داخل نفسي شعور فياض من الفخر والاعتزاز وأنا أطالع كتاب ( العواد أدبه وحياته) الصادر عن كرسي الأدب بجامعة الملك سعود لمؤلفه سعد بن سعيد الحارثي، والذي راجعه وقدم له الدكتور يوسف العارف، والذي يمثل في أساسه دراسة علمية حصل بموجبها المؤلف على درجة الماجستير في الأدب والنقد بدرجة ممتاز من جامعة الأزهر عام 1403هـ - 1983م، وتعد من أوائل الدراسات النقدية السعودية عن العواد ، وإضافة ثرية لتاريخ ذاكرتنا الأدبية والثقافية ، كما يصنف كأحد الكتب العلمية المحكمة سواء من جهة موضوعه ورصانته البحثية والعلمية ومنهجيته المنضبطة ، أو من خلال أسبقيته وما أضافه من اضاءات واكتشافات جديدة وقبل نحو(43) عاماً عن هذه الشخصية التي كانت ومازالت مثار جدل مستمر في الأوساط الأكاديمية والأدبية والثقافية. أما المؤلف فهو سعد بن سعيد الحارثي رجل تربية وتعليم وإدارة وتدرج في العديد من الوظائف التعليمية وكان آخرها مساعد مدير تعليم منطقة مكة المكرمة للشئون الإدارية والمالية فمدير للتعليم بالخرج ثم مدير للتعليم بوادي الدواسر ، ولا يملك كل من عرفه إلا أن يعترف بقدره ، ولعل طغيان الوظيفة العامة وهموم العمل والتنقل من موقع إلى آخر سرقه من التفرغ للأدب شأنه شأن كثير من أدباء الرعيل الأول في المملكة الذين انخرطوا في العمل الصحفي ومتطلباته العملية والفنية، وانتزعهم من التفرغ للبحث والإبداع والدراسات العلمية. وأما موضوع الكتاب فهو شخصية غنية عن التعريف الأديب والشاعر محمد حسن عواد مؤسس أول ناد أدبي ثقافي بالمملكة، وصاحب الرأي الحر الجريء، وأحد قادة الانقلاب الشعري في الأدب السعودي والذي تحدى الأفكار والمفاهيم السائدة آنذاك في المدرستين الرومانسية أو الواقعية التقليدية وأسس لتجربته الشعرية الخاصة والتي خلفت لقصيدته صوتاً خاصاً منفرداً به، إلى جانب إصراره على طرق أبواب التجريب والحداثة في مختلف فنون الأدب، وما تركه لنا بعد رحيله من أثر ملموس في الحياة الأدبية والثقافة السعودية. أما ما أشتمل عليه الكتاب من فصول وابواب وعناوين فقد جاء في (439) صفحة من القطع العادي تناول المؤلف في خمسة فصول أبعاد هذه الشخصية الأدبية المبدعة في سياحة فكرية علمية نقدية اكاديمية استقصائية فألقى في الفصل الأول لمحة عن الحياة الفكرية في المملكة العربية السعودية، وفي الفصل الثاني تناول حياة العواد ونشأته الأدبية، وتحدث في الفصل الثالث عن شعر العواد أغراضه وخصائصه، وفي الفصل الرابع تحدث عن النثر عند العواد وخصائصه وانواعه من خلال دراسة عطائه في مجال المقالة والقصة ودراسة الكتب والخطابة والمحاضرة، وأتى الفصل الأخير ليناقش فيه تأثر العواد وتأثيره الأدبي من خلال مدرسة الإحياء ومدرسة الديوان وجماعة ابوللو ومدرسة المهجر، وتأثره أيضاً بالآداب العالمية، وليختم كتابه بخلاصة عامة وعرض لعدد من الرؤى النقدية حول هذه الشخصية . وإذا كانت الشاعرة العراقية نازك الملائكة اشتهرت في الأوساط الأدبية العربية بأنها رائدة الشعر الحر أو (شعر التفعيلة) وما صاحب ذلك من الانتقال الكبير في شكل القصيدة وتركيبها من النمط الكلاسيكي الذي ساد في الأدب العربي لعدة قرون. فإن سعد الحارثي يؤكد من خلال كتابه هذا سبق الأديب محمد حسن عواد لنازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعلي أحمد باكثير ومحمد سالم الصفراني الذي نشر بحثاً في المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل عام 2009م عن السبق التاريخي لمحمد عواد في كتابة شعر التفعيلة وغيرهم من الادباء، ومن خلال عدة نصوص نشرت في جريدة القبلة عام 1921م وبعض كتبه التي يشير إليها المؤلف في كتابه، فيقول : كان العواد من السباقين الرواد في هذا المجال، فإذا صحت أن قصيدة «ثورة محب نظمت عام 1925م ، والتي وردت في ديوانه «آماس وأطلاس »، فيكون مع نازك الملائكة في قصيدتها «الكوليرا» من أوائل الذين نادوا بالشعر الحديث فيما يسمى بالشعر المرسل، والشعر الحر، بتنويع القافية وتذييلها بتفعيلة تملأ النفس بالبهجة لتكمل إيقاعا نفسيا كما في قصيدته «جنون الناقدين» ، و«خطوة إلى الاتحاد»، فهي من بحر المتقارب فعولن فعولن فعولن فعو»، وقد قيلت هذه القصيدة في أوائل حياته العشرين، وإذا نظرنا إلى خواطر مصرحة التي صدرت 1925م، لوجدنا أن بها بعض الأشعار فيما يعرف بالشعر الحر. ويعزز هذا السبق والاكتشاف ما أكدته أيضاً الشاعرة نازك الملائكة من تراجعها عن هذه الاسبقية في كتابها (قضايا الشعر المعاصر في طبعته الخامسة الصادر عام 1947م عندما قالت: (صدر كتابي هذا وفيه حكمت على أن الشعر الحر قد طلع من العراق ومنه زحف الى أقطار الوطن العربي، ولم أكن حين أقررت هذا الحكم أدري أن هناك شعراً حراً قد نظم في العالم العربي قبل 1947م سنة نظمي لقصيدة (الكوليرا)، ثم فوجئت بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب سنة 1922م وهو امر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين). وكم كنت أتمنى أن يتوسع الباحث المؤلف في هذا الجانب لكونه يعتبر سبقا للأدباء والأدب السعودي ومدى ريادتهم وقدرتهم على التأثر والتأثير في الساحة الأدبية العربية رغم أنهم كانوا في بداية المسيرة . وفي الختام، وبعد الشكر للمؤلف وجهده ، وحرص المقدم والمراجع لإخراج هذا العمل الأدبي إلى حيز الوجود، يظل يسكن في الفؤاد سؤال عن مصير الرسائل العلمية السعودية المشابهة التي تم مناقشتها في الجامعات العربية والأجنبية، وهل يوجد لمثلها حصر وعد وفهرسة وفرصة سانحة للاطلاع عليها والتي ربما احتوت على الكثير والكثير من جوانب العطاء الأدبي والفكري السعودي وطالها النسيان، ولازالت حبيسة الرفوف في أروقة مكتبات الكليات والجامعات.