بعد تولي دونالد ترامب زمام الأمور في البيت الأبيض، الذي تبيَّن سريعاً أنه لا يحب أن يتقيَّد بالأعراف والاتفاقات، ويرى المصلحة الحالية فقط، ولا يهتم بالعلاقات الاستراتيجية، التي تُعد أهم بكثير من المصلحة الحالية الآنية، بدأ بأفكار توسعية، وكأن 9 ملايين كيلومتر مربع لا تكفيه، وبدا واضحاً أنه يريد التوسع على حساب كندا، الحليف الأول والجار الأقرب للولايات المتحدة الأميركية، كما أعلن رغبته بضم أكبر جزيرة في العالم، غرينلاند، بدوافع توسعية، وهذه الأفعال تجعل الولايات المتحدة الأميركية حليفاً غير موثوق عند العديد من الدول الأخرى. والآن يخرج بفكرة فرضه على جميع الدول المصدرة لأميركا رسوماً جمركية ضخمة، ويقول ترامب إن هذه الرسوم الجمركية ستعود بالأموال على الخزانة الأميركية بمبلغ 7 تريليونات دولار في السنة الواحدة. وبعد إعلانه الرسوم الجمركية بيومين فقط خسرت البورصة الأميركية 6 تريليونات دولار، وهذا حتى قبل أن ترد الدول التي فُرضت عليها رسوم جمركية بالمثل، وهو أمر سيكون كارثياً على الاقتصاد الأميركي، وستدخل في دوامة المقاطعة الشعبية للمنتجات الأميركية من جميع شعوب العالم من الحلفاء قبل الأعداء. هذه الرسوم الجمركية «الترامبية» بمنزلة حرب اقتصادية على العالم، وبالتأكيد ستفشل في هذه الحرب، لأنها لم تنجح في حربها الاقتصادية على الصين، فما بالك بحرب اقتصادية على العالم ككل! ولو نظرت إلى قوة الولايات المتحدة الأميركية، لرأيت أن حلفاءها من أهم مصادر قوتها، وباستعداء الحلفاء ستخسر أميركا الكثير جداً، كما أن حلفاء أميركا السابقين ستتغيَّر نظرتهم، ويتحوَّلون إلى أعداء، ويُعيدون النظر في علاقتهم بهذه الدولة، وفق المصلحة، بعيداً عن المجاملة على حساب مصالحهم، وأعداء الولايات المتحدة الأميركية سيغتنمون هذه الفرصة الذهبية لبناء جسور جديدة من العلاقات والتعاون الاقتصادي، وهذا سيجعل أميركا في عُزلة، بسبب الرسوم الجمركية، وهنا أستذكر كلام ابن خلدون، عندما قال: «إذا كثرت الجباية أشرفت الدولة على النهاية».