×
محافظة المنطقة الشرقية

رحيل رئيس أميركي دافع عن الفلسطينيين

صورة الخبر

غادرنا في 29 ديسمبر 2024 الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، عن عمر يناهز 100 عام كان حاضرا فيها ومشاركا في أحداث كثيرة في العالم، وكان مهتماً أيضاً بشؤون العالم العربي منذ سبعينيات القرن الفائت. لا يمكن أن نقول إن فترة حكم جيمي كارتر كرئيس للولايات المتحدة الأميركية التي استمرت من 1977 إلى 1981، كانت فترة متميزة، بل عرفت خلالها الولايات المتحدة العديد من الأزمات وفي مقدمتها أزمة الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية بطهران، وفشل العملية العسكرية لتحريرهم، ولكن سبق هذه الأحداث نجاح كارتر في رعاية اتفاقيات كامب ديفيد وتوقيعها عام 1987. لكن انتهاء الفترة الرئاسية لم تمنع الرئيس كارتر من أن يؤدي أدوارا عديدة وفي مجالات شتى ينخرط جُلّها في الأعمال الإنسانية، والمشاركة بمراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في العديد من البلدان، وذلك بفضل مركز جيمي كارتر الذي أسسه عام 1982 في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا بالولايات المتحدة الأميركية، وسمحت لي الظروف في أثناء إقامتي في ولاية جورجيا كأستاذ محاضر في بعض جامعاتها بزيارة هذا المركز وهو غير بعيد عن مركز الناشط الأميركي وداعية السلام مارتن لوثر كينغ الذي زرته أيضا، وتفصل بين المركزين حديقة عامة، ولم تكن جهود الرئيس كارتر خافية عن الرأي العام الأميركي مما دفع مجلة التايم الأميركية لاختياره عام 1989 كأفضل رئيس أميركي سابق. أُتيحت لي الفرصة أن أستمع لإحدى محاضرات هذا الرئيس الأميركي في الشهر الرابع من عام 2007، والتي ألقاها على مدرج جامعة جورجيا الحكومية بمدينة أتلانتا، وكان قد صدر له في العام نفسه كتابا بالإنكليزية بعنوان: فلسطين، السلام لا فصل عنصري، وهو مترجم للعربية. وكنت قد اشتريت الكتاب، كمئات غيري، وبدأت بقراءته. وأذكر من هذه المحاضرة المهمة بأن كلمة «فلسطين» تكررت عشرات المرات على لسانه، وتحدث عدة مرات عن معاناة الفلسطينيين والمصاعب التي يصادفونها وبخاصة بعد بناء الجدار العنصري الفاصل على أراضيهم المحتلة، وما يتعرضون له من تشريد وقتل، وضرب مثالا فقال: إنه في الوقت الذي يُقتل فيه طفل إسرائيلي يقتل مقابله سبعة أطفال فلسطينيين، وفي مقابل كل إسرائيلي يُقتل أربعة فلسطينيين. واستغرب كيف يتم الحديث وقتها وباستمرار عن ثلاثة أسرى إسرائيليين، ولا يُولى المئات من الأسرى الفلسطينيين الاهتمام الكافي ولا يأتي الحديث عنهم إلا في معرض الحديث عن الأسرى الإسرائيليين! وأوضح أيضا الرئيس كارتر بأن شعب إسرائيل يسيطر على الشعب الفلسطيني، وأن التمييز في فلسطين لا يقوم على أساس العرق بل على أساس السيطرة والاستعمار، مشيرا إلى أن كل من رئيس جمهورية جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا، والقس المعروف من جنوب إفريقيا ديسموند توتو قد أشارا بدورهما إلى هذه الحقيقة، ونددا بهذا الوضع، وكلاهما حاصل على جائزة نوبل للسلام، الأول عام 1993، والثاني عام 1984، ولعل أهم ما قاله، وختم به محاضرته هو حديثه عن السلام وأكد أن إسرائيل لن تجد السلام إن لم تعد الأراضي العربية المحتلة لأصحابها الشرعيين، وتعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى حق العودة للفلسطينيين. لم يكن مستغربا ما قاله الرئيس كارتر ومواقفه إزاء القضية الفلسطينية ومناصرته للشعب الفلسطيني ومختلف حقوقه، وتبيان الاعتداءات الإسرائيلية واحتلالها للأراضي الفلسطينية، وكان من بين أسباب تكريمه وحصوله على جائزة نوبل للسلام عام 2002. رحل العديد من الرؤساء الأميركيين، وتبقى ماثلة في أذهاننا ذكريات من أدى منهم أدوارا في أحداث عالمنا العربي وتاريخه، وسنتذكر بمناسبة رحيل الرئيس الأميركي جيمي كارتر وأدواره المتعددة في العالم العربي والشرق الأوسط مناصرته ودعمه للشعب الفلسطيني بعد أن غادر سدة الحكم، وذلك في الوقت الذي يقع فيه الشعب الفلسطيني ضحية السياسات المتطرفة لليمين الإسرائيلي الذي يتولى زمام الأمور ويتفنن في اضطهاد أفراد هذا الشعب ومختلف مكوناته، ويمارس سياسة عنصرية يعزز فيها احتلاله للأراضي الفلسطينية في انتهاك مستمر لقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية، وهو ما تجلى بشكل فاضح وعلني في الحرب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وشعبه، وما لحق من دمار وتخريب لبنيته التحتية ومساكنه وبخاصة مشافيه، وما نتج عن هذا العدوان الآثم من ضحايا يأتي في مقدمتهم الأطفال والنساء وكبار السن حيث تتجلى الإبادة الجماعية بأبشع مظاهرها وصورها، وتضرب بكل القيم الأخلاقية والإنسانية والقانونية عرض الحائط. * أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا