×
محافظة المنطقة الشرقية

يسألونك عن مسائل في الأدب

صورة الخبر

هذه جلسة بحث وقراءة تمتعت بها في مكتبتي , كانت رحلة ماتعة قطعتها عبر أربعة عشر قرناً من الزمان , أجبت فيها عن أسئلة راودتني , كان منها ما يلي : س : هناك عدد من النظريات والطرائق التي غلبت على الدراسات الأدبية ؛ فما هي ؟ وما أشهرها ؟ وأيّها أولى بالدراسة الأدبية ؟ ج : لشكري فيصل دراسة وافية في هذا الموضوع , ويمكنك العودة إليها , وهي النظرية المدرسية , ونظرية الفنون الأدبية , ونظرية الثقافات , ونظرية خصائص الجنس , ونظرية المذاهب الفنية , والنظرية الإقليمية . وأشهرها : النظرية المدرسية وهي المهيمنة على مناهج الدراسة الأدبية والنقدية لأسباب منها : تسهيل الدراسة على الدارسين , ولأنها معتمدة في مناهج التعليم العام والجامعي في الوطن العربي , ولأنها أرّخت للحياة السياسية والاجتماعية والعقلية للمسلمين . وهي أثر من آثار المزاوجة بين لونين من ألوان التأريخ الأدبي : اللون العربي بكل خصائصه القديمة التي علقت بها السياسة وشغلتها حياة القصور والصراع على السلطة , واللون الذي أرخ الأدب الغربي في أوروبا . وهي تقوم على تقسيم الأدب العربي إلى عصور ( العصر الجاهلي , وعصر صدر الإسلام وبني أمية , والعصر العباسي , وعصر الدول المتتابعة , وعصر النهضة ) وهناك من يجعل العصر الأندلسي في مطاوي العصر العباسي . وقد سادت هذه النظرية مؤلفات أولئك الرواد في التأليف الأدبي المدرسي مثل : حسن توفيق العدل والمرصفي والإسكندري وجرجي زيدان وأحمد حسن الزيات وأحمد أمين . ويؤخذ على هذه النظرية أنها درست الأدب على أساس قسمة العصور قسمة تاريخية لا أدبية وأنها وضعت حدوداً فاصلة بين الآداب طبقاً لحدود العصور على حين أن العصور تتداخل والآداب تتشابك والنماذج تختلط , ثم أهملت إلى حد كبير الأساس المكاني وتأثير البيئة في النتاج الأدبي , وقد أدّى هذا الإهمال فيما بعد إلى بروز النظرية الإقليمية في الدراسة الأدبية وتباين الأحكام الأدبية تبايناً غريباً هو أقرب إلى التناقض وأدنى إلى التضاد . كما يؤخذ عليها أنها أهملت النوازع الفردية وخصائص الإبداع الذاتي عند الأدباء وذلك بسبب طغيان المقياس الزمني الأفقي وقد جنى هذا على مئات من الشعراء الذين أغرقتهم هذه النظرية في تيار التعميم السطحي الذي لا يثبت عند التحقيق والفحص العميق . كما يؤخذ عليها العناية بالمشاهير والتركيز على اللامعين ثم إصدار الأحكام النقدية من خلال أعمالهم , أما الأصوات الفنية الأخرى فقد تجوهلت على الرغم من اتسام كثير منها بالعبقرية والخصوبة والتفرد في الإبداع . أما نظرية الفنون الأدبية فهي نظرية ترصد تطوّر الفنون الأدبية منفصلة فناً فناً وتبرز ظواهرها عبر العصور رقياً وانحطاطاً , استقامة والتواء , قوة وضعفاً , كما تتتبع منابع كل فن والروافد التي غذته . إن هذه النظرية تُمكّننا من الاستفادة من التسلسل الزماني والعامل الإقليمي ومعرفة تأثيرهما في تطور أي غرض شعري أو فن أدبي , كما تجعلنا على اتصال بالنصوص المدروسة ذاتها وفحصها فحصاً حياً فيه معاناة ومعايشة . إنها نظرية تنتهج الاستقراء منهجاً لتجلية المغمورين الموهوبين من الأدباء وتناولهم بالقدر الذي يُتناول به الأعلام اللامعون في مختلف الأعصر والبيئات . وهذه الطريقة تفيدنا في الموازنة بين النماذج الأدبية من حيث الشخصية والأسلوب , وأسلوب هذه النظرية يعود على التريث والتدقيق والتقصي ويعمل على تبرئة الأحكام الأدبية من السذاجة والسطحية والتعميم , ورفض الأحكام العامة الفضفاضة التي تستغرق عصراً بأسره كتابه وشعرائه وخطبائه وتتجه نحو التناول الفردي , بل تتخصص في تناولها فتقصره على غرض واحد أو فن مستقل بذاته . ويؤخذ عليها : تجزئة النتاج الأدبي عند دراسته ذلك أنها تدرس نتاج الأديب موزعاً بين الفنون أو الأغراض فالمتنبي مثلاً يُدرس مرة في شعر المديح ,ومرة في شعر الوصف ,وتارة في فن الهجاء وأخرى في فن الفخر . ومن هنا تتفتت شخصية الشاعر ويتجزأ نتاجه وهذا لا شك يفقدنا التصور الكامل لجوانب الإبداع وألوانه المختلفة عند الشاعر الواحد ويضيع علينا الإلمام الشامل بخصائص شاعريته . كما يؤخذ عليها أنها تهمل صاحب النص المدروس وتتجاهل سيرته الذاتية فلا تلتفت إليه إلا بقدر لماماً وبقدر ضئيل والحق أن هذا الإهمال هو إسقاط لرصيد ضخم عظيم الأهمية في الدراسة الأدبية , وعلى الرغم من هذا إلا أنه قد وجد لها في البيئة الجامعية قدم صدق فقامت دراسة ( شعر الطبيعة في الأدب العربي ) لسيد نوفل , و( دراسة الحرب في أدب العرب ) لزكي المحاسني , ودراسة ( الهجاء والهجاءون ) لأحمد حسين. وهناك نظرية المذاهب الفنية تقوم على رصد خطى الشعراء وتتبع أساليبهم الفنية من خلال المعارك النقدية وقسمة الشعراء إلى طبقات , وكان أول من تطرق لقضية المذاهب الفنية من المحدثين حسن المرصفي في كتابه ( الوسيلة الأدبية ) ففي هذا الكتاب كثير من