×
محافظة المنطقة الشرقية

مرافعة: تأديب المحامين وإشكاليات التجربة!

صورة الخبر

يثير نظام تأديب المحامين، المقرر في القانون رقم 42 لسنة 1964، والمعدل عام 1996، جملة من الإشكاليات العملية والقانونية والدستورية، بما يستوجب من المشرّع الكويتي العمل على إعادة النظر به، على نحو يضمن فكرة التأديب من جانب، وتحقيق قواعد المحاكمة العادلة من جانب آخر. وفكرة التأديب لأي تنظيم مهني هي غاية نبيلة عكفت على تنظيمها العديد من التشريعات المقارنة، إلا أن التطبيق العملي خير برهان على سلامة القواعد المقررة في أي تنظيم تشريعي أو مخالفتها حال تعارضها مع أحكام القوانين الأخرى أو الدستور، وهو ما يتعين على المشرّع إعادة النظر بها والعمل على تقويم نصوصها. وكان لقواعد التأديب التي نص عليها قانون مهنة المحاماة المعدل قبل 25 عاماً نصيب من ذلك التعارض القانوني والدستوري، بسبب عدم سلامة تشكيل نظام التأديب، الذي يتمثّل في تشكيل مجلس للتأديب، يُشكّل من 3 قضاة وعضوية محاميين اثنين، ويصدر المجلس عقوبات تأديب بناء على دعوى التأديب المقامة من النيابة العامة، ويتم استئناف القرارات أمام مجلس تأديب يُشكّل من 3 قضاة بدرجة مستشارين من محكمة الاستئناف. ويصدر المجلس عقوبات التأديب على المحامين المخالفين لقواعد المهنة بعقوبات كاللوم والإنذار والوقف لمدد أو حذف القيد، ومن ثمّ فإن ما يصدُر عن مجلس التأديب هو قرارات لا أحكام. ويترتب على ذلك أننا أمام نظام تأديب يخضع لمجموعة من القواعد الإجرائية التي تنظم تشكيله وإجراءات انعقاد جلساته والعقوبات الصادرة وفق هذا النظام، ولسنا أمام محاكم جزائية تخضع لقواعد قانون الإجراءات أو حتى قانون المرافعات ولا تطبّق أحكام قانون الجزاء في إيراد العقوبات، ولذلك لا يجوز - مثلا - التظلم من قرارات النيابة بحفظ التحقيقات أمام المجلس لعدم نص القانون على ذلك، كما لا يجوز الادعاء مدنياً أمام المجلس، ولا حتى الدفع بعدم دستورية قانون، وذلك لأننا مقيدون بقواعد إجرائية منصوص عليها في قانون المحاماة، ولا يجوز التوسع بها أو القياس على أي قواعد أخرى ترد بأحكام قوانين أخرى، وذلك لأننا - باختصار - لسنا أمام محاكم، بل أمام مجلس تأديب. بينما الأمر الثاني الذي يثير إشكاليات أخرى، فهو تشكيل المجلس على النحو المقرر بالقانون، ففي الوقت الذي ينص عليه القانون بأن فكرة نظام التأديب تسمح بعضوية 2 من المحامين في عضوية المجلس، إلى جانب 3 قضاة آخرين، وتكون الجلسة برئاسة قاض بدرجة وكيل محكمة، إلا أن هذا التشكيل لا يتحقق بهيئة المجلس التي تنظر الاستئنافات، والتي قرر القانون تشكيلها من 3 قضاة بدرجة مستشارين، وهو الأمر الذي يثير تساؤلا مهما، هو لماذا أدخل المشرع في تشكيل المجلس 2 من المحامين، ولماذا لم يقرر أن تكون هيئة الاستئناف للمجلس مشكّلة أيضا من محامين إلى جانب السادة القضاة؟ وهذا الأمر يثير استفهاما آخر، مفاده أنه إذا كانت الغاية من إدخال المحامين في عضوية تشكيل المجلس بالدرجة الأولى هي أن تتم تغطية جوانب فكرة التأديب من هذا المجلس من جميع المتخصصين، قضاة ومحامين، لتحقيق فكرة التوازن، والتعامل مع التأديب بروح العاملين بالمهنة، وحتى يشاركوا من عرض اعتباراتها أمام المجلس، إلا أن هذا التوازن مثلا في فكرة التشكيل لا يتحقق أمام هيئة التأديب أمام دائرة الاستئناف. كما أن القانون لم يشُر صراحةً إلى دور أعضاء المجلس من المحامين، فهل يمارسون دور القضاة الآخرين في السؤال والمناقشة مع المحالين للتأديب، ولهم الحق في المشاركة بالمداولة للقرارات قبل إصدارها، أم أن لهم الحق في كل ذلك طالما كانوا أعضاء، أم أن عضويتهم لا تعدو أن تكون «شرفية» لسلامة التشكيل؟! بينما الجانب الثالث والمهم هو أن القرارات التي يصدرها مجلس التأديب بهيئة الاستئناف هي قرارات نهائية وباتّة ولا تقبل الطعن عليها بهيئة تمييز، في حين أن كلفة عقوبات التأديب على المخالفين كبيرة، وتصل إلى حد الإيقاف النهائي، في ظل غياب تشكيل المحامين من عضوية هيئة التأديب أمام الاستئناف، فضلا عن تعامل الهيئة بفكرة مراجعة عقوبات التأديب أكثر من مراجعة المحاكمة التأديبية على نحو فني، والتي عادة تتولاها المحاكم العليا على الأحكام، والتي ترتبط أيضا بما تقرره دوائر التمييز. أخيرا، فإن مراجعة أحكام نظام تأديب المحامين باتت ضرورة، والتجربة الحالية للمجلس وفق تشكيله ليست بالمُثلى، ويتعيّن العمل على تصحيحها بجعلها إما «محكمة» على نحو يضمن الضمانات للمحالين إليها، أو «مجلس تأديب» يضمن أيضا ضمانات للمحالين والعقوبات بحقهم، أما الجمع بين النظامين فهو ما يشوّه نظام التأديب.