين ما هو واقع وبين ما هو خيالي. ولكل منا خباياه. في الرواية يتأرجح خيال الكاتب بين الخير والشر بين القلب ومشاعره وبين العقل وسلطته، وتدور الأحداث حول طبيب وفتاة شابة في مقتبل العمر وقعت بحبه إلا أن الغموض والتناقضات التي كانت تحيط بتصرفات الطبيب وأفكاره جعلت الفتاة تفكر مليًا وتنحي عواطفها جانبا وتحكم العقل، وتتساءل هل يا ترى هذا هو الشخص المناسب لها لتكمل حياتها معه أم عليها الفرار منه بسبب تلك التناقضات التي لا تنتهي؟“ r وتوضح أن “غرفٌ من مداد الروح” هي نصوص نثرية، وكل نص منها يحتوي على رسمة معبرة عن مضمون النص رسمت بريشة الفنانة التشكيلية رزان خالد سعد. ولم تعنونها كقصص كون طبيعتها تتراوح ما بين المقال والفن القصصي وتحتوي على صور بلاغية ومعان مؤثرة زاخرة المعنى، كما أنها تحمل معرفة ثقافية وفكرية وتعالج قضايا إنسانية حساسة، دون الحاجة الى ترتيب الأحداث، هي تعتبر وليدة موقف ذاتي، أي إنها تكتب عندما يتعرض الكاتب لموقف معين. ويمكن أن يكون الأسلوب جديًا او ساخرًا. وتشير العميري إلى أن الواقع الاجتماعي والإنساني للمرأة في رواية “بزوغ فجر” انطلق من تلك الأحداث التي شهدتها عام 2023، حيث كانت المرأة السعودية في أوج عزها وفخرها بحقوقها التي كفلتها لها المملكة العربية السعودية. كانت بطلة الرواية “فجر” تعيش أجواء صحية عائلية وثراء وترفا، إلا أن والدها تملكه الطمع والمصلحة الشخصية التي طغت على مشاعر الأبوة، وهذه الحالة من الحالات التي لا ننكر وجودها بيننا والتي يمكن أن تتواجد في أي عائلة في مجتمعنا العربي. وتتابع “للأسف في مواجهة ذلك اتسمت البطلة بالوعي غير الكافي عندما اتخذت قرارا مرتجلا ومتسرعا، وقررت الهروب من بلدها وأهلها كحل لمشكلتها، غافلة بذلك عن توابع وعواقب ونتائج هذا القرار، وللأسف لعب صديق السوء دورا أساسيا في هذه الخطة وأجاد حبكتها. ورسالتي التي آمل أن تكون قد وصلت أن الهروب من المشكلة ليس بحل لها، وإنما الحل بمواجهة المشكلة وإيجاد الحلول الواقعية، وهو ما فعلته ‘فجر‘ لتنقذ ذاتها وتتخلص مما وقعت فيه.” وتؤكد أن حقوق المرأة السعودية شهدت تعديلات إصلاحية جذرية في أغسطس 2019، بعد أن كانت لسنوات تعد محدودة مقارنة بالرجل. والرؤية السعودية لعام 2030 نصت على تمكين وتفعيل حقوق المرأة في العديد من المجالات سواء في العمل، التعليم، النهضة الاقتصادية، التجارة، الصحة، الأحوال المدنية، السياسية، ومشاركتها في المجالس البلدية وتمكينها من تولي المناصب القيادية، والعمل بالمحاماة، وغير ذلك كثير. وتقول “نحن كنساء سعوديات نشكر قيادتنا الرشيدة ونفخر بها على تلك الإنجازات والتطورات والقرارات وعلى ثقتها بنا وجعلنا من السواعد المساهمة والشريكة في تنمية اقتصاد هذ البلد الغالي.” المشهد النقدي يهمل أو لا يلتفت للكتابات النسائية بحجة أن المرأة تملك خبرة ومخيلة محدودة في ذاتها عمل العميري بالتعليم وإدارة الأنشطة والبرامج حقق لها تواصلا فاعلا مع الواقع الاجتماعي المحيط بها، حول تأثير هذا التواصل على عالمها الإبداعي، تقول “عملي في مجال التعليم والإدارة وكمؤثر في أسلوب الحياة كصانع محتوى في تطبيق سناب شات جعل لي مساحة مشتركة واسعة للتحدث وتبادل الأفكار مع الآخرين بطرق متعددة، سواء كانت من خلال دردشة أو مقابلات أو اجتماعات أو خطابات أو تواصل سمعي. هذا الزخم الفكري والتنوع الثقافي في الساحة الأدبية كانت له انعكاساته على كتابتي، الأمر الذي مكنني من تطوير أفكاري باستمرار والارتقاء بكتاباتي وتحسين رؤيتي وتوسيع آفاق مخيلتي وتقديمها للقارئ. كل تلك العوامل كان لها دور كبير في التأثير على عالمي الإبداعي.” وترى العميري أن الكاتب يتأثر وعيه بتشكيله الثقافي والتجارب والقيم التي يحملها مما يؤثر على عملية الكتابة، وبالتأكيد هناك عناصر أخرى يمكن أن تؤثر على شخصية الكاتب وتطوره الروائي خاصة منها تطور مجتمعه عندما يبدأ بعملية تغيير تدريجي ويعاد تحديد الأدوار، وهو الأمر الذي يحدث في كل المجتمعات. هذا التغير أدى إلى ازدياد أفكاري ككاتبة وتعميق معارفي. وتتابع “عند اطلاعي على الثقافات العالمية لابد أن آخذ ما يفيد وما يناسب عاداتي وتقاليدي، (هذا من وجهة نظري فلربما الغير لا يوافقني الرأي ولا يتقيد بها) ولا أنسى توسع مجال تعاملي مع بعض الأدباء والمثقفين. واكتساب الخبرة بحضوري للملتقيات والندوات