النظرات الصادقة والآراء النافذة التي رمت إلى إقامة دراسة جديدة على أساس من مذاهب الشعراء والأدباء ومن طرائقهم الفنية . ثم جاءت خطوة الخالدي في كتابه ( فيكتور هيجو وعلم الأدب عند الفرنج والعرب ) 1904م حيث قسم الشعراء العرب إلى أربع طبقات , وهي قسمة متأثرة بالمذاهب الفنية أكثر من تأثرها بأي نظرية أخرى . واتخذت نظرية المذاهب الفنية شكلها التطبيقي في أعمال كل من : دراسة لطه حسين عن مدرسة زهير بن أبي سلمى في الأدب , وأطروحة الدكتوراه لشوقي ضيف ( الفن ومذاهبه في الشعر العربي ) ودراسته ( الفن ومذاهبه في النثر العربي ) وتتمتع هذه النظرية بخصائص منها : الوحدة الفنية عند جماعة من الشعراء , كما أنها تفيد من جهود النظريات الأدبية التي تهتم بدراسة الآثار الأدبية فهي لا تهملها بل هي غاية لها , كما أنها تجمع بين جمالية الأدب ومنهجية النقد حيث تقوم على الإدراك أولاً ثم على التمييز ثانياً ثم على اكتشاف الحدود ثالثاً . كذلك من خصائصها الجمع بين الأدب والعلم والحرص على تزاوج الذوق والعقل . كما تقوم على الوحدة والانسجام فهي تجمع خيوط الصلات العميقة بين كل شاعر وآخر وبين كل كاتب وآخر . وهي لا تواجه سلبيات واعتراضات لأنها تحقق للدراسة الأدبية الفائدة واللذة وتقيمها على دعامتي العقل والذوق , ولكن يخشى عليها الاقتصار على الاهتمام بالأسماء اللامعة وإهمال التتبع الدقيق للروح الفنية عند الشعراء المغمورين فقد يكون أحد هؤلاء مفتاحا لمذهب أدبي أو عنواناً لاتجاه فني . ويخشى عليها إصدار الأحكام الشائعة من عصر الجاهلية إلى العصر الحديث ولذا نحن بحاجة إلى استقراء جديد شامل ودقيق يقودنا إلى الصحة والاعتدال . ويخشى عليها أن تنقلب الوسيلة عند هذه المدرسة هدفاً والهدف وسيلة بحيث تصنف المدارس الأدبية أولاً , ثم يقاس عليها الأدباء ثانياً , إننا إن فعلنا ذلك نكون قد قلبنا المسألة رأساً على عقب ,فإن الإطار لا يوضع قبل الصورة والمذاهب لا تقرر قبل استقراء الظاهرة الأدبية نفسها . وهناك تقسيم آخر قدّمه نجيب البهبيتي حيث قسم الأدب إلى ثلاثة عصور : العصر الفني وهو يمتد من أقدم ما نعرف عن الشعراء الجاهليين , وينتهي إلى ما قبل ظهور الإسلام . ويتسم بملابسة الطبع للصنعة والواقعية ورقة الإحساس بالحياة والاعتدال والمحافظة والإيجاز والمثالية . والعصر العاطفي ويبدأ من قبيل ظهور الإسلام وينتهي عند ابن هرمة وابن ميادة وبشار . ويتسم بالانصراف إلى التجريد وغناء النفس , فهو ثمرة حياة خصبة متعددة الوجوه مليئة بالاستمتاع والبهجة , ولعل ما أغرى الباحث بهذه التسمية بروز مدرستين عاطفيتين في الغزل هما مدرسة الحب العذري , ومدرسة الحب الحسي . والعصر العقلي ويبدأ بهؤلاء وينتهي بأبي تمام وقد يلحق به ابن الرومي والمتنبي وأبو العلاء ويتسم بالعودة إلى أصول الشعر العربي فيما أسماه شعر المدرسة العراقية التي تمثل هذا الاتجاه في مقابل مدرسة الحجاز التي تمثل العصر العاطفي . وعلى كل حال لم تف هذه النظريات بحاجة هذا الأدب ولم تفلح في دراسته وتأريخه وعليه فإننا بحاجة إلى نظرية شاملة لدراسة الأدب العربي الممتد ومنهج تركيبي تكاملي يجمع بين كل النظريات , ويمكن حصر هذا المنهج الجديد كما تصوره د / شكري فيصل في الآتي : 1- التعاون بين الدراسات الأصلية والدراسات المساعدة : فإِن دراسة الأديب نفسه، والتعرف على حياته ودراسة شعره وتحليله، والتمرس بأسلوبه، والوقوف منه الموقف الشارح المميز الناقد في آن واحد، هو ما نسميه بالدراسات الأصلية. هذه الدراسات لابد لها من الاستفادة والتعاون مع دراسات النظريات الإِقليمية والثقافية والجنسية والفنية باعتبارها دراسات مساعدة لها كثير من الجوانب الإِيجابية التي يمكن استغلالها. 2- إِفراد القضية الأدبية وتمييزها : إِن جوهر الدراسة الأدبية هو الظاهرة الأدبية ذاتها، وهي الغاية الأساسية والأصل. ولقد كان من عيب النظريات السابقة أنها اعتبرت القضية تبعًا أو وسيلة، وركزت عنايتها على أمور ثانوية جانبية؛ فأدى هذا إِلى الاضطراب والانتهاء إِلى نتائج قاصرة. أما المنهج الجديد فيحفظ للقضية الأدبية طابعها الخاص واستقلالها المتميز، ثم يجعل سائر الدراسات المساعدة أدوات معينة لها ومكملة. 3- النظرة الواسعة المرنة: وهي ألا نجاوز المهمة الأساسية للدراسات الجانبية المساعدة عن الحياة السياسية وعن أثر البيئة وتفاعل الثقافات، وألا نعلو بها فوق قدرها، فنسلم بنتائجها التقريرية؛ وإِنما الصحيح أن نفيد منها في حدود معينة وبكل حيطة وهدوء، وبعد فحص ومراجعة . 4- تحقيق الوحدة الفنية الكلية: وهي تتم بصورة منتظمة متدرجة : نبدأ بالشاعر الواحد لننتهي إِلى المجموعة من الشعراء، وبالكاتب لنصل إِلى الطائفة من الكتاب، دون تقيد بمكان أو عصر أو إِقليم. فإِذا انتهينا إِلى المدارس الأدبية كان من الممكن ملاحظة توزعها بين الأقاليم أو العصور أو الثقافات. إِذن فالمنهج الجديد يقوم على الانتقال من الفردي إِلى العام، ومن الجزئي إِلى الكلي، بطريقة متزنة عميقة هادئة نافذة. 