×
محافظة المنطقة الشرقية

عرب المقاومة وفن صناعة الهزائم ما هي المؤشرات الإيجابية ونحن ما زلنا نرى الحوثيين يهددون أمن المنطقة وحزب الله يبحث عن طريقة يفسد فيها فرحة اللبنانيين بانتخاب رئيس جديد واختيار رئيس للحكومة.

صورة الخبر

“خذ وطالب”. اقبل بالقليل للحصول على الكثير، هذه هي الفلسفة التي حاول الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة إقناع الحكام العرب والشعوب العربية بانتهاجها قبل 52 عامًا. لم نصغِ إليه سواء على المستوى الشعبي أو على مستوى القيادات، لنصل اليوم إلى وضع وجدنا فيه أنفسنا قد تخلينا عن الكثير، ولم نحرز سوى القليل. رغم ذلك، هناك دلائل إيجابية تشير إلى أن العرب، حكومات وشعوبًا، بدأوا يدركون أهمية نصيحة الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة بعد أكثر من نصف قرن، ويبدون استعدادًا، أكثر من أي وقت مضى، للأخذ والمطالبة. ماذا فعلنا خلال 52 عامًا، حتى لا أقول قبل 77 عامًا (1948)، سوى خلق الأزمات والهزائم؟ والغريب أننا في كل مرة نتعرض فيها للهزيمة، وبعد أن يتدخل العالم لإنقاذنا، نتباهى بالنصر الذي حققناه. في عام 1973، دعا بورقيبة العرب إلى فتح قنوات للحوار مع إسرائيل، ورأى في ذلك خطوة ضرورية نحو تحقيق السلام، معتبرًا أن الحلول العسكرية لم تعد كافية. وأشار إلى ضرورة الاعتراف بوجود إسرائيل كواقع يجب التكيف معه، مع التأكيد على أن هذا الاعتراف لا يجب أن يكون على حساب الحقوق الفلسطينية. ◄ في غزة، يحلم الغزيون أن يتحول القطاع إلى هونغ كونغ جديدة حتى ولو كان ذلك بمساعدات من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي هدد بجحيم يجتاح المنطقة إن لم يتم التوصل إلى اتفا كان بورقيبة يدرك، بحكم علاقاته وخبراته، طبيعة العلاقات التي تربط إسرائيل بالغرب، بالتحديد الولايات المتحدة، وأن أيّ حرب بين العرب وإسرائيل، هي حرب بين العرب والولايات المتحدة. ومن هنا كان انتقاده للاستمرار في الصراع المسلح. ما أراده الحبيب بورقيبة من العرب هو أن يعملوا بقوله تعالى: “لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، مشددًا على الحاجة إلى إستراتيجيات جديدة تركز على المفاوضات والدبلوماسية. أليس هذا هو أقصى ما نطمح إليه اليوم؟ عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” ورئيس حركة حماس في غزة، خليل الحية، يعتقد أن حماس قد حررت القدس، غاب عنه ولم ينتبه إلى دور الرئيس الأميركي القادم، دونالد ترامب، الذي أجبرت تهديداته إسرائيل على القبول باتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار. رغم كلمة الحية التي جاءت بمناسبة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وقال فيها إن “الاحتلال الإسرائيلي فشل في تحقيق أيّ من أهدافه السرية أو المعلنة،” وأن “الاحتلال حاول منذ بدء العدوان تحقيق العديد من الأهداف، أعلن بعضها وأخفى البعض الآخر” ومنها، وفق الحية، “إنهاء آثار العبور المجيد في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.” رغم هذا الإصرار على انتصار متوهم، هناك مؤشرات إيجابية بدأت تظهر معالمها قبل الاتفاق، وقبل خطاب النصر هذا. ولكن، ما