بجردة سريعة لبعض الأحداث والمظاهر التي حدثت في الأيام القليلة الماضية، يتكشف لنا حجم التردي الذي أصاب مجتمعنا، ليس فقط جراء الفساد الذي أصبح ظاهرة واسعة، وإنما من خلال تدني الثقافة بمفهومها الشامل، التي من أسسها أنماط السلوك والقيم والأخلاق.فرغم الوعود الحكومية بتنمية ونهضة شاملتين، تنقلان الكويت إلى الحداثة عام 2035، إلا أن المظاهر السلبية التي تعوق مثل هذه التنمية ما زالت سائدة، من خلال ثقافة سلبية لا تناسب مثل هذا الطموح.المثال الأول هو وفاة طالبين في إحدى الكليات العسكرية، ودخول عدد منهم للعناية المركزة، ليس بسبب مرض أو تفشي وباء أو فيروس، ولكن بسبب سلوك غير تربوي، لبعض الضباط والمدربين للطلاب الضباط، والمنوط بهم مستقبلاً مهمة حماية الوطن والشعب.هذا السلوك ناتج انعكاس قيم وثقافة ترسخت خلال العقود الماضية، عندما غابت الدولة المدنية وسطوة القانون وقيم العدالة، ونراه ينعكس في الشارع والمدرسة والإدارة الحكومية، حيث يسود قانون الغاب.والثاني ما رصدته الصحافة المحلية، من سلوك وتعامل عنصري من قبل موظفي المطار، مع بعض الجنسيات الوافدة، وهذه العنصرية أيضاً مستمدة من الانهيار الثقافي، وهي نتاج التربية العنصرية والعصبية، وغياب الرادع القانوني والأخلاقي.والأمر الثالث هو في التمادي بكبت الحريات، من خلال منع كتب ثقافية، قررت وزارة الإعلام منعها من التداول والبيع في معرض الكتاب، ولا نقول فقط منع بل الغلو والتعسف في هذا المنع.فلم يعد الحديث عن التنمية واقعياً، طالما لم تستهدف الإنسان وثقافته، فمهما زوّق مبنى المطار المزمع إنشاؤه، فلن يكون له أثر في تنمية وتقدم البلد، طالما سلوك الموظفين تميز بالعنصرية، وهم الذين يشكلون واجهة الكويت.ومهما جلبنا من أسلحة متطورة، وأسسنا كليات عسكرية لتخريج الضباط، فلن نخرّج جيشاً متطوراً يحاكي العصر، طالما القبول بها يتم بالواسطة، وطالما التعليم والتدريب فيها لا يتمان بالأسس العلمية السليمة.ومهما بنينا مراكز ثقافية متطورة، ومدارس منتشرة في كل أركان الكويت، فلن نبني وعياً حقيقياً وثقافة رفيعة، طالما ما زلنا نعيش في عصر حجري، يخشى فيه من الكتاب وترسخ فيه وزارة الإعلام، وصاية حديدية على الفكر والثقافة.إن الحل لهذا الانحطاط الثقافي، هو بما فعله النائب الأول وزير الدفاع الشيخ ناصر الصباح، برفعه مِطرقة القانون لتسقط على رأس الكبير قبل الصغير، وثانياً بوعي أنه لا تنمية من دون إنسان، وترسيخ ثقافة متقدمة، وإعادة الاعتبار للدولة المدنية الحديثة، دولة القانون والسلوك المجتمعي المتحضر.osbohatw@gmail.com