5- توسيع مفهوم الأدب : فلابد من توسيع دائرته من المعنى الخاص إِلى المعنى العام وربطه بميادين الفكر في الدراسات الإِنسانية المتنوعة من تاريخ وتصوف وفلسفة. إِننا إِذا صنعنا ذلك، سنجد أن مقدمة ابن خلدون مثلاً كانت مثالاً أدبيًا رائعًا، يستحق التمهل في التقويم والعمق في الدراسة، فيتغير كثير من آرائنا الجاهزة الشائعة وسنكتشف في تراثنا الفلسفي والصوفي كثيرًا جدًا من النماذج الراقية المجهولة كذلك. وما من شك في أن أمثال هذه الدراسات الجديدة ستشيع الخصب والنماء في عملنا الأدبي، وستحدث انقلابًا كبيرًا في أحكامنا الأدبية، وستغير من نظرتنا إِلى كثير من العصور والفترات. إِن هذه الميزة في المنهج الجديد ترفع الحواجز بين دائرة الأدب بمعناه الضيق، وسائر فنون المعرفة الإِنسانية، وتعمل على إِغناء الأدب بثمار الفكر بمختلف ألوانه من جهة، وعلى إِكساب الإِبداع الفكري في كل العلوم الإِنسانية نكهة الأدب ورواء أسلوبه وأناقة مظهره من جهة أخرى. إِن مناهج دراستنا الأدبية الراهنة ، خصوصًا ما يتصل منها بالمناهج التعليمية هي في حاجة ماسة إِلى إِصلاح جذري جاد. إِنها لا تزال أسيرة المدرسة التقليدية – في الغالب – بكل ما لها من عيوب كما قدَّمنا، ولقد آن الأوان أن نستبدل بها منهجًا جديدًا على ضوء الحقائق التي انتهينا إِليها من خلال هذا العرض الموجز . إِننا نتطلع إِلى منهج يناسب الوعي الثقافي المعاصر وما وصلت إِليه الأذواق والأفهام الأدبية الحديثة.. منهج متكامل يجمع بين الأصالة والمعاصرة ويتميز بشخصيته المستقلة ومعاييره الخاصة. س : دكتور محمد ماذا يقصد بالنظرية الإقليمية ؟ ج : نظرية أو دراسة تهتم بالبيئة المكانية , وتدرس الأدب وفقاً لهذه للبيئة , وقد وجدت عند نقادنا القدماء , فابن سلام في الطبقات قسم الشعراء على الطريقة الإقليمية : ( جاهليون – أصحاب المراثي – شعراء القرى – شعراء مكة والمدينة والطائف والبحرين والمدينة ) . وابن رشيق قسم الشعراء أيضاً إلى أقاليم ( الشعر في ربيعة , ثم في قيس , ثم في تميم ..) والثعالبي صاحب اليتيمة قسم الشعراء إلى أربعة أقسام : ( محاسن أشعار آل حمدان من أهل الشام ومصر والموصل , ومحاسن أشعار أهل العراق , ومحاسن أشعار أهل الجبال وفارس وجرجان وطبرستان , ومحاسن أهل خراسان وما وراء النهر ) . س : دكتور محمد هل كان للمستشرقين جهود مذكورة في تقسيم الأدب العربي ؟ ج : لعل أول رائد لكتابة تاريخ الآداب العربية في الشرق والغرب النمساوي جوزيف بروجشنال , حيث نشر كتاباً في تاريخ الآداب في (7 مجلدات) , ونظر إلى الأدب بالمعنى الواسع وطوّل الكتاب , وبدأ بالعصر الجاهلي وانتهى به المطاف إلى العصر العثماني , وقد جرّه هذا العمل إلى أخطاء كثيرة فضلاً على أنه لم يكن متمكناً من العربية . ثم جاءت النظرة في مجال دراسة تاريخ الأدب العربي على يد الألماني بروكلمان في (10مجلدات) تشمل تاريخ الثقافة العربية من الجاهلية إلى القرن العشرين , والكتاب يدل على إحاطة الباحث بجوانب الثقافة العربية والشرقية , وقد أحصى أدباء العرب إحصاء دقيقاً مبيناً العلماء والفلاسفة مع ذكر آثارهم المطبوعة والمخطوطة , وما كتب عنهم قديماً وحديثاً , كذلك مكانتهم في الفن والعلم وما قدموه من علم مع نبذة عن كل علم وفن , وقسم كتابه وفق العصور السياسية إلى مرحلتين أساسيتين : المرحلة الأولى : أدب الأمة العربية من أوله إلى سقوط الأمويين 132هـ , وهذه المرحلة قسمها ثلاثة أقسام : أدب العرب إلى ظهور الإسلام . الأدب في عهد النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وعصره . وعصر الدولة الأموية . وجعل فترة الجاهلية 100سنة قبل الإسلام , وزعم أن أدب العصر الأموي امتداد للعصر الجاهلي , وأن الإسلام لم يؤثر في الشعر الأموي المرحلة الثانية : الأدب الإسلامي وقسمها إلى خمسة عصور : عصر ازدهار الأدب العباسي بالعراق 132هـ إلى 382هـ . وعصر الازدهار المتأخر في الأدب من 382هـ إلى 656هـ . وعصر الأدب من سيادة المغول إلى فتح مصر على يد سليم الأول 565هـ – 923هـ . وعصر الأدب العربي , وعصر الأدب الحديث . وألف كارلونالينو كتابه تاريخ آداب العربية , وقسم الأدب العربي إلى : عصر الجاهلية الذي لا يدرك أوائله . والعصر العربي الإسلامي ويبدأ من ظهور الإسلام إلى 132هـ . والعصر العباسي الأول ويبدأ من 132هـ إلى 450هـ . والعصر العباسي الثاني ويبدأ من 450هـ إلى 656هـ . وعصر الانحطاط ويبدأ من 656هـ إلى 1220هـ . وعصر النهضة ويبدأ من 1220هـ إلى أوائل القرن العشرين . وألف نيكلسون كتابه تاريخ الأدب السياسي , وتابع تطور الأدب العربي , وتميز كتابه بإيراد النصوص الشعرية وتحليلها , واهتم بالمتنبي كظاهرة شعرية فريدة , واهتم بالاتجاهات الشعرية كاتجاه ابن الفارض الصوفي . وألف الفرنسي بلاشير كتابه تاريخ الأدب العربي , وقسم الأدب إلى : عصر ما قبل الإسلام . وعصر النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – والأمويين . وعصر العباسيين حتى 656هـ كتلة واحدة . والعصر العباسي اللاحق المماليك والعثمانيون إلى نابليون . وعصر النهضة . س: دكتور محمد , هناك من الدارسين من يقسم الأدب في العصر العباسي إلى عصرين أو أكثر ؛ فلماذا ؟ ج : اعتقد أن السبب في هذا الاضطراب الواسع في تقسيم هذا العصر يرجع إلى فكرة الربط بين التاريخ السياسي والأدبي هذا من جهة , ومن جهة أخرى فالعصر العباسي يمتد من عام 132هـ إلى 656هـ تقريباً ( 524) سنة وهي فترة واسعة وعريضة شهد فيها الأدب ألواناً من التطور , وأنواعاً من التجديد , ولذلك نجدهم قد عزلوا العصر الجاهلي ( 200سنة ) عن بقية العصور ودرسوه وحدة واحدة , والعصر الإسلامي ( 40سنة ) , والعصر الأموي ( 90سنة ) ونظروا إلى العصر العباسي نظرة مستقلة, واتفقوا على تاريخ سقوط بغداد سنة 656هـ , وبالتالي قسموا العصر العباسي إلى تقسيمات قد تكون هذه التقسيمات خاضعة للسياسة , ومنها : العصر العباسي الأول من سنة 132هـ إلى سنة 232هـ وهي السنة التي ولّي فيها المتوكل . العصر العباسي الثاني من سنة 232هـ إلى 334هـ وهي السنة التي آل فيها الحكم إلى البويهيين . العصر العباسي الثالث من سنة 334هـ إلى 447هـ وهي السنة التي دخل فيها السلاجقة بغداد . العصر العباسي الرابع من سنة 447هـ إلى سنة 656هـ وهي السنة التي سقطت فيها بغداد . وهناك قسمة أدبية جديدة فنية بحسب التيارات , ذكرتها الدكتورة حنا فاخوري جاءت على النحو التالي : *= أدب الثورة التجديدية ويبدأ مع بشار بن برد ( 96هـ ) وينتهي بظهور أبي تمام ( 231هـ) ومن أشهر أعلامه : ( مسلم بن الوليد – أبو نواس – أبو العتاهية – ابن المقفع ) . *= أدب الحركة المعاكسة ويبدأ مع أبي تمام وينتهي بظهور المتنبي ( 354هـ ) ومن أشهر أعلامه : ( البحتري – ابن الرومي – الجاحظ – ابن المعتز ) . *= أدب الاستقرار والتدرج نحو الصنعة ويبدأ بظهور المتنبي وينتهي بالبهاء زهير (656هـ ومن أعلامه : ( الشريف الرضي – المعرّي – أبو فراس الحمداني , والتهامي ) . *= ويذهب الدكتور يوسف خليف في كتابه تاريخ الشعر السياسي إلى تقسيم آخر بناه على فكرة كل قرن برزت فيه ظاهرة معينة , ميزت العصر العباسي ابتداء من القرن الثاني . القرن الثاني : يمثل البداية الحقيقية للقصيدة العباسية , وقد شغل بقضية التجديد في القصيدة العربية للخروج من الكلاسيكية الأموية إلى إطار القدرة على التعبير والتكيف مع المجتمع الجديد ومن أعلامه : ( بشار وأبو نواس وأبو العتاهية ) . القرن الثالث : شغل بقضية الصراع بين القديم والجديد , الصراع بين المحافظين على عمود الشعر والمجددين ومن أعلامه : البحتري رأس المحافظين , وأبو تمام رأس المدرسة البديعية . القرن الرابع : عصر المتنبي غير منازع فيه ؛ لأنه شغل الناس حينما رد وأعاد روح البداوة للقصيدة العربية وعقد المزاوجة بين البادية وثقافة عصره . القرن الخامس : عصر أبي العلاء المعري غير منازع فيه ؛ لأنه عقد بين الفن والفلسفة . س : دكتور محمد , يختلف الدارسون في موضوع نشأة الشعر الجاهلي وميلاده وتطوره , حدثنا عن هذا الموضوع . ج : يكاد يجمع معظم الباحثين القدماء على أن الشعر الجاهلي قد بدأ قبل الإسلام بحوالي مائتي عام من الزمان , وهو شعر مقصد مطول , منسجم التفاعيل , مؤتلف النغم , أشار إلى ذلك الجاحظ . يقول في الحيوان : ” الشعر حديث الميلاد صغير السن , وأول من نهج سبيله وسهل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة .. فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له إلى ان جاء الله بالإسلام – خمسين ومائة عام , وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام ” إذاً هذا هو عمر الشعر الناضج المكتمل . أما قبل ذلك فلا يمكن أن يحد بفترة قليلة كهذه , فهناك مئات من السنين مرّ بها الشعر حتى وصل مكتملاً إلى مهلهل وامرئ القيس وعنترة . وهذا امرؤ القيس يحاكي من قبله من الشعراء السابقين , يقول : عوجا على الطلل المحيل لأننا *** نبكي الديار كما بكى ابن خذام وعنترة يؤكد على أن الشعراء قد تناولوا شتى المعاني فلم يتركوا للمتأخرين معنى صالحاً , يقول : هل غادر الشعراء من متردم *** أم هل عرفت الدار بعد توهم . فهذا إقرار من الشاعرين بأنهما مسبوقان بأجيال من الشعراء , والشاعر العربي القديم مرتبط ارتباطا وثيقاً بالصحراء في طريقة تفكيره ونوع شعوره وفي رحليه فظل أحقاباً يقول الشعر بلهجة قومه بضرب من الغناء والحداء ثم ضرب من السجع , ومن الرجز بعد ذلك , ويوم اهتدى العربي إلى الرجز وُجد له شعر صحيح قوي ناضج ومتقن وقصيدة تامة ؛ لأن الرجز – حمار الشعراء – كان هو الصورة الأولى التي بدأ بها الشعر العربي , ولأنه الوزن الشعري الذي كان العرب يستخدمونه حين تضطرهم ظروف الحياة اليومية إلى ارتجال الشعر . ولأنه أصبح اللحن الشعبي