تأسست مدينة الدرعية منتصف القرن الـ9 الهجري/الـ15 الميلادي، وتحديداً عام 850 للهجرة، 1446 للميلاد، عندما قدم الأمير مانع بن ربيع المريدي إلى المنطقة واستقر في الجزء الشرقي من هضبة نجد، على ضفاف وادي حنيفة شمال غرب مدينة الرياض. اختار موقعين يُعرفان سابقاً باسم غصيبة والمليبيد، بدعوة من أحد أقاربه يُدعى ابن درع. يُعد تأسيس الدرعية حدثاً محورياً في تاريخ شبه الجزيرة العربية، لكونه اللبنة الأولى لقيام الدولة السعودية الأولى. ولعب حي الطريف فيها دوراً بارزاً في التاريخ السياسي والديني للمملكة، حيث يضم أبرز معالم الدرعية وقصورها ومبانيها التاريخية. يشكل الحي تجمعاً عمرانياً بُني على أطراف واحة الدرعية، ويحتوي على المساجد والأوقاف والآبار والأسوار. وقد شُيدت جميع منشآته على الطراز المعماري والزخرفي النجدي المميز لوسط شبه الجزيرة العربية، مما يشهد على أسلوب بناء فريد ومتكيف تماماً مع البيئة الصحراوية لتلك المنطقة. مناخ صحراوي مناخ مدينة الدرعية صحراوي حار وجاف صيفاً، ويسوده الضغط المداري المرتفع شتاء، نظراً لموقعها شرق هضبة نجد وسط السعودية؛ إذ تقع الهضبة على تلة صخرية قاحلة تتخللها بعض الأودية الجافة، وارتفاعها بين 800 و1200م فوق سطح البحر. تشغل الهضبة تحديداً الأراضي الواقعة بين حوض النفوذ الكبير شمالاً وحوض الربع الخالي جنوباً، وتمتد من الدهناء شرقاً إلى الهضاب الغربية غرباً، محصورة بين خطي عرض 20 و28 درجة شمالاً. يعد فصلا الربيع والخريف موسمي اعتدال، بينما تتعرض المنطقة شتاءً لهبوب الرياح الرطبة وتساقط الأمطار، الذي يبدأ من الخريف حتى الربيع. تم اختيار الدرعية، المعروفة قديماً باسم "العوجاء"، التي يُعتقد أن الاستيطان فيها يعود إلى العصور الأولى للبشرية، لتكون موقعاً للاستقرار كونها واحة خصبة تزخر بأشجار النخيل، ووفر لها موقعها في وادي حنيفة مزايا طبيعية مهمة، مثل الروافد والشعاب والأراضي الخصبة، إضافة إلى أنظمة الري التقليدية التي أتقن المعماريون المحليون تصميمها وتنفيذها بأفضل صورة. بشكل عام، توجد علاقة وطيدة بين نمط العمران والبيئة السائدة في الدرعية. لذلك، تلبي العمارة التقليدية بالمدينة متطلبات البيئة والحياة الاجتماعية لسكانها. وتُعد هذه العمارة نموذجاً مثالياً لهذا النوع من الأبنية التقليدية، إذ تتكون من مجموعة كبيرة من المباني تفصلها أزقة وشوارع ضيقة. وهي تمثل حقل دراسة فريد وغني للتعرف على الأساليب المتبعة في عمرانها من حيث التكيف مع العوامل البيئية، وتجانس النسيج العمراني مع الأفنية الداخلية المتجاورة، وانسجامها مع القصور والمساجد التي لعبت دوراً محورياً ومؤثراً في تاريخ المنطقة. عمارة إسلامية تضم الدرعية عدة أحياء تجسد مفهوم العمارة الإسلامية التي تتميز بالخصوصية واحترام الجار، إضافة إلى المظهر العام للبيوت الذي يوحي بالبساطة والبعد عن البذخ. يتوسط هذه الأحياء المسجد الجامع، وهو مركز العبادة والتلاقي والمشاورة. كما تضم عدداً من القصور، أبرزها قصر سلوى الذي بناه الإمام