علي قباجه لم يشهد الاتحاد الأوروبي أزمة خلال تاريخه كأزمة «بريكست» وتداعياتها؛ إذ إن كل خطوة في هذا المسار تأخذ أبعاداً كثيرة، بدءاً من التصويت على الخروج إلى ترتيبات ما بعد الخروج وهي المرحلة الأخيرة من ال«بريكست». وبينما فشلت المحادثات حتى الآن فيما يخص الخروج، تهدد بريطانيا بالخروج من دون اتفاق في حال استمر التشدد الأوروبي نحوها. وعلى الرغم من أن البعض يرجح خيار تمديد الفترة الانتقالية التي تنتهي في ديسمبر/كانون الأول المقبل، ومنح المزيد من الوقت للندن؛ لمراجعة حساباتها في مناقشة التداعيات، فإن الدول الأوروبية تهدد بفرض عقوبات، وتشديد الإجراءات التي ستتخذ ضد لندن في حال فشلت المفاوضات بين الطرفين، لاسيما أن الجولة الأخيرة من المحادثات بين الجانبين شهدت تبايناً واضحاً على الرغم من تصريح وزير الخارجية البريطاني المتفائل. لم يكن في حسبان دول الاتحاد الأوروبي في يوم من الأيام أن تتخذ إحدى دوله خطوة كتلك التي أقدمت عليها لندن؛ لذا تجد الدول الأوروبية صعوبة في إيجاد آلية مُرضية للطرفين لترتيبات الخروج، ولعل ما يصعّب مسألة التوافق بين بروكسل ولندن؛ يكمن في أمرين أساسيين أولهما أن الاتحاد ليس اتحاداً كنفيدرالياً؛ وثانيهما أن الاتحاد ليس من قبيل الفيدرالية؛ إذ هنالك قوانين ناظمة للدول الأعضاء كافة ليس بإمكان أي دولة أن تتصرف وفق مصالحها الخاصة؛ لذا فال«بريكست» إنما أٌنشئ ليبقى لا ليتفكك، وبما أن لندن اختارت الخروج فهي من ينبغي أن تتحمل تداعياته، لكنها ترفض ذلك. الاتحاد الأوروبي يواجه تحديات تهدد وجوده، وإذا لم تكن الدول الأوروبية على قدر التحدي، وتتوصل لاتفاق مُرضٍ مع بريطانيا، فإن ذلك قد يؤدي إلى شرخ بين الدول الأعضاء، وعلى الرغم من أن فرنسا وألمانيا تحاولان إيجاد آلية توافق وفي الوقت ذاته تلعبان دوراً بارزاً في سد الفراغ البريطاني، فإنهما تعانيان أزمات داخلية، قد تعيق الاستمرار بنفس القوة التي كانت عليها لندن، ففرنسا تواجه صعوداً قوياً للشعبويين، الذين يروجون لاتباع المسلك البريطاني ذاته، بينما تواجه ألمانيا الأمر ذاته إلى جانب أنها تواجه ضغوطاً أمريكية عدة لعدم تماهي سياساتها مع واشنطن؛ حيث تحاول الأخيرة سحب البساط من تحتها؛ وذلك بعد أن سحبت قواتها العسكرية منها؛ لذا يبدو من تتبع الأحداث أن الخروج البريطاني لابد أن يكون بشكل سلمي للأطراف كافة؛ لأن لندن قوية ضمن الاتحاد وخارجه، وليس من مصلحة أحد من دول القارة اختبار استفزازها. لعل من تداعيات ال«بريكست» الأبرز أن بريطانيا ستقف نداً أمام الدول الأوروبية، فعلاقتها معها ستكون تنافسية وليست تكاملية كما كانت سابقاً، ولعل اللهجة البريطانية في خطاب فرنسا تظهر ذلك بعد تأنيب لندن لباريس بعدم اتخاذ إجراءات رادعة تجاه المهاجرين الذين يتسللون عن طريقها، ومعنى ذلك أن الاتحاد الأوروبي قادم على مرحلة تنافسية لكن هذه المرة من داخل البيت الأوروبي لا من خارجه. aliqabajah@gmail.com