المحبب إلى كل طوائف الشعب العربي في شتى مجالات نشاطه اليومي . وأن ما وصل إلينا من البدايات المبكرة لا يعدو الأبيات القليلة يقولها الرجل في حاجته , يقول ابن سلام في الطبقات : ” ولم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حادثة , وإنما قصّدت القصائد وطوّل الشعر على عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف ” . ثم جاء ابن قتيبة فتابعه فيها وقال في الشعر والشعراء : ” لم يكن لأوائل الشعراء إلا الأبيات القليلة يقولها الرجل عند حدوث الحاجة ” ولكن ليس بمعقول أن يكون ممثلاً لطفولة الشعر وهو على ما نرى من نضج في الأسلوب والموسيقى والمعنى والتصوير . فلا بد أن يكون للشعر تاريخ طويل قطع فيه أشواطاً من الصناعة والدربة حتى استقام واكتمل على هذا الشكل الموزون المقفى . وهناك من قسم الشعر الجاهلي حسب تطوره الفني إلى ثلاث فترات تتمثل الفترة الأولى في حرب البسوس وهي الأولية الناضجة للشعر الجاهلي , ما يعني أن هناك بدايات ومحاولات وتجارب سابقة وقد أفرزت هذه الحرب مدرسة الطبع والتلقائية وكان على رأس هذه المدرسة المهلهل بن ربيعة حيث أعطى القصيدة العربية صورتها المعروفة وشكلها التقليدي , وأخرجها من نطاق المقطوعة أو الأبيات المحدودة إلى نطاق القصيدة , وهي ريادة أضفت عليه لقبه الذي عرف به , فهو أول من هلهل الشعر أي أطاله وأرّقه . وسار معه امرؤ القيس وعبيد بن الأبرص وطرفة بن العبد والمرقشان وعلقمة بن عبدة والصعاليك . والفترة الثانية حرب داحس والغبراء , وقد أسهمت في تطوير القصيدة العربية الجاهلية وأفرزت تياراً فنياً أطلق عليه فيما بعد تيار الصنعة , وعلى رأس هذه المدرسة الطفيل الغنوي ( المحبر ) لما لاحظوه على شعره من ضروب التنميق والتجويد والصناعة . وعاصره أوس بن حجر أستاذ زهير بن أبي سلمى ومعهما بشامة بن الغدير والنابغة الذبياني وعنترة . والفترة الثالثة حرب ذي قار , وقد نشبت في أواخر العصر الجاهلي , وأفرزت مدرسة أدت إلى تقليد هاتين المدرستين . وهي قمة استقر فوقها شعراء الجيل الثالث الكبار كحسان ولبيد والأعشى . س / تسير القصيدة الجاهلية على نظام أو هيكل لبنائها يمثل الصورة المثلى لها , فما هي صورتها المثلى ؟ ج / القصيدة المطولة هي الصورة المثلى للقصيدة الجاهلية , وخاصة قصائد المعلقات , حيث اعتنى النقاد القدماء بدراسة هيكلها وشكلها، ووضعوا لها أصولاً، وأول هذه الاصول الاهتمام بالمطلع ، والحرص على جعله فخماً ضخماً، ذا بهاء ورواء، وصلصلة وجلجلة، ليكون بعيد التأثير في النفس، قادراً على اجتذاب الأسماع، مراعياً مقتضى الحال، متّسق المعنى مع معاني الأبيات في القصيدة كلها ، لا منافياً لها بعيداً عن التعقيد والغموض بريئاً من التكلف في الصياغة منزّهاً عن الركاكة في التعبير فيه جدة وابتكار وأسْرٌ للأسماع والقلوب. ويرى ابن رشيق أن المطلع مفتاح القصيدة، وهذا المفتاح السحري لا يفتح باباً واحداً فحسب، يدخل منه الشاعر الى بناء القصيدة وصورها، ويدخل معه القارئ والسامع اليها، بل يفتح أبواب القلوب التي تدخل منها معاني القصيدة وصورها ومشاعرها في نفوس السامعين. يقول : « إن الشعر قفل، أوله مفتاحه . وينبغي للشاعر أن يجوّد ابتداء شعره، فإنه أول ما يقرع السمع ، وبه يستدل على ما عنده من أول وهلة». ثم ضرب مثلاً يمثّل براعة الاستهلال، وهو قول امريء القيس : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلِ وعقّب عليه بقوله: « هو عندهم أفضل ابتداء صنعه شاعر، لأنه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد ». واذا كان المطلع الحلقة الاولى في سلسلة القصيدة الجاهلية فالحلقة الثانية مقدمتها، وهي بضعة أبيات تلي المطلع . وأشيع الأغراض في المقدمات النسيب أو بكاء الأطلال ، أو صفة الطيف ، أو الشكوى من الشيب. وربما هجم الشاعر على غرضه بلا تقديم ولا تمهيد. وهذا الهجوم شائع في شعر الهذليين . وربما كان زهد الهذليين في المقدمات نابعاً من ذوبان الشخصي في القبلي أو من طغيان الجماعة على الفرد ، أو من فقدان الماضي الجدير بالتأمل والتحليل . قال الدكتور أحمد زكي في تعليله اختفاء المقدمات او ضمورها في شعر الهذليين: « لم يتغزلوا، ولم يبكوا الدمن، لأنه لم يكن لهم أبداً عهد قديم يذكرونه. فهم يعيشون لحاضرهم فقط ». وفي قوله تعميم واستقراء وقطع مطلق لا يقبله النقد الحديث الذي يؤثر الدقة والصدق ويجانب الارتجال في إطلاق الأحكام . ومما يضعف رأيه أن بين شعراء هذيل قوماً رقّت نفوسهم وارتقت وتاقت الى الماضي وبه تعلقت، حتى شعّ منها غزل ارق من غزل عمر بن أبي ربيعة كرائية أبي صخر الهذلي التي مطلعها: « لليلى بذات البين دار..»