محمد العزي عندما توقف الزمن دقت ساعة الجدار دقة أخيرة ثم سكتت، واستيقظ الناس في صباح بلا ملامح توقفت فيه جميع عقارب الساعات عن الدوران، وعمّ الهدوء الغريب. وبينما تحاول الشمس أن تتذكر كيف كانت تشرق، لم يكن هناك صوت يعقبها سوى همسات الريح تحمل أسئلة لا إجابات لها. تنظر العيون إلى العقارب الجامدة بتوتر، وتسأل : كيف نعيش الآن بلا زمن؟ في المدينة، الشوارع كانت تعج بالحركة المترددة. الموظفون يسيرون دون هدف محدد، لا اجتماع ينتظرهم ولا موعد يؤرقهم. تمتلئ المقاهي بوجوه المتعبين الذين يرتشفون القهوة دون شعور بالاستعجال، يتحدثون بحديث متقطع، وكأن كلماتهم تبحث عن ساعة تضبط إيقاعها. صانع الخبز أيضًا توقف عن متابعة الوقت الذي يستغرقه الخبز لينضج، وتركه حتى تصاعدت رائحته الزكية في المكان. الأطفال يلعبون بلا نهاية، يضحكون ويتقافزون دون أن يخشوا انتهاء وقت اللعب. الأم تتساءل متى تعد الغداء، فتتبع غرائزها لا عقارب الساعة. في السوق، تعرض المتاجر بضائعها بصمت، دون أن تعلن عن بدء العرض أو نهايته . وهكذا مع مرور الوقت الذي لم يعد يُحسب، بدأت الحياة تأخذ نمطًا مختلفًا. صار الصباح يستمر ما دام الضوء، والليل يمتد كما تشاء العيون المتعبة. باتت اللحظات تقاس بالذكريات لا بالدقائق، وصار الحب يُعاش لحظيا بلا وعد مؤقت، وحكايات الجدات امتدت بلا نهاية، فلم تعد هناك عبارة "لقد تأخر الوقت" تقطعها. وكأن الحياة كانت تستعيد وهجها البدائي، تلتف حول النار وتستمع إلى حكايات تُروى بشغف، بلا خوف من هروب الدقائق أو تسرّب الساعات. في غياب الزمن، أدرك الناس أن الوقت لم يكن سوى ظلٍ باهت يسير خلفهم، يقيدهم بوهم التحكم والسيطرة. أما الآن، فقد بدأوا يعيشون كل لحظة كما هي وبكل ما تحمله من مشاعر ، بلا حزن من ماضٍ ذاهب، ولا قلقٍ من مستقبلٍ لا يأتي.