أدت التوترات الجيوسياسية إلى ارتفاع تكاليف الطاقة، بينما تؤدي الاضطرابات في جانب العرض إلى تشويه أسعار المستهلك أيضا. لا يبدو مستقبل صناعة الغاز وسلاسل إمداداته، ورديا في 2023، نظرا للتطورات التي شهدتها الصناعة خلال العام الجاري، مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. أحدث أزمات صناعة الغاز، هو قرار الاتحاد الأوروبي تحديد أسعار الغاز الطبيعي من جميع الموردين، بصدارة روسيا، عند مستوى 180 يورو لكل واحد ميغاواط/ ساعة اعتبارا من فبراير/ شباط المقبل. حتى في حال وقف الحرب في أي لحظة من العام المقبل، إلا أن العودة للمربع الأول بين روسيا والاتحاد الأوروبي لن يحصل على المدى المتوسط، إذ تطمع كل جهة بتحقيق أهدافها في أحد أهم مصادر الطاقة في أوروبا. الطلب الضعيف يهوي بأسعار الغاز الأمريكية.. ما علاقة المناخ؟ وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي وافقوا على حد أقصى لسعر الغاز وبالأرقام، يبلغ إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي حول العالم 3860 مليار متر مكعب، بحسب بيانات بريتش بتروليوم، بينما يبلغ الطلب العالمي قرابة 4000 مليار متر مكعب، أي بعجز يتجاوز 140 مليار متر مكعب. مع دخول الأسابيع الأخيرة من عام 2022، يتساءل الكثيرون عما إذا كانت أزمة الطاقة العالمية ستستمر حتى عام 2023؛ الواقع أن المخاوف من ركود عالمي وشيك تطارد الأسواق، ما تزال قائمة، إلى جانب المخاوف الجيوسياسية. وبينما تحاول أوروبا طمأنة المستهلكين هناك، بأن انتقال الطاقة يمضي إلى الأمام بسرعة، إلا أن الواقع المالي لدو التكتل والفني، والحاجة إلى الطاقة، يجعل من الصعب تحقيق انتقال الطاقة وفق الخطط الموضوع. ودليل ذلك، أن أكثر من 8 دول أوروبية بصدارة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، عادت لتشغيل محطات نووية وأخرى تعمل بالفحم، والعودة إلى عصر توليد الطاقة المليئة بالانبعاثات الكربونية. ** تحديد سقف أسعار الغاز أحدث أزمات صناعة الغاز الطبيعي وإمداداته تتمثل باتفاق أعضاء الاتحاد الأوروبي على وضع سقف لسعر الغاز المستورد عند مستوى 180 يورو لكل واحد ميغاواط/ساعة، اعتبارا من فبراير/ شباط المقبل. روسيا بدورها لم تتأخر بالرد على القرار الأوروبي، إذ أعلنت الرئاسة الروسية (الكرملين) أمس الإثنين، أن موسكو تستعد للرد على فرض الاتحاد الأوروبي سقف سعري لها في الغرب، مؤكدة أنها "لن تعترف بأي سقوف". في المقابل، رفضت الجزائر خلال وقت سابق اليوم، القرار الأوروبي رسميا، بحسب تصريحات لوزير الطاقة الجزائري محمد عقاب، الذي حذر من تبعات القرار على استقرار سوق الغاز الطبيعي. من شأن قرار التحديد، أن يضع عدة احتمالات في سوق الغاز، أولاها هو رفض روسي وبعض المنتجين الآخرين الالتزام بالعقود الموقعة، لوجود إخلال بالأسعار فيها. بينما الاحتمال الآخر، يتمثل في إنشاء تحالف على غرار تحالف "أوبك+" تكون مهمته مقابلة القرار الأوروبي، بقرارات مماثلة قد تصل إلى خفض إنتاج الغاز الطبيعي، وبالتالي مزيد من الإرباك في سوق الطاقة العالمي. ** الحرب الروسية الأوكرانية كانت أوروبا تستورد من روسيا متوسط 175 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، وقرابة 5 ملايين من النفط الخام والمشتقات يوميا، تراجعت واردات الغاز بنسبة 75% بينما تراجعت واردات النفط والمشتقات 50%. ما تخشاه أوروبا، هو أن الوضع الحالي يعني أن أسعار الطاقة ستبقى مرتفعة، وأحد أسباب ذلك، هو أن أوروبا تستهلك فعلا مصادر الطاقة الروسية، لكن من خلال طرف ثالث. صحف مثل واشنطن بوست، وبلومبرج، نشرت في أكثر من مناسبة قيام شركات طاقة آسيوية ببيع النفط الخام والغاز الطبيعي الروسيين إلى شركات أوروبية، بالأسعار العالمية وربما أكثر قليلا خاصة للغاز الطبيعي بيسبب ضعف المعروض. بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، يعني أن أسعار الغاز عالميا ستبقى مرتفعة بسبب ارتفاع الطلب الأوروبي وضعف المعروض، خاصة مع تحويل غالبية الغاز الطبيعي المنتج إلى المستهلكين، التزاما بعقود طويلة الأجل. ** صراع مع الموردين باستثناء دول آسيا، فإن غالبية الدول المستهلكة للغاز الطبيعي، تفضل عقود الشراء الفورية، عن تلك طويلة الأجل، لأسباب مرتبطة باستقرار سوق الغاز وأسعاره خلال العقدين الماضيين. قد تواجه الدول المنتجة للغاز الطبيعي، صراعات حادة مع المستوردين المحتملين، الراغبين بتوقيع عقود قصيرة الأجل لتورد الغاز الطبيعي، وهو أمر سيكون مكلفا على الاقتصادات المستوردة.