×
محافظة المنطقة الشرقية

معالجة تغيّر المناخ تعزّز النموّ الاقتصادي ولا تخنقه وفرة من الأدلة العلمية تشير إلى أن تدابير حماية المناخ تزيد من الإنتاجية الإجمالية وتخلق الملايين من الوظائف الجديدة.

صورة الخبر

يصرّ منكرو تغيّر المناخ، بما في ذلك الرئيس ترامب، على أنه لا وجود لشيء اسمه تغيّر المناخ وأن التدابير المتخذة لمكافحته لا تؤدي إلا إلى انخفاض الإنتاجية الاقتصادية وخنق النمو. في الواقع، العكس هو الصحيح؛ فإن وفرة من الأدلة العلمية تشير إلى أن مثل هذه التدابير تزيد من الإنتاجية الإجمالية وتخلق ملايين الوظائف الجديدة، والتي يجب على ترامب أن يتبناها. إن حرائق الغابات الجارفة في لوس أنجلس ليست سوى مظهر مروّع آخر للآثار المتزايدة بسرعة والمميتة لتغيّر المناخ. وأولئك الذين ينكرون وجود شيء مثل تغيّر المناخ مضللون ويمكن أن يتسببوا في أضرار بيئية لا يمكن حسابها، وخاصة إذا كانوا يشغلون منصبًا قويًا مثل ترامب، والذين يمكنهم من خلال هذا المنصب الرّفيع إيقاف أو إعاقة الجهود الرامية إلى الحدّ من الضرر الهائل الذي يلحق بكوكبنا بسبب تغيّر المناخ. ينبغي على ترامب الذي يدافع عن النموّ الاقتصادي إعادة النظر في آثار تغيّر المناخ والبحث في الفرص الهائلة للنمو الاقتصادي الهائل الذي يمكن تسخيره من خلال معالجة تغيّر المناخ، وذلك من خلال إنشاء أعمال جديدة وملايين الوظائف لإنتاج الطاقة النظيفة. تسببت حرائق الغابات في لوس أنجلس منذ 14 يناير في مقتل 25 شخصًا (بما في ذلك 17 في حريق إيتون و8 في حريق باليساديس) وقد تكلّف حتى الآن ما بين 250 إلى 275 مليار دولار. تم تدمير أكثر من 12000 مبنى في كارثة تعتبر واحدة من أخطر الحرائق في تاريخ الولايات المتحدة. أفادت إدارة الغابات والحماية من الحرائق في كاليفورنيا (كال فاير) أنّ في منطقة باسيفيك باليساديس وحدها 5316 مبنى قد تضررت أو دُمّرت. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام مع استمرار الحرائق في الاشتعال. ♦ حرائق الغابات الجارفة في لوس أنجلس ليست سوى مظهر مروّع آخر للآثار المتزايدة بسرعة والمميتة لتغيّر المناخ لا يستطيع أولئك الذين يزعمون أن تغيّر المناخ مجرد خدعة أن ينكروا العديد من الحقائق التي لا تقبل الجدل والتي قدمتها العديد من التخصصات العلمية القائمة على عقود من البحث والأدلة الصارخة، بما في ذلك ذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية وارتفاع مستويات سطح البحر والتغيّرات في سلوك النبات والحيوان ودرجة الحرارة العالمية التي ارتفعت بنحو درجة مئوية واحدة منذ عام 1880. هذا الرقم، الذي يبدو صغيرا، له أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية. وجدت دراسة أجريت عام 2017 أنه مقابل كل درجة مئوية زيادة في الانحباس الحراري العالمي تخاطر الولايات المتحدة بخسارة 2.3 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي. ولكن قبل أن نتعمّق، على أية حال، في احتمالات النموّ الاقتصادي من تطوير صناعات جديدة تعالج تغيّر المناخ، من الضروري الإشارة إلى الأضرار الهائلة والوفيات الناجمة عن ستة أحداث مدمّرة فقط على مدى السنوات الأربع الماضية وحدها، هذا