يعاني العديد من المواطنين والمقيمين من غياب سجل موحد وشامل يتتبع الأدوية التي يستهلكونها. ومع الاعتماد المتزايد على الصيدليات الخاصة للحصول على الأدوية أو استشارة الصيدلي بشكل متكرر، تبرز مشكلات كبيرة مثل الإفراط في استخدام الأدوية، وصعوبة الوصول إلى تشخيص دقيق، وسوء استغلال العلاجات. هذا الوضع يستدعي وقفة جادة لتبني حل مستدام يسد هذه الفجوة ويعزز كفاءة النظام الصحي. إنّ الواقع الحالي يطرح تساؤلا مهما حول مدى تأثير غياب المنظومة الدوائية الموحدة على الصحة العامة وجودة الحياة؛ فالتحديات التي نواجهها لا تقتصر على الجوانب التنظيمية فقط، بل تتعمق لتشمل السلوكيات الفردية التي تعكس غياب الوعي بأهمية التوعية والرقابة الدوائية، ومن أبرز هذه التحديات: 1. غياب السجل الموحد: عدم وجود منصة مركزية تربط الصيدليات الحكومية والخاصة يؤدي إلى صعوبة تتبع التاريخ الدوائي للفرد، مما يعطل التشخيص الدقيق ويضعف كفاءة العلاج. 2. الإفراط أو سوء استخدام الأدوية: شراء أدوية متعددة دون رقابة يعرض المرضى لمخاطر التفاعلات الدوائية الضارة، ويزيد الاعتماد غير المبرر على المسكنات والمضادات الحيوية. 3. صعوبة التشخيص الطبي: يواجه الأطباء صعوبات كبيرة في الحصول على صورة واضحة وشاملة عن الأدوية التي استهلكها المرضى، مما يعرقل تحديد الأسباب الجذرية للمشكلات الصحية. 4. غياب البيانات المركزية: يؤثر هذا القصور على قدرة وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء على تحليل الاتجاهات الصحية، واتخاذ قرارات استباقية وتنظيمية فعّالة، بالإضافة إلى رصد أنماط استخدام الأدوية وتحديد المشكلات الصحية الشائعة بدقة وكفاءة. ولمعالجة هذه التحديات تتطلب حلولًا تكنولوجية متكاملة تعزز التكامل بين مختلف مكونات النظام الصحي. فمن بين المقترحات التي يمكن تطبيقها: 1. إنشاء منصة وطنية رقمية موحدة: تربط المنصة جميع الصيدليات في المملكة، سواء الحكومية أو الخاصة، لتسجيل كل الأدوية التي يتم صرفها للمواطنين والمقيمين. ويشمل ذلك الأدوية المزمنة مثل أدوية الضغط والقلب والكلى وغيرها، بالإضافة إلى المسكنات والمضادات الحيوية. 2. ربط السجل الصحي: يكون للمنصة ربط تكاملي مع السجل الصحي الشامل، مما يمكن الأطباء من الوصول إلى معلومات دقيقة عن التاريخ الدوائي والطبي للمريض، ولرفع كفاءة التشخيص والعلاج. 3. وضع سقف استهلاكي: تتيح المنصة رصد استهلاك الأدوية لكل فرد استنادًا إلى الفئة العمرية، الحالة الصحية، والتاريخ الصحي والدوائي، مع تنبيه الجهات الصحية المختصة عند تجاوز الحدود الآمنة، مما يساهم في الحد من سوء الاستخدام وضمان سلامة المرضى. 4. تحليل ورقابة البيانات: توفر المنصة بيانات دقيقة تُسهم في رصد الاتجاهات الصحية ودعم وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء في اتخاذ قرارات استراتيجية مدروسة، وذلك باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (Machine Learning) لتحليل البيانات الضخمة (Big Data)، مما يتيح رصد الأنماط الشائعة في استهلاك الأدوية، وتحديد الأدوية المهددة بالنقص أو التي يُساء استخدامها، والتنبؤ بانتشار الأمراض استنادًا إلى بيانات وصف الأدوية. 5. التوعية والتثقيف: تضمين برامج توعوية في المنصة حول الاستخدام الأمثل للأدوية، وخطورة الإفراط في تناولها دون وصفة طبية. وتتجلى الفائدة الكبيرة للبيانات المركزية في رصد الأنماط الصحية وتحليل الاتجاهات بشكل استباقي لوضع خطط وقائية طويلة المدى. كما تُسهم في تحسين إدارة سلسلة توريد الأدوية من خلال إحصاءات دقيقة تقلل الهدر وتضمن توافر الأدوية الأساسية. إضافة إلى ذلك، تمكّن المنصة الأطباء من اتخاذ قرارات علاجية دقيقة ترفع كفاءة الموارد الصحية، مما يقلل من مخاطر التفاعلات الدوائية الضارة والإسراف في استخدامها. وتُعد المنصة أداة استراتيجية لتحقيق أهداف رؤية 2030 عبر بناء منظومة صحية تدعم التنمية الدوائية المستدامة. إذن، هل يمكن أن نتصور مستقبلًا تُصبح فيه جميع تفاصيلنا الدوائية متاحة بدقة، ليكون النظام الصحي قادرًا على التنبؤ بأزماتنا الصحية قبل أن تحدث، وقبل أن تهدد أدويتنا حياتنا؟ ** ** - مستشار التنمية المستدامة