ولد العالم العربي أ. د. علي عبد الواحد وافي - رحمه الله - عام 1901 في أم درمان بالسودان، حيث كان والده يعمل معلماً في المدارس الأميرية، وبعد عودة أسرته إلى مصر التحق بالتعليم العام عام 1908، حيث تعلم في الأزهر وحفظ القرآن الكريم وواصل تعليمه حتى تخرج من دار العلوم العليا عام 1925 وكان الأول على دفعته فبعثته وزارة المعارف المصرية، آنذاك إلى جامعة السوربون العريقة في باريس، ودرس الفلسفة وعلم الاجتماع، فأمضى في فرنسا عدة أعوام فحصل على البكالوريوس عام 1928 ثم الماجستير ثم درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من الجامعة نفسها، تحت إشراف عالم الاجتماع الفرنسي «فوكونية» في النصف الأول من عقد الثلاثينات الميلادية من القرن الفائت.. وكان عنوان رسالته «الفرق بين رق الرجل ورق المرأة». وفي حياته العملية عمل د. علي وافي أستاذاً لعلم الاجتماع والتربية في جامعة الأزهر، ثم في قسم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1936، فرفع قواعد هذا التخصص الحيوي وعرّب تدريسه وتقلد العديد من المواقع الأكاديمية منها عميد كلية التربية بجامعة الأزهر وعميد كلية الآداب ورئيس قسم الاجتماع بجامعة أم درمان وجامعة القاهرة، كما ترأس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في منتصف التسعينيات الهجرية من القرن الفائت، وكان صاحب دور ريادي في دعم القسم وتطويره بعد تأسيسه في تلك الأيام الخوالي مع بقية خبراء الاجتماع الذين عاصروا مرحلة البناء للقسم ومنهم عالم الاجتماع السعودي د. إبراهيم الجوير. كما شرع قبل ذلك في البحث عن جذور هذا العلم في الفكر العربي والإسلامي، وأنشأ قسماً تولى رئاسته في جامعة القاهرة وكان رائداً في إنشاء أقسام الاجتماع في بعض الجامعات العربية، وفي مصر أيضاً.. كما ساهم العالم الراحل د. علي وافي في إنشاء جمعيتين علميتين ذواتي شأن في الحياة الاجتماعية والثقافية وهما: «الجمعية المصرية لعلم الاجتماع»، و»الجمعية الفلسفية المصرية»، وأشرف على إصدار إنتاجهما العلمي عدة سنوات، كما انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة وبالمجتمع الدولي لعلم الاجتماع وبالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية المصرية، وقد منح جائزة الدولة التقديرية للعلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 1989م. مثل - رحمه الله تعالى - وطنه (مصر) في عدد من المؤتمرات الدولية وأهمها مؤتمر حقوق الإنسان الذي عقده اليونسكو في مدينة أكسفورد وقدم بحثاً بعنوان «حقوق الإنسان في الإسلام»، وقد نشر له خمسة وأربعون مؤلفاً بعضها باللغة الفرنسية، كما أن له نحو خمسين بحثاً متنوعة في المجالات الاجتماعية والتربوية والاقتصادية واللغوية ومئات المقالات في الصحف والمجلات العلمية التي كانت تنم عن حس علمي عميق, فكر اجتماعي رصين يتدفق إنتاجاً في هذه الميدان المعرفية. وفي سياق مؤلفاته كان أبرزها.. كتاب علم الاجتماع، وكتاب تحقيق مقدمة ابن خلدون، وكتاب الأسرة والمجتمع، وكتاب الاقتصاد السياسي وتحقيق نظرياته في ضوء علم الاجتماع، وكتاب أصول التربية ونظام التعليم، وكتاب اليهودية واليهود, وكتاب لسان العرب: اللغة والمجتمع, وكتاب فقه اللغة، وغيرها من الكتب والأبحاث الثرية التي أسست المكتبة العربية لعلم الاجتماع وتراثه الأصلي، ولعل أكبر منجزاته العلمية مقدمة ابن خلدون كما أشرنا سلفاً، حيث مهد لها بالتعريف بها وبمؤلفها وذيلها بفهرسين: أحدهما فهرس تحليلي يلخص جميع ما جاء في المقدمة وتعليقاتها، والآخر فهرس هجائي يعرض لجميع الكلمات التي يهم الباحثين الرجوع إليها ويبين مواطنها، وله دور أيضاً في تأسيس علم اللغة وفقهها لا يقل عن دوره في علم الاجتماع، فهو أول من كتب في علم اللغة بالعربية وقد صدر له كتابه بهذا العنوان كما ذكرنا آنفاً. توفي رائد علم الاجتماع في مصر العالم د. علي وافي - رحمه الله - عام 1992م عن عمر يناهز 90 عاماً بعد أن أمضى سبعة عقود من الزمن في ميدان العلم والمعرفة، قدم خلالها منجزات علمية ومؤلفات متنوعة (غنية) شكلت مرجعاً ثرياً للباحثين والدراسين والمهتمين بعلم الاجتماع واللغة وما زالت تدرس في أعرق الجامعات في الوطن العربي.