من بين العديد من العواصف الكارثية الأخرى المرتبطة بتغيّر المناخ في الولايات المتحدة. في أغسطس 2020 كان إعصار لورا إعصارًا قويًا من الفئة الرابعة أنتج عواصف تجاوزت 15 قدمًا وسرعات رياح تاريخية بلغت 150 ميلاً في الساعة، وهي الأعلى منذ عام 1856. تسبب في 42 حالة وفاة وأضرار بلغت 28.1 مليار دولار. ومن أغسطس إلى ديسمبر 2020، تسببت العواصف النارية الهائلة في جميع أنحاء كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن في وفاة 46 شخصًا وأضرار بلغت 19.9 مليار دولار. دمّرت الحرائق العديد من البلدات الصغيرة وأدت إلى نوعية من الهواء الضار عانى منها الملايين لعدة أشهر. أودى إعصار إيدا – الذي حدث في أغسطس 2021 – بحياة 96 شخصًا وتسبب في أضرار مذهلة بلغت 84.6 مليار دولار. اجتاحت العاصفة المنطقة من لويزيانا إلى نيويورك واعتبرت في موقع يقع ما بين خامس وسابع أكثر العواصف الاستوائية تكلفة. وفي شهر فبراير 2021 تسببت موجة البرد التاريخية والعاصفة الشتوية التي امتدت عبر معظم أنحاء الولايات المتحدة في وفاة 262 شخصًا وتكبّد خسائر بقيمة 27.2 مليار دولار، وهي أكثر العواصف الشتوية تكلفة على الإطلاق. كانت تكساس الولاية الأكثر تضررًا بهذه العاصفة حيث حدثت غالبية الوفيات، وعددها (210) هناك. اقرأ أيضا: تغير المناخ يعقد التحول في مجال الطاقة بأفريقيا ضرب في سبتمبر 2024 إعصار هيلين من الفئة الرابعة منطقة بيج بيند بولاية فلوريدا برياح تجاوزت سرعتها 140 ميلاً في الساعة. تسبب الإعصار في أضرار هائلة بلغت 78.7 مليار دولار وأودى بحياة 219 شخصًا. كما تسبب في حدوث عاصفة تجاوز ارتفاعها 15 قدمًا وهطول أمطار تاريخية تجاوزت 30 بوصة، مما تسبب في حدوث فيضانات هائلة في غرب ولاية كارولينا الشمالية. وأخيرًا، في أكتوبر 2024، تسبب إعصار ميلتون، وهو عاصفة من الفئة الثالثة تطورت بسرعة إلى الفئة الخامسة، في مقتل 32 شخصًا وكبّدت أضرارًا بلغت قيمتها نحو 35 مليار دولار. كما ضرب اليابسة في فلوريدا وأحدث عشرات الأعاصير، مما أدى إلى تفاقم الأضرار الناجمة عن إعصار هيلين. لقد تسببت هذه العواصف الست المرتبطة بتغيّر المناخ، بالإضافة إلى حرائق لوس أنجلس، في مقتل 722 شخصًا وتكبّد خسائر تجاوزت 523 مليار دولار، هذا إلى جانب الألم والمعاناة التي لا يمكن تصورها لآلاف الأشخاص الذين فقدوا أحباءهم ومئات الآلاف الذين عانوا من التشريد والعملية المرهقة والمكلفة لإعادة بناء حياتهم. وعلى الرغم من أن الحرائق والأعاصير ظواهر طبيعية وستظل تحدث، إلا أن تغيّر المناخ أدى إلى تفاقم شدّتها وتكرارها، مما أدى إلى زيادة أعداد القتلى وتكبّد مليارات الدولارات في إعادة الإعمار. تخيّل عدد شركات الطاقة النظيفة التي يمكن إنشاؤها إذا تمّ استثمار نصف الأضرار البالغة 523 مليار دولار الناجمة عن هذه الكوارث في صناعة الطاقة النظيفة. لقد حان الوقت لأولئك الذين مازالوا يعتقدون أن تغيّر المناخ خدعة أن يدركوا أن تغيّر المناخ حقيقي ولا يمكن إبطاؤه أو عكسه بمفرده. إن العواصف والحرائق المستقبلية المرتبطة بتغيّر المناخ ستتفاقم حتما بتكلفة متزايدة بالتريليونات والوفيات ستكون بعشرات الآلاف. ويتعين