محمد بن سعود في القرن الـ18 ليكون مسكناً للأمير ومنطلقاً لإدارة شؤون الدولة. وأُجريت عليه تعديلات من قبل عدد من الأئمة الذين تعاقبوا عليه، ويُعد اليوم نموذجاً للعمارة النجدية والطراز المعماري القائم على الطين والحجر. صدارة طريق الحجاج تاريخياً، تصدرت الدرعية طريق الحجاج إلى مكة المكرمة، وامتد سلطانها ليشمل قرى وادي حنيفة. وفي ربوعها ظهرت الدعوة الإصلاحية، وأصبحت مقصداً للعلماء، ونشطت فيها الحركة التجارية والاقتصادية. يُعد حي الطريف من أبرز معالم الدرعية، فهو يمثل التراث النجدي والنقطة المحورية للانتقال السياسي في تأسيس الدولة السعودية، كما احتضن عدداً من المباني التاريخية التي تعكس روح الثقافة النجدية في تصميمها. واضطلع بدور سياسي وعسكري كبير في نجد، إذ شهد تأسيس النواة الأولى للدولة السعودية الأولى ووقوع عدد من الأحداث التاريخية المهمة التي شكلت المنطقة. وتكمن أهميته الكبرى في كونه كان بيت الحكم ذلك الوقت، حيث كان مقراً لإقامة أمراء الدولة ومركزاً قوياً للدولة السعودية الأولى، إذ ضم مجموعة من القصور الكبيرة ذات الأساليب التصميمية النجدية، ومنها قصر الحكم وقصور الأمراء من آل سعود. تميز أسلوب العمارة في حي الطريف بكونه نموذجاً للعمارة النجدية التقليدية، التي تعتمد أساساً على المواد المحلية وتتكيف مع الظروف البيئية القاسية. من أبرز خصائص هذا الأسلوب: استخدام الطوب اللبن المصنوع من الطين، والزخارف الجصية البيضاء، والأخشاب المحلية كالأثل، إضافة إلى تصميمات معمارية تحقق التهوية الطبيعية والظل، مثل الفناء الداخلي، والأروقة، والنوافذ الصغيرة والمثلثة. الحي الأكبر يُعد حي الطريف في مدينة الدرعية أحد أكبر الأحياء الطينية في العالم. وقد أدرجته منظمة اليونيسكو ومعالمه التاريخية على قائمة التراث العالمي عام 2010، ليصبح موقع الدرعية التاريخية، بما فيه حي الطريف، ثاني موقع سعودي ينضم للقائمة بعد مدائن صالح، وواحداً من المواقع السعودية الـ7 المدرجة حتى 2025. ويُعد سور الطريف تحفة معمارية فريدة، تعلوه أبراج مراقبة ضخمة، مما يؤكد أهميته التاريخية كأحد أبرز المعالم العمرانية ودرع حصين للمدينة. كان للسور دور دفاعي هام في مراقبة تحركات العدو خلال الحروب، ورصد وصول القوافل التجارية أوقات السلم. كما مثلت البوابات الموجودة فيه المداخل والمخارج الوحيدة للبلدة لتأمين السكان، وكان له دور اقتصادي وبيئي يتمثل في مراقبة أسراب الجراد الصحراوي. يضم السور عدداً من القصور التي شُيدت في عهد الدولة السعودية الأولى، وتتميز بقوة البنيان وشكلها المربع في المسقط الرأسي، وترتفع غالبيتها حول فناء مركزي. وتتباين تصميماتها وارتفاعاتها؛ فبعضها من طابق واحد كقصر ناصر، وبعضها من طابقين حول الفناء الداخلي كقصر سعد، إضافة إلى قصور تتألف من 3 أو 4 طبقات مثل قصر سلوى. قصر سلوى يمثل قصر سلوى نموذجاً للنمط المعماري والأساليب التصميمية التقليدية التي سادت المنطقة خلال القرنين الـ18 والـ19، ويُعد أحد المعالم الأثرية البارزة