هي المؤشرات الإيجابية، ونحن ما زلنا نرى الحوثيين يهددون أمن المنطقة، وما زال حزب الله يبحث عن طريقة يفسد فيها فرحة اللبنانيين بانتخاب رئيس جديد واختيار رئيس للحكومة، وما زال المستقبل في سوريا غامضًا، والأطراف المتقاتلة في السودان تصر على التصعيد، وفي ليبيا، بعد 14 عامًا، لا توجد أيّ إشارة واضحة على أن المتصارعين على الثروات مستعدون لتقديم أيّ تنازلات. باختصار، المناطق المهددة بالانفجار أكثر بكثير من المناطق التي يسودها الهدوء. لن أكرر ما قاله يومًا الشاعر ابن النحوي: “اشتدي أزمة تنفرجي”. فالأزمات تحاصر المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى وقبلها.. ماذا اختلف الآن حتى تنفرج؟ الاختلاف، دخول عاملين جديدين على الخط: العامل الأول هو الهوة الاقتصادية التي تركت دولًا يفترض أن تحيا شعوبها في وضع ميسور محاصرة بالجوع والخصاصة. والعامل الثاني هو ثورة الاتصالات والمعلومات التي أصبح احتكار الخبر فيها مستحيلًا حتى على أقوى الحكومات. في عام 1956، شنت دول ثلاث هي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدوانًا على مصر، عرف بالعدوان الثلاثي، بهدف الإطاحة بالرئيس المصري جمال عبدالناصر الذي أعلن عن تأميم قناة السويس. وجرت ضغوط على الدول المعتدية من قبل الولايات المتحدة (التي كانت تخشى من تصعيد الحرب الباردة) لسحب قواتها. بينما لم تنتصر مصر عسكريًا، إلا أن انسحاب القوات المهاجمة ساهم في تعزيز مكانة جمال عبدالناصر، واعتُبر انتصارًا سياسيًا لمصر في سياستها القومية. ◄ في عام 1973، دعا بورقيبة العرب إلى فتح قنوات للحوار مع إسرائيل، ورأى في ذلك خطوة ضرورية نحو تحقيق السلام، وأشار إلى ضرورة الاعتراف بوجود إسرائيل كواقع يجب التكيف معه عاش الشارع العربي حينها على نشوة النصر ونشوة أغنية “الله أكبر”، وتحولت الأغنية إلى نشيد وطني رسمي في ليبيا من 1 سبتمبر 1969 وحتى 23 أغسطس 2011، أي طيلة حكم العقيد الليبي الراحل معمر القذافي. اليوم، وبفعل العاملين اللذين تم ذكرهما، لن نسمع أغنية تمجد انتصارات وهمية. الأمور ستسمى بأسمائها، حتى لو خرج علينا من يتحدث عن “العبور المجيد”. في سوريا، لا يتحدث أحمد الشرع، رغم خلفيته الجهادية، عن انتصارات وهمية، بل يتحدث عن التسامح وعن علاقات طبيعية مع دول الجوار دون أن يستثني من ذلك إسرائيل. أول قرار اتخذ في لبنان بعد الاتفاق مع إسرائيل وانتخاب رئيس جديد للبلاد هو إعادة التحقيق بانفجار مرفأ بيروت لكشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين. وفي غزة، يحلم الغزيون أن يتحول القطاع إلى هونغ كونغ جديدة حتى ولو كان ذلك بمساعدات من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي هدد بجحيم يجتاح المنطقة إن لم يتم التوصل إلى اتفاق. الأمر لا يختلف في العراق، وفي اليمن، وفي السودان وفي كل بقعة تشهد صراعًا وأزمات. حتى في إيران، التي فقدت أذرعها، وثبت بالتجربة أن ترسانتها العسكرية منتهية الصلاحية ولا يمكن أن تحقق بواسطتها أيّ نصر عسكري أو حتى تكفي للدفاع عن نفسها، سعي طهران اليوم لامتلاك النووي يأتي من باب التهديد بالانتحار والعمل بالقول عليّ وعلى أعدائي.