يتوقع أن تشهد العلاقات التجارية الدولية تغيرات كبيرة في الفترة الثانية للرئيس المنتخب دونالد ترامب، والذي أعلن أنه سيفرض رسوماً جمركية عالية على كل من الصين ودول الاتحاد الأوروبي تصل إلى نسبة كبيرة جداً تبلغ 60% على الصين وتتراوح بين 10 و20% على الدول الأوروبية. ويعني ذلك تغيراً جذرياً في هيكلية العلاقات التجارية القائمة حالياً، والتي وضعت أسسها منظمة التجارة العالمية، والرامية إلى تحرير قطاعيْ تجارة السلع والخدمات والتي قطعت شوطاً مهماً استفادت منه الكثير من البلدان، بما فيهم البلدان النامية التي وجدت في هذا التوجه فرصةً لزيادة صادراتها، وبالأخص الزراعية والتي ساهمت في تحسين أوضاعها الاقتصادية وتوفير المزيد من فرص العمل. والتوجه الحالي للإدارة الأميركية القادمة بعد شهرين من الآن يعني باختصار أن كل ما بنته منظمة التجارة العالمية خلال ثلاثين عاماً سيصبح غير ذي جدوى، ومن ثم سيكون على كافة البلدان أن تعيد حساباتها التجارية وفقاً لهذه التوجهات الأميركية الجديدة، حيث ستحاول بعض الدول الكبر، مثل الصين وروسيا، اتخاذ إجراءات مضادة، مما سيزيد من تعقيد العلاقات التجارية الدولية، في حين ستحاول جهات أخرى، بما فيها الاتحاد الأوروبي، إيجاد صيغ توافقية رغم صعوبة ذلك، حيث قال بنك أوف أميركا إن إجراءات ترامب تهدد أسعار السلع الأساسية. ومعلوم أن كلاً من الصين وكتلة دول الاتحاد الأوروبي تعتبران من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة وهي السوق الرئيسية لمنتجاتهما، حيث يمكن للإجراءات المقترحة أن تقلص كثيراً من صادراتهما إلى الولايات المتحدة وتترك آثاراً سلبية على القطاع الصناعي وعلى معدلات النمو بشكل عام. وقد أشار رئيس البنك المركزي الألماني إلى أن ألمانيا ستفقد 1% من ناتجها المحلي، وستنخفض صادراتها للولايات المتحدة بنسبة 15%، مما يعني إمكانية تعرضها لانكماش اقتصادي، علماً بأنها أكثر دولة أوروبية عانت من المقاطعة الغربية لروسيا، حيث تراجع النمو، وأفلست مئات الشركات، ووصل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة جراء ارتفاع أسعار الطاقة بصورة أساسية. أما الصين، ففي الوقت الذي ستتخذ إجراءات مضادة، فإنها ستبحث عن بدائل لصادراتها الرخيصة نسبياً، وبالأخص في روسيا وبعض دول أوروبا الشرقية، مثل المجر وصربيا، بالإضافة إلى تركيا، علاوةً على بعض الدول الآسيوية والأفريقية والأميركية اللاتينية.. إلخ، إلا أن ذلك لا يعني أنها لن تتأثر بفقد جزء مهم من سوقها الرئيسية، ألا وهي السوق الأميركية. وستطال القرارات الأميركية المتوقعة بقية دول العالم بصورة متفاوتة، بما فيها الدول العربية، مما يتطلب دراسةَ تأثير ذلك على التجارة الخارجية لهذه الدول، وبالأخص الصادرات، والبحث عن كيفية معالجة ذلك من خلال إجراءات تخفف من حدة التداعيات على القطاع التجاري العربي. وعلى سبيل المثال، فإن دولتين في مجلس التعاون الخليجي، هما البحرين وعمان، تتمتعان بوجود اتفاقيتين للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، مما يعني أن صادراتهما معفية من الرسوم الجمركية. وفي هذا الصدد يمكن إقامة العديد من المشاريع الخليجية برؤوس أموال مشتركة في هذين البلدين، وبالتالي يمكن لمنتجاتها دخول السوق الأميركية دون حواجز جمركية، سواء الآن أم في المستقبل. وفي الجانب الأميركي، فإنه لا يمكن استبعاد بعض التأثيرات السلبية، ففي الوقت الذي سينعش ذلك القطاع الصناعي ويوفر الكثير من فرص العمل ويزيد من معدل النمو، فإن المستهلك المحلي سيفقد ميزة المنتجات الصينية ذات الجودة العالية والأسعار المناسبة، مما قد يؤدي إلى رفع الأسعار وارتفاع معدلات التضخم. وفي كل الأحوال، فإن العالم يقف على أعتاب مرحلة جديدة من العلاقات التجارية الدولية، ستحقق مكاسب لبعض الدول وخسائر لدول أخرى، وهو ما يعني طي صفحة تحرير التجارة والعودة مجدداً للحمائية بانعكاساتها الاقتصادية المؤثرة. *خبير ومستشار اقتصادي