×
محافظة الرياض

مشروع استعادة سيادة الدولة العربية.. همُّ السعودية الأول - عبدالوهاب الفايز

صورة الخبر

نجاح الثوار في سوريا في استعادة سيطرة الدولة على السلطة والسيادة هو السبب الرئيسي القوي الذي يدفع السعودية، وجميع دول مجلس التعاون الخليجي، للعمل على تمكين الدول العربية لاستعادة السيادة الكاملة على أراضيها وشؤونها. وتحقيق هذا الهدف غالبا يجلب لنا الأعداء ويطلق الخلافات والعداوات مع الدول الكبرى والصغرى الطامعة في المنطقة وثرواتها، والمتلاعبة بمصالحها. ‏ومفهوم استعادة السيادة يعني استعادة الدولة للسلطة في عدة مجالات منها حصر السلاح ليكون بيد المؤسسات، وأيضا الاعتماد على العمل السياسي المنظم للوصول إلى السلطة بعيداً عن العنف، وأيضا يتضمن ضرورة التركيز على البناء والتنمية، أي خلق مشروعية الاعمار الممكنة والمعززة للسيادة المستدامة التي تقوم على جبهة وطنية داخلية قوية. كذلك يتضمن أهمية إقامة الدولة لعلاقات متوازنة تُبنى على احترام مصالح الشعوب، وحق الدول في السيادة على شؤونها الداخلية. ‏مع الأسف، الخليج العربي محاط بدول مضطربة سياسياً واقتصادياً وغير مستقرة. العراق مر بظروف صعبة بعد الاحتلال الأمريكي وبعد تزاوج مصالح المشروع الإيراني مع المصالح الغربية، فهذا المشروع ولعدة سنوات أوجد دولة شبه منزوعة السيادة على أراضيها، حيث تمددت فيها الميليشيات والجماعات الإرهابية، والحكومة العراقية تبذل الآن جهدها لاستكمال سيطرتها على الوضع. وهذا ضروري للأمن القومي العربي، وهو ليس ببعيد في بلد تشكل الفئة العمرية تحت سن الثلاثين عاما 70 بالمئة من إجمالي السكان. فهذا الجيل الجديد يتطلع إلى المستقبل المثمر المنتج المشرق الذي يستثمر خيرات العراق الواسعة وتاريخه العظيم. أيضا لبنان كان ضحية غياب الدولة لسنوات طويلة، وقد فرحنا جميعا بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بعد سنوات التعطيل والتخريب الذي تبنته نخب سياسية لبنانية فاسدة ومتماهية ومندمجة في مشروع حزب الله الذي خرب لبنان وأبعدهُ عن محيطه العربي. بقي الحالة الصعبة اليمن، فهذا البلد المنكوب بجماعة الحوثي يمر بنفس هذه الظروف الصعبة، وهي غياب الدولة المركزية. كذلك السودان، يحتاج الوقوف معه لكي تستعيد الحكومة السودانية السيطرة على البلاد، وبالتالي تستعيد الدولة سيادتها على هذا البلد الذي تعبث به مشاريع دولية وإقليميه، واستمرار الوضع يعني اتجاه البلاد إلى التقسيم والمزيد من الدمار. ولعل الدول العربية تتحرك سريعا، ففي السنوات الماضية وطبقا لبيانات الأمم المتحدة أوجدت الحرب مشكلة انسانية كبرى، وتتوقع الأمم المتحدة بأن يعاني ما يقدر بنحو 3.2 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد هذا العام. والسودان حاليا يشهد أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم، حيث أصبح 5 ملايين طفل بلا مأوى بسبب الحرب المستمرة. بلد منكوب يحتاج قصة نجاح جديدة لاستعادة الدولة الموحدة. المملكة قدرها أن تكون قائدة ورائدة في مشروع الوحدة العربية والاستقرار الإقليمي. وعندما تقوم المملكة بدورها الردي، فهذا الدور مقبول ومطلوب ومرغوب ويُشجع عليه. وهذا يعود لعدة اعتبارات. أولاً، المملكة لديها نموذج وحدة وطنية قائمة منذ أكثر من 100 عام، وهو نموذج وحدة استطاع أن يوجد نموذج عمل سياسي للدولة المستقر التي تنشغل بالأعمار والبناء تكريس مقومات الاستقرار لشعبها. أيضا المملكة تقدم النموذج في الحرص على مصالح الشعوب، ففي كل المبادرات والمشاريع التي تقودها يكون