يعتقد المحللون أن سياسة تركيا الرامية إلى تحقيق استقرار الأسواق وسط احتجاجات واسعة النطاق منذ قرابة أسبوعين، قد لا تُثبت جدواها، وربما تُجبر صناع القرار النقدي على ترك الليرة في سقوط حر، وهو ما قد يُثبت عدم شعبيتها، حيث ستؤدي إلى ارتفاع مزدوج في التضخم وأسعار الفائدة، ما يعيد الأزمة الاقتصادية إلى المربع الأول. إسطنبول - أثار اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، قبل نحو أسبوعين، وهو منافس رئيسي للرئيس رجب طيب أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2028، احتجاجات ضد هذا القرار في المدن الكبرى لتمتد إلى جميع أنحاء البلاد. وهزّت هذه الأزمة السياسية الأسواق، حيث زادت من حالة عدم اليقين في التوقعات الاقتصادية والمالية للبلاد، مما أدى إلى زيادة في تدفقات رأس المال إلى الخارج. وبدلا من السماح لسعر صرف الليرة بالتعديل، قرر البنك المركزي تثبيت العملة عبر بيع كمية كبيرة من احتياطيات النقد الأجنبي. لكن المحللين في مركز ستراتفور للدراسات والأبحاث الجيوسياسية يرون أن هذه إستراتيجية عالية المخاطر، إذ أن استمرار تدفقات رأس المال الخارجة قد يُثقل كاهل المركزي في نهاية المطاف للحفاظ على استقرار سعر الصرف، ويُجبر العملة على انخفاض حاد. وفي أعقاب اعتقال إمام أوغلو، انخفضت قيمة الليرة بأكثر من 10 في المئة لكن استقرت قليلاً منذ ذلك الحين، حيث انخفضت قيمتها مقابل الدولار الآن بنحو 4 في المئة عن مستواها قبل الأزمة السياسية. ومع ذلك، انخفضت الأسهم التركية بأكثر من 10 في المئة. وفي عام 2001 أدى انخفاض كبير في قيمة الليرة إلى أزمة مالية حادة بالبلاد، مما ساهم في وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي بزعامة أردوغان إلى السلطة في العام التالي. ونتيجة للأزمة الحالية، ارتفعت عقود مقايضة التخلف عن سداد الائتمان لخمس سنوات، والتي تسمح للمستثمرين بالتحوط من مخاطر التخلف عن سداد الديون السيادية، بشكل حاد إلى 325 نقطة أساس في 23 مارس. وكان ذلك ارتفاعا من 250 نقطة أساس في اليوم السابق لاعتقال إمام أوغلو قبل أن تنخفض إلى أقل من 300 نقطة أساس في 25 مارس. وعند هذا المستوى، تُعتبر مخاطر التخلف عن سداد الديون السيادية منخفضة نسبيًا. وحافظت مبيعات البنك المركزي الواسعة من النقد الأجنبي على استقرار الليرة التركية نسبيًا خلال الأسبوع الماضي. ووفقا لتقارير إعلامية، أنفق البنك المركزي التركي 28 مليار دولار من إجمالي احتياطياته من النقد الأجنبي حتى 25 مارس الماضي. ويقارن هذا بإجمالي أصول الاحتياطي الرسمية البالغة 171 مليار دولار، والتزامات العملات الأجنبية البالغة 100 مليار دولار، حتى 14 مارس. ◙ الدفاع عن الليرة عبر بيع كمية كبيرة من الاحتياطي النقدي إستراتيجية عالية المخاطر ◙ الدفاع عن الليرة عبر بيع كمية كبيرة من الاحتياطي النقدي إستراتيجية عالية المخاطر وتشير التقارير إلى أن صافي احتياطيات النقد الأجنبي قد ارتفع بشكل طفيف منذ أن عقد وزير المالية محمد شيمشك مؤتمرا مع المستثمرين بعد أسبوع من اعتقال إمام أوغلو. ويرى مركز ستراتفور أنه إذا لم تهدأ الأزمة السياسية وما نتج عنها من هروب الاستثمارات في الأسابيع المقبلة، فستضطر السلطات إلى تقليص تدخلها في العملة، والسماح بتعديل أكبر لسعر الصرف، مما قد يؤدي إلى زيادة التضخم. ويبدو أن الحكومة