في الدرعية. ويقع في الجزء الشمالي الشرقي من حي الطريف؛ يحده وادي حنيفة من الشمال، وبيت المال من الشرق، ومسجد الإمام محمد بن سعود من الغرب، وقصر الإمام عبدالله بن سعود وقصرا أخويه الأميرَين فهد وإبراهيم من الجنوب. وكانت هناك بئر في الجهة الشمالية تمد القصر بالماء. الإمام محمد بن سعود بن مقرن، مؤسس الدولة السعودية الأولى، هو أيضاً باني قصر سلوى؛ حيث بدأ بتشييد الوحدة الأولى من القصر. أما المسجد الجامع الملاصق لقصر سلوى، فكان أول وحدة تُبنى ضمن مجمع قصر سلوى، وشيدها الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود بن مقرن، وهي تحمل اسم الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى. وتعود مراحل البناء اللاحقة للقصر إلى عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز 1803-1814. يتألف قصر سلوى من مجموعة مبان ذات تصميم معماري نجدي تقليدي، ويشتهر بجدرانه الطينية السميكة التي تتكيف مع العوامل البيئية في المنطقة. ويُعد القصر الأكبر في منطقة نجد وما حولها عموماً، وفي مدينة الدرعية خصوصاً، حيث يقع على مساحة 10000م مربع، ويتكون من 7 وحدات معمارية أُنشئت على مراحل متتالية. الوحدة الأولى: تقع في الركن الشمالي الشرقي، وتتميز ببساطة التخطيط وتطابق أسلوب البناء النموذجي السائد في المنطقة، مما ينسجم مع الحياة البسيطة التي تميز مجتمع الدرعية. تبلغ مساحتها حوالي 690 متراً مربعاً، وتتألف من مبنيين متجاورين، يتوسط كل مبنى قاعة كبيرة تحيط بها 3 غرف، ويوجد بها سلم يؤدي إلى الدور العلوي. وتبرز واجهتها بعناصرها الزخرفية المتمثلة في مجموعات هرمية من المثلثات المخرمة التي تسهم في إنارة الداخل وتوفير تهوية جيدة. تبلغ مساحة الوحدة الثانية حوالي 785م مربعاً وتتكون من طابقين، ومساحة الوحدة الثالثة حوالي 245م مربعاً وتتكون من 3 طوابق. يتألف الدور الأرضي من 3 حجرات، أكبرها الحجرة الوسطى التي تُستخدم كمجلس. وتتفاوت مساحات الوحدات الأخرى في القصر وعدد طوابقها، وتشمل عدداً من الحجرات المُخصصة لاستخدامات مختلفة. قصر فهد يُعد من المعالم المهمة التي تعود إلى المرحلة الأخيرة من الدولة السعودية الأولى، ويُنسب إلى فهد بن سعود، الأخ الأكبر للإمام عبدالله بن سعود، آخر المدافعين عن الدرعية. وهو يشغل مساحة مستطيلة أبعادها 18.35م × 36.35م، ويتكون من 3 وحدات رئيسة: أولاً: الوحدة الشرقية، وهي الوحدة الأولى وتقع بالقرب من قصر سلوى، وتبلغ مساحتها 11.80م × 16.40م وتضم مجلس الرجال، وتتكون من 3 طوابق. ثانياً: الوحدة الغربية، وهي الوحدة الثانية وتضم مجلس النساء، وتبلغ مساحتها 10م × 18.35م، وتقع في الطابق الأول، وقد بُنيت بعد الانتهاء من الوحدة الأولى. ثالثاً: الوحدة الثالثة، التي أُنشئت في وقت لاحق للوحدتين السابقتين. يبلغ سُمك جدران قصر فهد ما بين 60 و120 سم، وقد بُنيت من اللبن الطيني. اشتمل القصر على نوافذ مثلثة الشكل، وهي نوافذ صغيرة الحجم يتم إنشاؤها في الجدار بوضع لبنتين مائلتين بزاوية تتراوح