همها الأول إنساني وأخلاقي. أيضا المملكة عندما تتحرك في مجالها الحيوي، تكون مسنودة بالقوة السياسية والاقتصادية وبالقاعدة الشعبية التي تدعم تحركات قياداتها وتشجع عليها وتقدرها وتثمنها، وهذا المقال يصب في هذا المسار الداعم والمشجع. وأيضا المملكة ليس لديها مشروع فكري أو سياسي، أو لديها أيديولوجية تسعى لفرضها. لديها منهجها الثابت في الحكم الصالح المدعوم بالحكمة والحلم وحسن تقدير الأمور. كل هذه المصادر الواقعية للقوة تمكن السعودية لتكون في مكان القيادة والريادة، والأمن الإقليمي العربي يقوم على مثلث القوة السعودي المصري السوري، فالاندفاعة العربية والدولية لتي تقودها المملكة تنطلق من هذه الحقيقة في الجغرافيا السياسية. فالمملكة في الوضع السوري تحركت بسرعة وبشجاعة ووضوح ولم تتردد وتسمع للمخاوف والمحاذير، فالرؤية السعودية للعمل العربي والإسلامي والإنساني واضحة وتنطلق من المبادئ الأساسية للدولة، وأهم هذه المبادئ: المبدأ الإنساني. فعندما انكشف الغطاء وهرب المجرم بشار وعصابته، اتضحت فجوة الاحتياجات الإنسانية العاجلة للفقراء والمعدمين من اللاجئين والمشردين، لذا تقدم المجهود الإنساني العمل السياسي، وكانت هذه أولى التدخلات النوعية التي تحتاجها القيادة السورية الجديدة، فالمساعدة في هذه الجبهة سوف تمكنها من الالتفات إلى الملف الأصعب، أي السيطرة الأمنية والمضي بجمع السلاح وإعادة تكوين مؤسسات الدولة. ‏هذا الجهد السعودي أثمر عن أول مؤتمر من نوعه بشأن سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد، وحضر المؤتمر وزراء خارجية عدد من الدول العربية والأوروبية التي اجتمعت في الرياض الأحد الماضي لأجل التسريع بأخذ سوريا إلى التوجه الصحيح الذي يبعدها عن مصالح المشاريع الدولية ومشاريع الجماعات الدينية والطائفية السياسية الإرهابية التي خربت الأمن العربي. هذا الاجتماع في الرياض خرج بتوصية ودعوة رئيسية وهي ضرورة رفع العقوبات عن سوريا حتى تستطيع الحكومة السورية المؤقتة أن تتفرغ لإدارة الأمور الوجودية لحياة الناس، ولتضمن انشغالهم وانصرافهم إلى ما ينفعهم، أي أمور الحياة المعيشية اليومية الأساسية، وصرف جهدهم إلى متطلبات إعادة البناء والإعمار بعد سنوات الخراب والدمار. والأهم أن هذا الاجتماع دعا لتكون سوريا «دولة عربية موحدة وذات سيادة على جميع أراضيها». والموقف السعودي الواضح من الأحداث في سوريا برز جليا في بيان وزراء الخارجية المجتمعين في الرياض، فالمشاركون في الاجتماعات «رحبوا بالخطوات الإيجابية التي قامت بها الإدارة السورية الجديدة في مجال الحفاظ على مؤسسات الدولة، واتخاذ نهج الحوار مع الأطراف السورية والتزامها بمكافحة الإرهاب وبدء عملية سياسية تضم مختلف مكونات الشعب السوري». وأيضا - وهو مهم - التشديد على أن «مستقبل سوريا هو شأن السوريين»، مع التأكيد على أهمية الاستمرار في تقديم مختلف أوجه الدعم الإنساني والاقتصادي، وفي مجال بناء قدرات الدولة السورية، وتحقيق الاستقرار وإعادة الاعمار، وتهيئة البيئة المناسبة لعودة اللاجئين السوريين». عندما تتبنى السعودية مشروع استعادة الدولة فنحن أكثر من يعرف أهمية سيادة الدول على جميع شؤونها، فهذا يمكنها من خدمة سكانها وتحقيق احتياجاتهم وأخذهم بثبات إلى المستقبل، والأهم أن الاستقرار يمنح الدول القدرة على الدعم والمساعدة والمساندة للآخرين انطلاقاً من رغبة التعايش والسلام وبناء مقومات الحياة وتحقيق الرسالة الكبرى وهي عمارة الأرض، وهو ما تفعله السعودية في سوريا - وفي غيرها - شعبا وقيادة.