×
محافظة حائل

«الحمد»... وفرق الكويت الشعبية (3 من 3)

صورة الخبر

بالرغم من صغر حجم كتاب حمد الحمد عن «تاريخ الفرق الشعبية في الكويت»، فإن الكتاب قد أتاح وجمع للقراء والمكتبة الكويتية التراثية معلومات قيمة عن فن لم ينل حظه من الاهتمام والبحث المطلوب، فالأداء الشعبي بألوانه والعمل الجماعي الذي يرافقه في كل الثقافات من أهم وسائل التعبير والترفيه وإثبات الهوية الوطنية. ينتقل الباحث «حمد الحمد» إلى الحديث عن «فرقة أولاد عامر الشعبية» مقتبساً ما جاء في مقابلة أجرتها مجلة «عالم الفنون» في 3/6/1973، ويقول إن للفرقة تاريخها الطويل، وكانت تُسمى في البداية «فرقة الحساوية» في عهد الشيخ مبارك الصباح، وكان أول رئيس للفرقة «داود السلمان» في عهد الشيخ سالم المبارك، وأثناء بناء السور، حيث تولى رئاسة الفرقة «أحمد الخميس» بعد وفاة رئيسها «داود السلمان». ويصور كتاب «الحمد» في لوحة فنية جميلة دور الفرقة الشعبية خلال بناء السور ويقول: «كان أهل الكويت يبنون السور أثناء الليل، أما أثناء النهار فكانوا يضربون الطبول ويلعبون العرضة من بعد العصر، حيث يتجمّع الناس للمُشاركة فيها إلى أن يحل الظلام، وبعد ذلك يكون البدء في بناء السور على أنوار المصابيح، وكانت العرضة في ذلك الوقت تؤدي حيث حلقة من حاملي البنادق وتسمى الحلقة «سبحة»، تم تأتي حلقة الطبول والطارات ويليهم حملة السيوف يحيطون بالحلقة، وكان هناك مجموعة يرتدون ملابس تقليدية عبارة عن جوخ ملون أو «شلاحات» وهي أثواب فضفاضة عند الأذرع، وبذلك يتميزون عن غيرهم من الصفوف الأخرى «الردادة» والتي كانت تقف في صفين». (ص77). ويتحدث الباحث عن مشاركة الشيوخ في العرضات حيث «كان أعضاء الفرقة يتجمعون بمقر فرقة الحساوية في دروازة العبدالرزاق، وينصبون أمامهم «البيرق» علم الفرقة، ويتحركون حتى ساحة الصفاة ويتوقفون أمام الأمن العام أي قصر نايف مقابل مجمع الوزارات حاليا، وكان يحضر العرضة الشيخ أحمد الجابر الصباح على عهده، وكان الشيوخ الموجودون في ذلك الحين يُشاركون في العرضة، ويجيدون اللعب بالسيف ومنهم الشيخ عبدالله المبارك، وكان رئيس الأركان الشيخ مبارك العبدالله الجابر ما زال في صباه في ذلك الوقت ويُشارك، ومن المشاركين الشيخ مبارك عبدالله الأحمد والشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية آنذاك، وكان الشيخ عبدالله الجابر على زمانه يتبرع بالبارود لأفراد العرضة من حاملي البنادق». (ص80). وكانت الفرقة تستخدم تسعة أنواع من السيوف، و«فرقة أولاد عامر» أول فرقة اختارت لها زياً موحداً بتشكيل وألوان، وبعدها تبعتها بقية الفرق، كما أن قصائد الفرقة كلها من شعراء الفرقة. (ص 85). ويروي الحاج صالح الحمد حكاية يثبتها المؤلف «الحمد» للتاريخ، ولأنها تتعلق بدخول الإلكترونيات والآلات الحديثة إلى الكويت في تلك الفترة. يقول الحاج صالح الحمد «دعانا الشيخ أحمد الجابر حاكم الكويت آنذاك أنا وثلاثة ومعنا عبدالعزيز الرندي، ورحنا نروي له بعض القصائد الخاصة بالعرضة الحربية التي طلبها، وكذلك أغاني سامري، ولكن العجيب أنه راح يسمعنا ما رويناه في جهاز يملكه، حيث نسمع نفس أصواتنا، حيث اتضح أنه قام بتسجيل القصائد التي رويناها ورحنا نسمع أصواتنا، ولم نكن نصدق ذلك، حيث لم نعرف شيئاً عن المُسجلات، وتلك الحادثة الطريفة رحنا نتحدث عنها فترة من الزمن». (ص81). وقد نتساءل اليوم هل هذا الشريط التسجيلي لا يزال موجوداً في مكان ما؟ ومن أعرق الفرق الشعبية «فرقة الجهراء»، وعند إجراء التحقيق الصحافي مع رئيسها عام 1973 كان قد مضى على تأسيسها نصف قرن وتشتهر الفرقة بفن العرضة الحربية، وكانت بداية تكوين الفرقة بمكان قرب القصر الأحمر، ويرجع الفضل لوجود الفرقة واستمرار نشاطها، يقول تحقيق مجلة «عالم الفن» للسادة «سليمان الفرج» و«خالد المشعان» و«عثمان المزعل السعيد» والشاعر «مبارك العيار» والشاعر «فالح السالم» الذي كان عمره يوم المقابلة الصحافية ستين عاماً، وقد حضر حرب الجهراء، يقول الكتاب، وكان عشر سنوات، ويذكر الشاعر «أن سبعة أفراد حملوا البيرق في حرب الجهراء وماتوا جميعاً، وكان أول راعي لبيرق الجهراء «ابن خطاف»، وبعده «إبراهيم المزين» والآن يرعاه علي شريم». (ص89). ويتناول الكتاب الحديث عن عدة فرق شعبية أخرى لا مجال في المقال الحالي لشرح تاريخها ودورها الفني، وهي «فرقة العييدي» و«فرقة خيطان» المؤسسة عام 1957، وهي من أوائل الفرق التي سجلت للتلفزيون في زمن السيد خالد المسعود الذي كان مديراً للتلفزيون آنذاك، وكانت استوديوهات التلفزيون صغيرة، لهذا تم نصب خيمة بالخارج لتؤدي الفرق عروضها. ومن الفرق «فرقة الضبيبي الشعبية» ومؤسسها «عبدالعزيز الضبيبي» وكان من سكنة المرقاب، واشتهرت الفرقة بفن «السامري»، و«فرقة صالح الزايد الشعبية» التي تأسست عام 1952 في الشامية، ويعود أصلها لقبيلة «شمّر» من أهل حائل، وقد اشتهرت الفرقة بفن العرضة، وأخيراً «فرقة القصر الأحمر للفنون الشعبية» التي يقول الباحث حمد الحمد «إنها انبثقت من «فرقة الجهراء»، وظهرت لأول مرة بتاريخ 28 فبراير 2001، وأهم ما تقدمه الفرقة «العرضة البحرية» و«الفريسني» و«المجيلسي»، ورئيس الفرقة الحالي السيد ناصر سلمان فرج الخيرالله». ختاماً نقول إنه بالرغم من صغر حجم كتاب حمد الحمد عن «تاريخ الفرق الشعبية في الكويت»، فإن الكتاب قد أتاح وجمع للقراء والمكتبة الكويتية التراثية معلومات قيمة عن فن لم ينل حظه من الاهتمام والبحث المطلوب، فالأداء الشعبي بألوانه والعمل الجماعي الذي يرافقه في كل الثقافات من أهم وسائل التعبير والترفيه وإثبات الهوية الوطنية، وقد أظهر «الحمد» بوضوح كيف أن مختلف شرائح الشعب والمحاربين والحكام التقوا على تقدير هذا الفن الذي أدى دوراً هاماً في التعبئة النفسية والقتالية دفاعاً عن الوطن وكذلك في مختلف المناسبات الجماعية، كما احتوى كتاب «الحمد» على مجموعة من الحقائق والمعلومات التاريخية القيمة غير المتداولة وربما المجهولة، التي جمعها من مختلف المصادر، وأحيا بنشرها الاهتمام والتقدير للفرق الشعبية وفنونها ودورها الثقافي والوطني، كما قدم لنا دليلاً قيماً فيه المعلومات الأساسية عن فرق الفنون الشعبية وروادها وجهودهم.