بين 45 و60 درجة. قصر سعد شُيّد خلال فترة حكم الإمام سعود بن عبدالعزيز، ويُعَدُّ أحد القصور التقليدية المهمة في حي الطريف، ويتميز بأسلوبه المعماري التقليدي وتصميماته التي تتيح له التكيف البيئي، إضافة إلى عناصر تصميمية دفاعية. استُخدم في بنائه الحجر المنحوت، بينما شُيِّدت جدرانه من الطين، وغُطِّيت أسقفه بسعف النخيل. وهو يضم غرفاً ومجالس لاستقبال الضيوف، وساحات واسعة كانت تُستخدم للاجتماعات الرسمية، كما يتميز بوجود برج شاهق يوفر رؤية إستراتيجية للمنطقة المحيطة. يتكون القصر من 3 طوابق؛ يضم الدور الأرضي فناء مكشوفاً تتوزع حوله الوحدات السكنية. ويقع المجلس، وهو من أهم وحدات القصر، في الركن الشمالي الغربي منه. أما الأدوار العلوية، فاحتوت على غرف الحياة اليومية الأسرية والمخازن. وقد اعتمد القصر على عدة أساليب تصميمية لتحقيق التكيف البيئي داخل المبنى ومقاومة العوامل المناخية؛ إذ تظهر على واجهاته فتحات مثلثة هرمية الشكل. كما يتميز بتعدد الأفنية داخله، واستخدامه لأسلوب الملقف الهوائي الجانبي، الذي يأخذ شكل فتحة مرتفعة وواسعة في الجدار الخلفي للرواق الرئيس للمنزل، وتطل هذه الفتحة على الفناء. البيوتات في حي الطريف تتشابه العمارة التقليدية في مدينة الدرعية شكلاً ومظهراً وتصميماً عاماً، لكنها تتباين في الحجم والاتساع. وتتميز هذه البيوت بجدرانها المشتركة، ويضم كل منزل فناء مكشوفاً واحداً أو أكثر. ينقسم المبنى في العمارات السكنية التقليدية بمنطقة نجد بشكل أساسي إلى 3 أقسام: قسم للرجال، وآخر للعائلة، وثالث للخدمات. قسم الرجال: يمثل واجهة المنزل المطلة على الخارج، ويتوسطه باب خشبي مصنوع من خشب الأثل وجذوع النخل، ومزخرف بالنقوش والألوان والحلي المعدنية. يتصل قسم الرجال بفناء مفتوح تحيط به الحجرات المختلفة، ويوجد في أحد أركانه السلم المؤدي إلى الدور العلوي. ويضم هذا القسم مجلساً مخصصاً لاستقبال الضيوف، يُعرف باسم الديوانية أو القهوة لدى أهل نجد، ويحتوي على إطار محفور في الحائط تُعرض فيه دلال القهوة وأباريق الشاي، إضافة إلى الوجار المخصص لإشعال النار لإعداد القهوة والشاي. تعلو الديوانية الكشاف أو السماوة، وهي فتحة في السقف وظيفتها سحب الدخان الناتج عن احتراق الحطب. أما الليوان، فهو ساحة أمامها قناة مفتوحة تقع بجوار المجلس، وتُستخدم لاستيعاب أعداد إضافية من الزوار، كما يُستقبل فيه الضيوف صيفاً نظراً لتهويته الجيدة وإضاءته الطبيعية. قسم العائلة: يُعد هذا القسم الأكثر استخداماً في المنزل، ويشمل الفناء، والأروقة، والقبة (أو المصباح)، وغرف النوم الأرضية. الفناء هو الساحة المكشوفة في المنزل التي تطل على جميع التفرعات، ويحقق أهدافاً مناخية وبيئية واجتماعية مهمة؛ فهو يعمل كخزان للهواء البارد طوال الليل وجزء من النهار وسط محيط من الهواء الجاف بفضل تصميمه الفريد، كما يوفر بيئة صحية نظيفة بسماحه بدخول أشعة الشمس إلى عمق المسكن، ويحجب الضوضاء. كما يحقق الفناء الخصوصية لأفراد الأسرة ويزيد تواصلهم الاجتماعي عبر