(صالح).. شاب جامعي في الثلاثين من عمره مدخن... ويشتكي من الآم تأتيه في صدره وتنتقل الى رقبته وذراعه الايسر خصوصا بعد وجبة العشاء الدسمة.. وكان اكثر ما يخيف (صالح) انه متزوج ولديه بنت عمرها سنتان وقد توفي ابوه في الاربعين من عمره اما اخوه الأكبر في الخامسة والاربعين من عمره وكلاهما كان مدخنا!! فكان لدى صالح سؤالان واضحان لطبيب القلب: الأول: ما هو سبب تلك الآلام في صدري؟ الثاني: هل قصر العمر هو شيء وراثي... وأمر حتمي في عائلتنا لايمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال؟ وبعد اجراء الفحص السريري وفحوصات الدم من انزيمات القلب وفحص جهد القلب الكهربائي والاشعة الصوتية كانت فحوصاته سليمة تماما وهذا ما أكد انطباع الطبيب ان الاعراض تتماشى مع ارتجاع المريض وحموضة المعدة فهو يحتاج الى عمل منظار للمعدة للتأكد من التشخيص وشدة المرض وانتشاره وكذلك وجود بكتريا المعدة والحاجة الى علاجها بالمضادات الحيوية ومضادات الحموضة فقام طبيب القلب بإحالة حالة صالح الى طبيب الجهاز الهضمي. اما سؤاله الثاني فهو يحتاج الى شيء من التفصيل وهو ما سنسلط عليه الضوء في مقالنا هذا... بلاشك ان الأعمار والآجال بيد الله ولكنها كما ذكر المحققون من العلماء انها تزيد وتنقص بأمره سبحانه (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا في كتاب)!! فهي تزيد بأعمال دينية كما ثبت في حديث المصطفى عليه السلام مثل صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار... وسواء كانت الزيادة حسية في عدد السنين او في بركة العمل الصالح او بهما معا, فهي تعتبر زيادة على الموجود ونعمة من الخالق تدعو إلى المسارعة والتسابق فيها وتوجب الشكر عليها.. كما ان هناك امورا دنيوية ثبت علميا انها تكثر في من تجاوز عمرهم التسعين سنة فقد نشرت دراسة علمية من بوسطن في الولايات المتحدة الامريكية على الفين وثلاث مئة وخمسين شخصا كانوا جزءا من دراسة امتدت لخمس وعشرين سنة حيث وجد الباحثون في تلك الدراسة أن هناك حوالي 1000 شخص من هذه الدراسة تعدوا حاجز التسعين سنة وهم بكامل قوتهم وصحتهم الجسدية والنفسية وعندما درسوا خصائص هذه المجموعة وجدوا أن غالبيتهم: لا يدخنون وليس لديهم داء السكري ولا يعانون من مرض الضغط المزمن ولا ارتفاع الكلسترول الضار ولا يعانون من السمنة ويمارسون التمارين الرياضية على الدوام ولديهم تاريخ عائلي في افراد عائلتهم بأشخاص طال عمرهم وتجاوزوا التسعين سنة... وخلافا لما كان يعتقده مريضنا أعلاه (صالح) أن ةالعامل الوراثي هو المسؤول الرئيسي عن طول العمر وقصره... فالدراسات التي أجريت على التوائم المتشابهة وجدت أن الوراثة مسؤولة عن 25% فقط!! وان (العوامل الخارجية المكتسبة) وهي ما نفعله بني البشر بأنفسنا مسؤولة 75% عن طول العمر وقصره!! وأشد هذه العوامل تأثيرا وأقواها في تقصير العمر هو (التدخين) ويليه في قوة التأثير (داء السكري)... أما أقواها في اطالة العمر فهي التمارين الرياضية المنتظمة. وهنا نقطة هامة يتحدث عنها الطب الحديث وهي (الشيخوخة الناجحة) بمعنى ان تصل الى تلك الفترة الزمنية من العمر وانت بصحتك الجسدية والنفسية والعقلية فما أقسى الأحساس ان يفقد الانسان قدرته على المشي او يحبو على اربع او يتكلم كلاما غير مفهوم بعد ان كان ذلك الشخص ملء السمع والبصر... كل ذلك يمكن تحقيقه حسب القوانين التي سنها الله في الكون والتي لاتجامل احدا مهما كان لونه او جنسه. ومن المفاهيم الخاطئة المنتشرة حديثا ان المكملات الغذائية وخصوصا الفيتامينات بعد سن الخمسين تطيل العمر فهي بلسم الحياة كما يدعون... والحقيقة العلمية انها لا تطيل العمر ولا تقصره وانما تستخدم لمن ثبت ان لديه نقصا في فيتامينات واملاح معينة حسب الحاجة فمثلا في وحدات الحروق او بعد عمليات تحوير المعدة او من لديه نقص تغذية مهما اختلفت الاسباب.. الخ. وما سبق لا يتنافى مع ما ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم (أعمار أمتي مابين الستين إلى السبعين واقلهم من يجوز ذلك) فهو إخبار عن متوسط العمر تدخل فيه أعمار امة محمد عليه الصلاة والسلام خلال الاربعة عشر قرنا الماضية إلى يوم الدين سواء كان المتوفى طفلا أو شيخا هرما, رجلا كان أو امرأة (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المجلد الثاني" صفحة رقم 184), ولا يمنع هذا الحديث تحديدا ولم يمنع الشارع عموما من الأخذ بأسباب طول العمر الكمي أو النوعي فالحياة السليمة الخالية من الامراض الجسدية والنفسية هي مطلب الجميع ولذلك المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف وكذلك خيرنا من طال عمره وحسن عمله كما ورد في الأحاديث. وأخيرا, اذكر القراء الكرام أن العمر طال أو قصر فما يهمنا جميعا هو حسن العمل واهم من ذلك حسن الخاتمة, جعل الله خير أعمالنا خواتمها وخير ايامنا يوم نلقاه... ادام الله عليكم لباس الصحة والعافية.