على الحكومات أن تدرك أيضا أن معالجة تغيّر المناخ بقوة وبشكل متواصل لن تضرّ بالشركات، وخاصة في قطاعات إنتاج النفط والغاز الأحفوري، بل على العكس من ذلك. سوف يؤدي ذلك إلى خلق شركات جديدة مخصصة لإنتاج الطاقة النظيفة حيث يمكن لشركات النفط والغاز أن تلعب دورا هاما، على سبيل المثال، من خلال إدارة سلاسل التوريد للطاقة المتجددة وتحقيق المزيد من الأرباح. ♦ ترامب الذي يدافع عن النموّ الاقتصادي ينبغي عليه إعادة النظر في آثار تغيّر المناخ والبحث في الفرص الهائلة للنمو الاقتصادي تتمتع الولايات المتحدة بالموارد والمعرفة العلمية لبناء صناعات جديدة وتوسيع الصناعات الحالية التي تنتج الطاقة النظيفة. وفي هذه المرحلة بالذات، تحتاج إدارة ترامب القادمة إلى توفير التمويل الفيدرالي بالتعاون مع الولايات للاستثمار في صناعات الطاقة النظيفة. يشمل ذلك إنتاج البطاريات المتقدمة لتصنيع بطاريات الحديد والهواء لتخزين الطاقة طويلة الأمد وإنتاج الهيدروجين الأخضر وبناء التكنولوجيا النووية المتقدمة التي يُعتقد أنها تلعب دورا هاما في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وتوسيع قدرة تصنيع الطاقة الشمسية بشكل كبير، وزيادة قدرة توليد المرافق الجديدة بشكل كبير، وبناء مرافق تصنيع توربينات الرياح على اليابسة وفي البحر. وأخيرا، فإن توسيع تصنيع السيارات الكهربائية ووسائل النقل الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة من شأنه أن يقلل بشكل جوهري من انبعاثات الكربون. إن الغرض من كل هذه الجهود ليس فقط الحد من ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية فوق مستويات ما قبل الصناعة إلى 1.5 درجة مئوية كما نصت على ذلك اتفاقية باريس، بل وأيضاً إحداث زيادة هائلة في خلق فرص العمل. ووفقاً لتقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن الابتكارات الجديدة سوف تخلق العديد من فرص العمل الجديدة في قطاعات الطاقة النظيفة التي لن تعوض فقط عن خسائر الوظائف الناتجة عن الحد ّمن استخدام النفط والغاز الأحفوريين، بل ستضيف ملايين الوظائف الجديدة بزيادة صافية قدرها 78 مليون وظيفة. عشرات الجمهوريين في مجلس النواب والشيوخ سوف يدعمون مبادرة وطنية لاستثمار مئات المليارات من الدولارات في الطاقة النظيفة إذا أشار ترامب إلى أنه سيدعم مثل هذا التشريع دون أن يفرض بالضرورة قيوداً جديدة على صناعة الوقود الأحفوري والغاز. ونظراً لنفوذ ترامب السياسي القوي بين الجمهوريين وطبيعته المتقلبة، فإنه يستطيع أن يغيّر رأيه كما فعل مرات عديدة دون أن يواجه معارضة جدية من العديد من المشرّعين لتمرير مثل هذا التشريع. ويمكنه في هذا الصدد الاعتماد على الدعم شبه الاجتماعي من الديمقراطيين. قد يختلف كثيرون ويصرّون على أنه بالنظر إلى موقف ترامب العلني بشأن تغيّر المناخ، فإن هناك فرصة ضئيلة أو معدومة لتغيير رأيه. ربما يكون الأمر كذلك. ومع ذلك، يجب أن يتذكروا أن ترامب ليس من أصحاب الأيديولوجية الجمهورية المتشددة. إنه ليس متعصباً وسوف يحتضن تشريعات تغيّر المناخ إذا كانت تضمن توسّع الاقتصاد وخلق الملايين من الوظائف الجديدة، وهو ما يشكل جوهر أجندته الاقتصادية.