عازمة حاليا على استقرار الليرة لمنع فقدان أوسع للثقة الاقتصادية في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي المستمرة. ومع ذلك، وبعد أن أنفقت أكثر من 15 في المئة من أصولها الاحتياطية، وحصة أكبر بكثير من صافي احتياطياتها، فإن هذه السياسة لن تكون مستدامة إذا استمرت تدفقات رأس المال الخارجة عند مستوياتها الأخيرة تقريبًا. وفي هذه الحالة، ستنخفض قيمة الليرة بشكل حاد، مما سيجبر المركزي على تغيير مساره ورفع الفائدة. وسيُلحق هذا السيناريو ضررا سياسيا بالحكومة، إذ سيؤدي إلى ارتفاع التضخم وربما الفائدة، إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي. ومع ذلك، سيظل خطر حدوث أزمة مالية أوسع، ناهيك عن أزمة ديون سيادية، قابلًا للإدارة طالما سمحت السلطات بتعديل أكبر لسعر صرف العملة، إذا لزم الأمر. وازدادت احتياطيات النقد الأجنبي بشكل ملحوظ منذ 2023 بعد فوز أردوغان بولاية رئاسية ثانية وانتهاجه سياسة لإصلاح الاقتصاد بعد فشل كل المحاولات السابقة لطرح برامج لم تعد بالنفع على النمو. وفي مايو 2023، بلغت احتياطيات النقد الأجنبي نحو 59 مليار دولار، مقارنة بحوالي 97 مليار دولار في الأسبوع الذي سبق اعتقال إمام أوغلو. وبغض النظر عن ذلك، فإن الحملة القمعية على مرشحي المعارضة، قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، ستزيد من المخاطر السياسية والاقتصادية على المديين القصير والمتوسط، عبر الحد من دوافع أردوغان لاتباع سياسات اقتصادية كلية قائمة على الاستقرار في السنوات القادمة. ◙ الحملة ضد مرشحي المعارضة، قبل الانتخابات الرئاسية في 2028، ستزيد من المخاطر على المديين القصير والمتوسط وكان من المتوقع دائما أن تنتهج حكومة أردوغان، سياسة اقتصادية كلية أكثر توسعًا وأقل توجهًا نحو الاستقرار في الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2028، سعيًا لكسب دعم أكبر من خلال تعزيز النمو الاقتصادي مؤقتًا. لكن يبدو أن الحكومة عازمة أيضًا على الحفاظ على سياسة منضبطة في عامي 2025 و2026، مما كان سيمكنها من تحفيز الاقتصاد في عام 2027 دون زيادة المخاطر المالية بشكل غير ملائم قبل الانتخابات. ومع ذلك، قد يتغير هذا الوضع بعد اعتقال إمام أوغلو، المنافس الرئيسي لأردوغان، مما يجعل السباق الرئاسي أقل تنافسية. ومع ضمان فوز أكثر في عام 2028، قد يكون أردوغان أقل تحفيزًا لتنفيذ تعديلات اقتصادية مكلفة، حيث لن يحتاج بعد الآن إلى إنشاء حاجز اقتصادي كلي لتحفيز الاقتصاد قبل التصويت. كما أن انتخابات رئاسية أقل تنافسية قد تقلل من حافز أردوغان لاحترام الحواجز المؤسسية على نطاق أوسع، مما يولد حالة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي أكبر. ويقول خبراء ستراتفور إن هذه الظروف قد تردع المستثمرين الأجانب عن شراء الأصول التركية، مقارنةً بوضع تظل فيه سياسة الاقتصاد الكلي أكثر توجهًا نحو الاستقرار وقابلية للتنبؤ. وعاد المستثمرون الأجانب بحذر إلى تركيا عقب الانتخابات الرئاسية لعام 2023 وتعيين شيمشك، الذي كان داعمًا للسوق. ومع تغليب الضرورات السياسية قصيرة الأجل على الاستقرار الاقتصادي متوسط الأجل، قلّص المستثمرون الأجانب استثماراتهم في تركيا خلال الأسبوع الماضي. ووفقا لوزير المالية، فإن تدفقات رأس المال الخارجة الأخيرة كانت مدفوعةً بالأجانب وليس المقيمين.