الأدبية سواء كانت أون لاين أو حضورها شخصيًا. ولا نتغاضى أن هناك جانب التحفيز على الإبداع من خلال الجوائز والفرص التي تدعم الإنتاج الثقافي والإبداعي بشكل عام وفتح آفاق أوسع وأنا جزء من هذا المجتمع، وكل تلك الأمور كان لها التأثير الإيجابي على شخصيتي كروائية.” وترى العميري أن المرأة السعودية خاصة والخليجية عامة تسير وفق المنهجية المتاحة لها سواء في العمل أو في الحياة. المجتمع بما فيه من عادات وتقاليد عادة يكون في حرب مع الفكر غير المألوف فارضًا قيودا ومعوقات على حرية الإبداع، وتتضاعف تلك القيود خاصة على المرأة الخليجية بسبب الارتباط بالتقاليد والعادات، لذا فهي عندما تكتب تضع في ذهنها مجموعة محظورات التي لا تستطيع التطرق لها. وتؤكد أن ساحة حرية التعبير والإبداع الآن أصبحت واسعة وأكبر كثيرا من السابق، وبعض الكاتبات تحدت تلك العوائق والمشكلات انطلاقا من طبيعتها وإيمانها بإبداعها المتميز حيث عملت على هذا الإبداع بعمق لتخرج من النصوص التقليدية إلى النصوص الحرة المتمردة والمتنوعة والنتيجة كانت مبهره إذ تحقق الإبداع القوي القادرة على المنافسة عربيا وعالميا. الحركة الإبداعية السعودية f تلفت العميري إلى أن هناك نهضة أدبية واسعة في العالم العربي ارتقت بالأدب العربي إلى العالمية، والمشهد مليء الآن بالعديد من الأدباء والشعراء الذين أغنوا الثقافة العربية والعقل العربي، ولعبوا دورًا هامًا وحيويًا وهم الآن نوافذ على عوالم الحرية على اختلاف تجلياتها. وخلال السنوات الأخير شهدت الساحة الأدبية حضورا قويا لإبداعات المرأة السعودية والخليجية، وذلك بسبب ليونة المجتمع وتقبله لكل إبداع جديد. وتضيف “لقد اغتنمت المرأة الفرصة وأثبت موهبتها الإبداعية وقدرتها على العطاء الجمالي والفني، لكن ذلك لا ينكر أن بعض الكاتبات لم يتمكن من الاستمرار على الرغم من امتلاكهن الموهبة، ويرجع ذلك لأسباب عدة ربما منها تراجع الشغف بالكتابة أو الانشغال بالأسرة، أو بسبب العرف والعادات او الظروف المادية التي تعرقل الاستمرارية أو بسبب التكاليف المبالغ فيها لنشر كتاب مع أن التنامي الملحوظ في أعداد دور النشر العربية ساعد على ازدهار الحركة الأدبية وأتاح الفرصة لكتاب ومؤلفين جدد. ولا أغفل من ناحية أخرى أن جانب المشهد النقدي يهمل أو لا يلتفت للكتابات النسائية بحجة أن المرأة تملك خبرة ومخيلة محدودتين، حتى أن بعض النقاد للأسف مقتنعون أن المرأة لا تكتب عن قضايا إنسانية وانما تعالج قضايا ذاتية تختص بالأسرة والبيت والحب ولا تعالج موضوعات سياسية او اجتماعية عامة.” وتشدد العميري أن الحركة الإبداعية السعودية شهدت طفرات كبرى في مختلف فنون الكتابة والنشر، فعلى سبيل المثال لا الحصر الإنتاج الروائي السعودي للكتاب والكاتبات شهد ثراء وتنوعا في الكم والجودة الفنية، ومن ألمع الأسماء في هذا المجال غازي القصيبي الذي تعد روايته “العصفورية” واحدة من أشهر الروايات العربية وقد اختارها اتحاد الناشرين العرب ضمن أفضل مئة رواية عربية صدرت في القرن العشرين، عبده خال الذي حصل على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في نسختها العربية لعام 2010عن روايته “ترمي بشرر” كما حصل أيضًا على جائزة أحسن رواية في معرض الكتاب بالرياض عام 2013 عن روايته “لوعة الغاوية” والكاتبة رجاء عالم التي فازت بجائزة البوكر العربية عام 2011عن روايتها “طوق الحمام.” ولا أغفل عن ذكر الكاتبة رجاء الصانع ورواية “بنات الرياض” والروائي أسامة المسلم، والروائي يوسف المحيميد وغيرهم كثير. وفيما يتعلق بوجود آراء التي تشير إلى تراجع كم الإنتاج الروائي السعودي مقارنة ببلدان عربية أخرى، وأن الإنتاج الروائي السعودي الشبابي الذي شهدته الساحة الأدبية في السنوات الأخيرة كثير منه لا تتوفر فيه شروط الكتابة التي تجعله يستحق هذه التسمية. تختم العميري “هناك من مارس الكتابة وليس له علاقة بالكتابة ظنًا منه أنها أقصر الطرق للشهرة. إلا أن كل شيء يمضي وتبقى الأعمال الجيدة، وبغض النظر عما يقال هناك أعمال مميزة جدا كتبها أصحابها بفن وحرفية وحققت تفردا في الشكل والمضمون وإجمالا يمكن التأكيد على أن هناك ازدهارا للإبداع على الساحة وهو برأيي يشكل ظاهرة صحية، وعلى النقاد دور في كشف الغث والثمين، والاحتفاء بالأعمال والأسماء التي يمكن ترشيحها للحصول على جوائز عربية وعالمية للرواية.”