، وذابت نفوسهم من الحزن حتى تحولت أنفاسهم إلى رثاء أصدق من رثاء الخنساء وأعمق كرثاء أبي ذؤيب لبنيه بالعينية التي مطلعها : « أمن المنون وريبها تتوجّع ». واذا لم يكن للهذليين ماض يأسون على مفارقته ـ وهذا ادّعاء لا يؤيّده دليل ـ فإن لهم غرائز وملكات ومنازع ودوافع، تجعلهم يحسون ما يحسه الناس، فيحبون ويكرهون ، ويفرحون ويحزنون، ويقفون قانتين أمام الموت القاهر، صامتين بين يدي الطلل الداثر . وإذا كان أهل الحضر يزدرون الأطلال كما ازدراها أبو نواس الذي آثر المرور بخمارة البلد على المرور بالطلل والوقوف عليه ، فقد كان للطلل في نفس الشاعر البدوي تأثير أيّ تأثير، يصعب علينا أن نتمثّله. واذا صعب علينا أن نتمثله فإنه لا يحق لنا أن ننكر على البدوي تواجده وهو يقف عليه، وحزنه وهو يفارقه لأنه وطنه وسكنه، ومثوى عترته وأحبته. ونحن نميل الى ترجيح الرأي القائل : إن الوقفة الطللية كانت في العصر الجاهلي ظاهرة إنسانية، وإن تصوير هذه الوقفة موجة وجدانية مشحونة بالوفاء والشجن والوجد، وليست مَنْسكاً تقليدياً بارداً، او شعيرة فنية، او ضريبة قبلية يؤديها الشاعر. وعلى هذا فمن الاجحاف ان نجرد الهذليين من شرف هذه الوقفة، وما يلابسها من الحس الأصيل. قالت الدكتورة سهير القلماوي في تعليل الوقفة الطللية وفي الدفاع عمن وقفوها: « إنها كانت أكثر من بكاء على حبيبة أو على سعادة انقضت. انها صرخة متمردة أمام حقيقة الموت والفناء، لأن الشاعر الجاهلي لم يكن يؤمن بإله ولا جنة ولا ثواب ». وثالثة الحلقات في سلسلة القصيدة الجاهلية التخلّص من المقدمة الى الغرض الاساسي كالفخر أو المدح أو الهجاء مستعينا بعبارات (( فدع – فسل – فعد ..)). ويعد التخلص خطوة حرجة في موطئ زلق، لا يخطوها الا فحل ، له في ميدان النظم قدم ثابتة وخبرة راسخة . بل هي جسر يصل موضوعاً بموضوع ، أو برزخ يفصل موضوعاً عن موضوع، وعلى هذا البرزخ الواصل الفاصل أن يكون أخذاً مما قبله ومما بعده بسبب. فإذا وقع الانتقال على نحو مفاجئ سُمّي صنيع الشاعر اقتضابا . والاقتضاب القطع . وهذه التسمية تعني أن الشاعر يفتقر الى اللباقة ، أو تعوزه الرشاقة، ويعجز عن ربط فكرة بفكرة، فيقفز فوق أعناق المعاني قفزاً متقطعاً يفاجئ به عقل السامع وقلبه . ورابع الأجزاء في هيكل القصيدة موضوعها الأساسي كالفخر في معلقة عمرو بن كلثوم، والمدح في معلقة زهير بن ابي سلمى، والاعتذار والوصف في معلقة النابغة الذبياني، والغزل في معلقة امريء القيس . وربما جمع الشاعر بين هذه الموضوعات كلها ، حتى تغدو القصيدة المطولة تصويراً لحياة الشاعر وتأريخاً لقبيلته ، وربما نثر بين تضاعيف القصيدة مجموعة من الحكم والتأملات كما صنع طرفة بن العبد وزهير بن ابي سلمى. وآخر الأقسام في هيكل القصيدة «خاتمتها». ولما كانت الخاتمة الصوت الأخير الذي يجلجل في أذان السامعين فقد حرص الشعراء أشدّ الحرص على أن تكون مرصوصة في بيت قوي، وصوت عتيّ، ومعنى جليّ . وأن يكون الرصف متيناً محكماً شديد الأسر، يلخّص فلسفة الشاعر في الحياة، أو موقفه من قبيلته. ومما يزيد الخاتمة جودة أن يصب فيها معنى عميق يذهب مذهب المثل، أو حكمة تختصر موقفاً انسانياً، حينئذ تذاع وتملأ الأسماع، وتحيا في أذهان العرب أبد الدهر. س : من مصادر الشعر الجاهلي المعلقات , وقد اختلفت الآراء حول صحة تعليق هذه القصائد , نريد بياناً في هذا الموضوع . ج : كما قلت هي من مصادر الشعر الجاهلي , وهي أقدم القصائد التي أثرت عن فحول الشعر الجاهلي . وهي قصائد طوال جياد تتميز بطولها , وبتنوع فنونها , وجزالة أسلوبها , وابتكار كثير من معانيها , وتصوير شخصية قائليها . ولم تكن كلمة المعلقات وحدها هي التي أطلقت على تلك القصائد المشهورة بل إن لها ألقاباً أخرى تدل عليها , كالسبع الطوال , والقصائد العشر والسموط والمذهبات ؛ لأنها كتبت في القباطى المصرية بماء الذهب . أما قضية التعليق على جدار الكعبة فالقدماء والمحدثون والمستشرقون منقسمون بشأن هذه القضية فمنهم من يؤيد الرأي القائل بصحة التعليق كابن رشيق وابن عبد ربه وابن خلدون والبغدادي , ومنهم من ينكر كأبي جعفر النحاس , فهو يرى أن خبر تعليقها مجهول من الرواة , وأن حماداً رأى صدوف الناس عن الشعر وزهدهم فيه فجمع لهم هذه القصائد . وكان من المحدثين أحمد الحوفي ومصطفى صادق الرافعي فقد أنكرا خبر التعليق محتجين بأن أحداً ممن يوثق بروايتهم وعلمهم لم يشر إلى هذا الخبر كالجاحظ وابن قتيبة والمبرد وصاحب الجمهرة والأغاني . وللمزيد : ينظر الحياة العربية للحوفي , وتاريخ آداب العرب للرافعي ومصادر الشعر الجاهلي لناصر الدين الأسد س : دكتور محمد أشرت في حديثك أن المعلقات من مصادر الشعر الجاهلي , فهل هناك مصادر أخرى غيرها ؟ ج : بالتأكيد هناك مختارات ويحق لنا أن نسميها مصادر , وأولها : المفضليات للمفضل الضبي وهي أقدم ما وصل إلينا , وتحتوي على 126قصيدة لسبعة وستين شاعراً منهم ستة شعراء إسلاميون وأربعة عشر مخضرماً وسبعة وأربعون شاعراً جاهلياً لم يدركوا الإسلام , وأفضل وأصح رواياتها رواية محمد بن زياد الأعرابي تلميذ المفضل , ولم يشرح المفضل هذه المختارات بل كان يرويها شعراً مجرداً , ولم يبين فيها أساس الاختيار , وليس فيها تبويب ولا تقسيم , وقد شرحها ابن الأنباري . والثانية : الأصمعيات لعبد الملك بن قريب الأصمعي وتحتوي على 92قصيدة لواحد وسبعين شاعراً منهم ستة شعراء إسلاميون , وأربعة عشر مخضرماً وأربعة وأربعون جاهلياً وسبعة مجهولين ليس لهم تراجم , ولم يبين فيها أساس الاختيار , وليس فيها تبويب ولا تقسيم , واعتمد في مصادره على أبي عمرو بن العلاء والرواة من الأعراب والصحف والمدونات . والثالثة : حماسة أبي تمام بناها على الشعر في المعاني , وجعلها في عشرة أبواب : الحماسة والمراثي والسير والنعاس والملح والأدب والنسيب والهجاء والمديح ومذمة النساء , وتميزت بالتبويب والتقسيم وهي مقطعات , وليس لها راوية وإنما انتقاها من الدواوين والكتب وشرحها التبريزي والمرزوقي . والرابعة : جمهرة أشعار العرب لمحمد بن أبي الخطاب القرشي وهي تحتوي على 49قصيدة من عيون الشعر العربي في الجاهلية والإسلام وأنفسها , وقد قسم الشعر إلى سبعة أقسام : المعلقات أو أصحاب السموط وجعلها سبعاً وهم : ( امرؤ القيس وزهير والنابغة والأعشى وطرفة ولبيد وعمرو بن كلثوم ) . وأصحاب المجمهرات وهم : ( عنترة وعبيد بن الأبرص وعدي بن زيد وأمية بن الصلت وبشر بن أبي خازم والنمر بن تولب وخداش بن زهير ) وأصحاب المنتقيات : ( المسيب بن علس والمرقش الأصغر والمتلمس وعروة بن الورد ومهلهل بن ربيعة ودريد بن الصمة والمتنخل ) وأصحاب المذهبات : ( حسان وابن رواحة ومالك بن العجلان وقيس بن الخطيم وأحيحة بن الجلاح وأبو قيس بن الأسلت وعمرو بن امرئ القيس ) وأصحاب المراثي : ( أبو ذؤيب ومالك بن الريب ومتمم بن نويرة والغنوي وأعشى باهلة وعلقمة الحميري وأبو زبيد الطائي ) . وأصحاب المشوبات : ( الحطيئة والنابغة الجعدي وكعب بن زهير والقطامي والشماخ وعمرو بن أحمر وتميم بن أبي مقبل ) وأصحاب الملحمات : ( الفرزدق وجرير والأخطل وذو الرمة والكميت والطرماح والراعي ) وهناك أيضا ديوان القبائل إذ ذكر الآمدي ستين ديواناً إلا أنه لم يبق لنا من هذه الدواوين سوى ديوان هذيل أو كتاب هذيل , ومعنى ديوان القبائل : مجموعات شعرية تضم بين دفتيها قصائد كاملة ومقطعات قصيرة وأبياتاً متفرقة وأخباراً وقصصاً وأحاديث وأنساباً . وننبه إلى أن شعر هذيل غير كامل والدليل على ذلك أن الشافعي كان يحفظ 10000 آلاف بيت بإعرابها وغريبها ومعانيها والذي بين أيدينا في أطول رواياته 3000 آلاف بيت . والدليل الثاني أن ابن جني استدرك ما فات السكري ذكره من شعر هذيل وحجمه 500 ورقة المسمى بكتاب التمام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله أبو سعيد السكري . وقد طبع في مجموعتين الأوربية والمصرية , ونكتفي بالأولى لثقتها وجاءت على النحو التالي : = شرح أشعار الهذليين صنعة السكري عن نسخة مخطوطة محفوظة في ليدن كتبها محمد علي العتابي , تحقيق : جودفري كوزجارتن , وقد اعتمد السكري في جمعه لهذا الديوان على ثلاث روايات : رواية بصرية عن الرياشي عن الأصمعي عن أبي طرفة الهذلي . ورواية كوفية عن محمد بن حبيب عن أبي عمرو الشيباني وابن الأعرابي . ورواية جمعت بين الروايتين عن الأحول والجمحي . = أما ديوان أبي ذؤيب الهذلي فهو الجزء الأول من مجموع دواوين أشعار الهذليين , شرحه المستشرق الألماني يوسف هل . = مجموعة أشعار الهذليين وتشمل على أشعار ساعدة بن جؤية وأبي خراش الهذلي والمتنخل وأسامة بن الحارث وهو الجزء الثاني , واعتنى به يوسف هل . = أشعار الهذليين مطبوع للمستشرق فلهاوزن في برلين 1884م , وفيها تعليقات , وترجم إلى اللغة الألمانية . س : هذه الإجابة دكتور محمد تدفعني إلى أن أسأل عن قضية تقييد وتدوين الشعر الجاهلي , وهل وصل إلينا عبر الرواية الشفهية ؟ أم عن طريق التدوين ؟ ج : ساق الدكتور ناصر الدين الأسد في كتابه مصادر الشعر الجاهلي أدلة عقلية استنباطية وصريحة مباشرة تؤيد تدوين الشعر الجاهلي , والأدلة جماعها أربعة مدموجة بعضها في بعض : الدليل الأول أن العرب كانوا يقيدون كتبهم الدينية ورسائلهم وعهودهم ومواثيقهم فهو الذي يسجل وقائعهم وانتصاراتهم ومآثرهم . قال بعض شعراء بكر بن وائل : ألهى بني تغلب عن كل مكرمة *** قصيدة قالها عمرو بن كلثوم يرونها أبدا مذ كان أولهم *** يا للرجال لشعر غير مشئوم . وكان الرجل من بني أنف الناقة إذا قيل له : ممن الرجل ؟ قال : من بني قريع , فما هو إلا أن قال فيهم الحطيئة : قوم هم الأنف والأذناب غيرهم *** ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا كما كان للشعر قيمة عند الشاعر والقبيلة وهذا لصيق بالدليل الأول , ومن أنصع الإشارات إلى ذلك ما ذكره ابن الأعرابي , قال بلغ عمرو بن كلثوم أن النعمان بن المنذر يتوعده فدعا كاتباً من العرب فكتب إليه : ألا أبلغ النعمان عني رسالة *** فمدحك حولي وذمك قارح متى تلقني في تغلب ابنة وائل *** وأشياعها ترقى إليك المسالح . والدليل الثاني = من العرب من تعلم الكتابة والخط كالمرقش وأخيه حرملة وسويد بن الصامت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك والربيع بن زياد والزبرقان بن بدر والنابغة الذبياني ولبيد بن ربيعة وأمية بن الصلت وعدي بن زيد العبادي ولقيط بن يعمر وغيرهم . والدليل الثالث = يتعلق بمدرسة عبيد الشعر الذين كانوا يقولون الشعر الحولي المحكك , وكانوا يسمون تلك القصائد : الحوليات والمقلدات والمنقحات والمحككات ليصير قائلها فحلاً خنذيداً وشاعراً مفلقاً كزهير صاحب الحوليات السبع , والطفيل الغنوي ( المحبر ) وامرئ القيس بن بكر ( الذائد ) أي الذي ينتخب الألفاظ . يقول كعب بن زهير : فمن للقوافي شأنها من يحوكها *** إذا قالوا ثوى كعب وفوّز جرول . والدليل الرابع = الشعر الجاهلي حافل بذكر الكتابة وصورها والإشارة إلى أدواتها كالدفتر والقلم والخط والدواة والمداد والكراسة يقول المرقش : الدار وحش والرسوم كما *** رقش في ظهر الأديم قلم ويقول طرفة : وخد كقرطاس الشآمي ومشفر *** كسبت اليماني قده لم يجرد ويقول امرؤ القيس : لمن طلل أبصرته فشجاني *** كخط زبور في عسيب يماني ويقول بشر بن أبي خازم : وجدنا في كتاب بني تميم *** أحق الخيل بالركض المعار . ويقول لقيط بن يعمر في العينية منذراً قومه بعزم كسرى على غزوهم : هذا كتابي إليكم والنذير لكم *** لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا . ويقول أيضاً : سلام في الصحيفة من لقيط *** إلى من بالجزيرة من إياد أما التدوين فقد ظهر في مرحلة متأخرة لدى كتاب المغازي والسير والتأريخ والتفسير , وممن تخصصوا في تدوين الشعر الجاهلي أبو عمرو بن العلاء , وحماد الراوية , والأصمعي فهؤلاء وغيرهم عرفوا بتدوين الشعر الجاهلي ومن أشهر المدونات : كتاب قريش وهذيل وثقيف وتميم وشعر الأنصار والذي يعود تدوينه إلى زمن عمر بن الخطاب , وكتاب الأنساب لدغفل النسابة وحكم أكثم بن صيفي وغير ذلك كثير . ويمكننا القول بأن الرواة قد اعتمدوا في رواية الشعر الجاهلي على المدونات المذكورة وعلى التصحيف . س : ولكن هناك يا دكتور محمد أدلة يسوقها الدارسون على الرواية الشفهية , فما رأيك ؟ ج : صحيح , ولكن هذه الرواية لم تأت من فراغ , وإنما كانت معتمدة على المدونات المحدودة والموجودة عند الشاعر أو ما يسمى بنسخة الأم , ينسخها الشاعر أو أبناؤه أو بعض من أفراد قبيلته ثم يحفظون هذا الشعر ويتناقلونه إنشاداً – لا قراءة – في مجالسهم ومشاهدهم وأسواقهم , ويرددونه شفاهاً في سمرهم ومحافلهم ومنافراتهم فيشيع بين العرب وتتناقله الركبان عن هذا الطريق من الرواية الشفهية . إذا الرواية طور متأخر عن التدوين . س : دكتور محمد نعرف جميعاً أن المعلقات من القصائد الجيدة , وهي لعدد من فحول الشعراء الجاهلين ؛ في حين أن هناك قصائد شهيرة عرفت بمسمياتها ؛ ألق الضوء على هذه المسميات . ج : أحسنت , القصيدة فن إبداعي رفيع , قريب من وجدان الناس وعقولهم , وهي في ذاتها معاناة وصراع عنيد بين الذات الشاعرة وبين محدودات الوسيط التعبيري وقيوده , إنها ليست نتاج لحظة مقطوعة ولا تتم في جلسة واحدة , إذ يمكن أن تستغرق كتابتها أياماً وربما شهوراً , وقد يعود إليها الشاعر بنظرته وحساسيته الشعرية فيضيف ويحذف ويزيد وينقص ويعدل ويبدل , أما اليوم فقد أصبحت القصيدة سلعة رخيصة خالية من الذوق والجمال , وفقدت السمو وصار هم الشاعر ذاتياً . على كل حال هناك قصائد الحوليات : وهي منسوبة إلى زهير بن أبي سلمى , والمعنى أن القصيدة تمكث عنده حولاً كريتاً ينقحها ويهذبها ويعيد فيها النظر , روى ابن جني أن زهيراً عمل سبع قصائد في سبع سنين , وروى ابن قتيبة أن زهيراً نفسه كان يسمي قصائده الكبرى الحوليات , وقد قيل : إنه كان يعمل القصيدة في أربعة أشهر , وينقحها في أربعة أشهر , ثم يعرضها في أربعة أشهر , ثم بعد ذلك يخرجها للناس . وهناك قصائد الهاشميات : وهي قصائد طويلة أنشدها الكميت بن زيد الأسدي يمدح ويدعو لموالاة آل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – الهاشمين والثورة على الحكم الأموي . وهناك قصائد العلويات لابن أبي الحديد المعتزلي وهي سبع في مدح النبي – صلى الله عليه وسلم – . وهناك قصائد الممحصات لابن عبد ربه وهي قصائد في المواعظ والزهد نقض بها كل ما قاله في صباه من الغزل والنسيب . وهناك قصائد اللزوميات للمعري وهي تعتبر سجلاً حافلاً لآرائه ونظرياته في نواحي الحياة . وهناك قصائد السيفيات للمتنبي في مدح سيف الدولة وهي من أحسن نتاجه الأدبي . وهناك قصائد المكتمات يقولها الشعراء في مواجهة الطغيان السياسي في العصر الأموي , وقد أخفوا أسماءهم لأنهم طرحوا فيها آراءهم التي تنتقد الحكام . وهناك قصائد الروميات لأبي فراس الحمداني وهو مسجون في سجن الروم يستنجد بابن عمه سيف الدولة , وكذلك كتب قصائد لأمه سميت بالأسريات . وهناك قصائد السرنديبيات وهي قصائد قالها البارودي في منفاه . وهناك الأندلسيات لأحمد شوقي … وهلم جر