«اقتلوني ومالكاً»، هي صرخة شهيرة دونت في صفحات التاريخ الإسلامي باسم الصحابي الجليل عبدالله بن الزبير، وذلك تحديداً في موقعة الجمل، وهي أول التحام دام جمع بين أطرافه صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذلك تحديداً في السنة 36هـ، فما الذي جرّ السابقون السابقون إلى هذه المعركة ومن مالك هذا؟! بتدبير عظيم محكم التنفيذ تمكن اليهودي عبدالله بن سبأ القادم من اليمن من بخّ سمه في مختلف الأمصار الإسلامية، وذلك على فترات طويلة وبجرعات منتظمة، ليحصد بهذا التخطيط المتقن الجبار جمهرة من الثوار الحانقين على حكم عثمان بن عفان، رضي الله عنه، حيث اجتمعت هذه الجموع المنظمة فيما بعد، واستطاعت أن تصل إلى المدينة المنورة عاصمة الإسلام، وتحكم قبضتها عليها بعد محاصرتها بالسلاح، ولم يقف بها الأمر عند هذا الحد، بل تعداه الى رأس الدولة الذي أُردي قتيلاً في منزله بتسع طعنات. قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في السنة 35هـ، لتتفرق بمقتله الأمة ويموج الصحابة بعضهم في بعض تتقاذفهم أمواج الفتنة حتى تلقي بهم في ميدان المعركة، ولكن هذه المرة كخصوم ألداء لا كما اعتادوا القتال جنباً الى جنب، فمفعول سحر عبدالله بن سبأ قد ملأ الأجواء وراح يسيطر على مجريات الأحداث، لتعاود رحى الإسلام دورانها بظهور «عسكر» قادم من البصرة، وهو الجمل الذي يحمل على ظهره أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، ليحتدم بظهوره القتال بين جيشي مكة وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قتالاً شرساً تطايرت فيه الأيدي والأرجل المقطعة رغم النداءات الحثيثة من قادة الجيشين بالكف عن القتال إلا أن أهل الفتنة كان لهم رأي آخر، وتستمر المعركة طاحنة حتى تحين تلك اللحظة، فمن وسط رائحة الدماء والأتربة المتصاعدة يظهر الصحابي عبدالله بن الزبير ليمسك بخطام الجمل فيرصده على الفور فارس مغوار لا يشق له غبار، كانت له صولات في معركة اليرموك إلا أنه ثبت تورطه في الخروج على عثمان هو مالك بن الحارث الشهير بـالأشتر النخعي، وتبدأ المبارزة بين فارسين من العيار الثقيل كاد فيها ابن الزبير يفقد حياته لولا أنه قفز من فرسه على الأشتر واحتضه بقوة حتى أسقطه معه على الأرض مردداً بأعلى صوته «اقتلوني ومالكاً... واقتلوا مالكاً معي» إلا أن أحداً لم يفطن لنداء ابن الزبير وذلك لشهرة مالك بن الحارث بين الناس باسم الأشتر الذي استمر عبدالله معانقاً إياه بقوة حتى خارت قواه تماماً، ففرق بينهما الجمع. عقر الجمل الذي قتل عنده سبعون نفراً من قريش وانفض القتال أخيراً مخلفاً آلاف القتلى من الطرفين في موقعة عظيمة من مواقع المسلمين جرتها فتنة كبرى عصفت بكيان الأمة.