اللقاءات اليومية وفي المناسبات العامة كالأعياد والزواج. أما الأروقة، فهي الممرات المحيطة بالفناء من جوانبه الأربعة، وتشكل حلقة الوصل بين الفناء والغرف. وتوجد عادة غرفة كبيرة ذات سقف مرتفع تُعرف باسم "المصباح" أو "القبة"، وتُستخدم كصالة جلوس للعائلة، كما يضم هذا القسم غرف نوم بمساحات مختلفة. القسم الثالث: مخصص للخدمات، ويشتمل على المطبخ وغرف التخزين، وقد يشمل في بعض المنازل آباراً، وحظائر للحيوانات، وصهاريج مياه تشبه الحمّامات. وقد تكون هذه المرافق مشتركة بين أكثر من منزل. المكونات الرئيسية للعمارة النجدية في حي الطريف: • المواد الإنشائية: الطوب اللبن: يُصنع من خليط من طين الصلصال، والتراب الناعم، والتبن، ويُستخدم في بناء الجدران السميكة. وقد صمدت الأبنية المبنية باللبن الطيني المجفف بالشمس في الدرعية أمام التغيرات المناخية وعوامل التعرية. الحجر: استُخدم في إنشاء الجدران كاملة، خاصة في النصف الغربي من الحي، مما زاد من متانة وقوة البيوت. وظل هذا النمط المعماري شائعاً في نجد لبناء الأساسات. الجص: يُستخدم كطبقة خارجية لتبييض الجدران وتزيينها، مما يمنحها قوة وتحملاً أكبر للأمطار. كانت الجدران تُغلف بطبقات من الجبس ولبنات الطين، وتُسوّى بأغطية طينية تخفي الحجارة عن الأنظار. يُعد طين الصلصال المكون الأساسي لطوب اللبن، وكان يُستخرج من مواقع المياه الجوفية. ويتميز طين الصلصال بخاصية التصاق تجعل التعامل معه بتركيبته الأولية صعباً، إذ قد يتفتت ويتصدع ما لم يُعالج بمواد أخرى. لذا يُخلط الطين بالتراب الناعم المترسب على ضفتي وادي حنيفة وبالتبن والقش. أما مادة الجبس البيضاء، المصنوعة من الحجر الجيري بعد حرقه وطحنه، فتُستخدم في تبييض الجدران وتزيينها من الداخل والخارج، مما يضيف إليها جمالاً وقوة وقدرة على تحمل الأمطار. الخشب: تُستخدم أخشاب الأثل والنخيل في الأعمال الهيكلية مثل السقوف، والعتبات العلوية، والأبواب، والنوافذ نظراً لصلابتها ومقاومتها للتشقق، وهي من العناصر الأساسية في البناء. • تصميم متكيف مع البيئة: التشابه والتقارب: بُنيت العمارة متجاورة لتقليل مساحة واجهة المبنى المعرّضة للشمس وتسهيل التهوية. ولذلك، نجد أن المباني في حي الطريف تتخذ شكلاً كتلياً متراصاً ومتلاصقاً بارتفاعات متقاربة، لتوفير حماية متبادلة تخفف من شدة الحرارة والرياح. وأسهم البناء المتجاور في تقليل التعرض لأشعة الشمس وحرارتها، خصوصاً في الصيف، حيث يتيح إيجاد الظل بصورة فعالة، مما جعل المباني منغلقة على الخارج ومفتوحة نحو الداخل، مع تقاربها لضمان تغطية الظل لأكبر مساحة ممكنة. كما يضمن الحصول على التدفئة في الشتاء أو ليلاً على مدار العام، ويوفر حماية للمباني من الرياح والعواصف. وأدى هذا الأسلوب إلى حماية الممرات الضيقة الواقعة بين صفوف المنازل من عوامل الشمس والحرارة. ويتضح هذا جلياً في قصر سلوى، الذي يتألف من 7 وحدات معمارية متجاورة أُنشئت على مراحل متتالية. استخدام أسلوب النسيج العمراني المتراص أسهم في حماية وحدات المبنى من الرياح المحملة بالأتربة والرمال، وقلل من كمية الإشعاع المباشر الساقط على الحوائط الخارجية. كما حافظ على وحدة الجوار، انسجاماً مع جوهر الدين الإسلامي الحنيف الذي يؤكد على التكافل بين المسلمين، ويظهر ذلك عبر عدم التفرقة الطبقية في التجمعات السكنية وتأكيد التطابق الاجتماعي ومبدأ التكافل. ارتفاع الجدران وسماكتها: ارتفاع الجدران المحيطة بفناء العمارات السكنية التقليدية يوفر الظل للفناء ويحميه نهاراً من حرارة وأشعة الشمس، وكذلك من الرياح الموسمية. تسهم سماكة الجدران في حماية المنازل من أشعة الشمس، وتقلل من درجة الحرارة المتسللة إلى الداخل، سواء كانت حارة أو باردة، مما يضبط درجة الحرارة الداخلية. الفناء الداخلي: يعتمد تخطيط العمارة السكنية التقليدية على وجود فناء تتوزع حوله الوحدات السكنية المختلفة. تُعد الأفنية السماوية المكشوفة سمة مشتركة في مباني المناخ الحار؛ فهي توفر أماكن مظللة صيفاً، وتسمح بدخول أكبر قدر من الشمس شتاءً. وفي اليوم العادي، يعمل الفناء كخزان للهواء البارد ليلاً، ويحجب الضوضاء، ويوفر مساحة للخصوصية والتواصل الاجتماعي نهاراً. الأروقة: ممرات تحيط بالفناء الداخلي، وتُعد حلقة الوصل بين الفناء والغرف. الفتحات: تصمم النوافذ الصغيرة والمرتفعة، والفتحات المثلثة، وفتحات التهوية الداخلية لتحقيق التهوية والإضاءة الطبيعية وتشكيل تيار هوائي. ومن الأساليب الشائعة في عمران حي الطريف ارتفاع النوافذ في الغرف والحجرات وصغر حجمها؛ للإسهام في تقليل دخول أشعة الشمس المباشرة، وزيادة التهوية الداخلية دون السماح بتسلل الحرارة. كما صُممت بعض النوافذ لتكون موجهة نحو اتجاه الرياح الباردة لتحسين تدفق الهواء إلى الداخل، مما يساعد على تجديد الهواء وتلطيف درجة حرارة الفراغات الداخلية والتخلص من الرطوبة. وصُممت وحدات الاستقبال وحجرات الطابق الأول بطريقة تستفيد من الإضاءة الطبيعية والتهوية عبر النوافذ المثلثة التي تُنفذ في الجدار بوضع لبنتين مائلتين بزاوية تتراوح بين 45 و60 درجة، مما يؤمن خصوصية للسكان مع توفير التهوية والإنارة المناسبتين. الأسقف: تُصنع من عوارض خشبية متينة تُغطى بسعف النخيل، ثم تُضاف إليها طبقات من الطين المدلوك والمتروك ليجف، وتُختتم بطبقة طينية وأخرى ممزوجة بالتبن لعزل المياه. تحظى الأسقف بعناية فائقة لأهميتها وخطورتها. لذلك، كانت تُسقف المنازل بعوارض خشبية متينة مأخوذة من جذوع الأثل، تُصف بشكل أفقي على حواف الجدران مع ترك مسافات تتراوح بين 10 و20 سم بينها. وفوقها يوضع سعف النخيل لمنع تساقط الطين الذي يُوضع فوقه في طبقة بسماكة بين 15 و20 سم، ويُدك الطين بالأقدام ويُترك حتى يجف تماماً، ثم يُغطى بطبقة طينية وأخرى ممزوجة بالتبن لمنح السطح الخارجي خاصية عزل الماء. الملقف الهوائي الجانبي: وهو فتحة مرتفعة وواسعة تقع في الجدار الخلفي للرواق الرئيس للمنزل وتفتح على الفناء. وهو يلتقط الرياح من ارتفاع أعلى، لضمان التهوية الجيدة داخل المبنى ومقاومة ارتفاع حرارة الجدران.