×
محافظة الخبر

عن الاغتراب البيئي.. اليابان والقناني البلاستيكية!

صورة الخبر

ليس صراعاً جديداً البتة، ذاك الذي بين الإنسان والطبيعة وكيف للطرفين أن يعيشا بطريقة مستدامة مستقرة تكون ذات طابع جميل يخلو من المشاكل التي تلوث المحيط الخارجي لكليهما. أقصى طموح الإنسان، لا سيما في وقتنا هذا، هو العيش باستدامة مع الطبيعة دون تدخل مباشر في مواردها والتسبب بتلوثها. هذا لن يكون ولن يحصل، بل مع مرور الأيام والزمن تزداد قناعتي بأنه أصبح شيئا شبيهاً بالوهم نظراً لظروفنا الصناعية وأسلوب حياتنا اليومي الذي أصبح شيئاً من الاستحقاق الذي نتمتع به. ولعل من أبرز التحديات التي تواجهنا على الصعيد اليومي مسألة إدارة النفايات البلاستيكية بالشكل الأمثل. ولنكن واضحين جدا منذ البدايات، فلا يسعنا في مقال مقتضب كهذا أن نطرح كل الآراء وأن نسرد المسألة من كل زواياها البتة، ولكن الهدف هنا واضح ومحدد ودقيق: ما قصة إعلان اليابان عن القناني البلاستيكية الجديدة القابلة الذوبان؟! بداية فالمواد البلاستيكية المصنعة هي في الأصل من الشقوق البتروكيماوية والتي تكون من اللدائن الحرارية التي يتم إضافة الكيماويات إليها على شكل نسب متفاوتة لتحسين مواصفاتها وشكلها حتى لونها. وعليه فإن قبول منتج بلاستيكي مناسب يتماشى مع الذوق العام ويكون صحياً ومناسباً للاستخدام، هو أمر مهم لا ينفك عن كونه مطابقاً لمواصفات المتانة والتحمل. ومع مرور الزمن وكون البلاستيك المصنع غير قابل للتحلل، بدأ العلم بتحديد عدة مسارات لإدارة المواد البلاستيكية ونفاياتها. ومن ضمن تلك المسارات الفنية والتي لاقت رواجاً إعلامياً لأسباب عدة لعل من أبرزها عنصر ‹الانبهار› بالتقنية ذاتها، هو مسار تقنيات التحلل الحيوي البيولوجي. هنا تتلاشى الأفكار ويصبح الأمر مقروناً بهندسة المواد والهندسة الكيميائية بشكل صرف بحت، حيث يعتقد العامة أنه بهذا الشكل سيختفي البلاستيك ويتحلل ويذهب ويضيع مع عناصر الطبيعة و»يا دار ما دخلك شر» وانتهت المسألة. غير أن الحقيقة مغايرة تماماً، فعلمياً وعملياً يخضع التحلل الحيوي لمعايير ومفاهيم وتعاريف متفاوتة، ومن أشهرها أن يتلاشى حجم المادة في غضون فترة محددة بنسبة معينة، فإن تطابق التعريف مع الواقع حق لنا أن نطلق على المادة اسم «قابل للتحلل». ولهذه التقنية عدة أنواع وتقسيمات أيضاً أشهرها المواد القابلة للتحلل والذوبان، والتي تعتمد على موارد طبيعية كالنشا مثلاً مع محسنات للمواصفات بحيث تتلاشى وتذوب مع المياه. ويبقى السؤال ها هنا: ماذا أعلنت عنه إمبراطورية اليابان مؤخراً؟ ولم كل هذا الضجيج في الأوساط العلمية؟! لبلاد الشمس وضعية خاصة جداً فيما يتصل بالنفايات البلاستيكية، وعلى الرغم من تناقصها حجماً وكماً في غضون السنوات الماضية هناك، إلا أنها مازالت تنتج ما يفوق ثمانية ملايين طن نفايات بلاستيكية سنوياً. وقد أعلنت الصحافة أواخر العام المنصرم أن التكنولوجيا اليابانية قد توصلت إلى تطوير قناني بلاستيكية قابلة للتحلل حين وصولها إلى المجسمات المائية وبالأخص المحيطات، بل مع ذوبانها تقوم تلك القناني بتخصيب التربة والبيئة وتحسينها من خلال إطلاق محسنات ومضافات عليها. الخبر شاع كالنار في الهشيم إلى حين التقاطي له منذ قرابة الأسبوعين، ولكن بصراحة لم يكن مقنعاً لا لي ولا لمن تناقشت معهم بخصوصه، خصوصاً أنه غاب عن ذات الخبر تفصيلات جوهرية تناقش التقنية والجوانب الفنية أيضا. وبعدما محصت بالمسألة، وحكماً فقط على ما هو ظاهر لي من الصحافة العالمية لا أكثر، أستطيع أن أقول: نعم، ستتحلل القناني وقد يكون بها شيء من المحسنات، ولكن الضرر أكبر بكثير من ذاك المتعلق بتراكم النفايات أو جمعها والسلام. القناني تصنع في جلها من البوليستر الحراري PET ولجعله قابلاً للتحلل وجب أن يكون مضافا إليه شيء كثير من الكيماويات التي تسبب تناثر شظايا بلاستيكية أو تتم التضحية بالمواصفات الميكانيكية المرتبطة بجودته. وهنا يكمن الدرس المستفاد حقيقة من الأخبار المتناقلة العلمية أو غيرها... وجب عدم الانبهار بالمانشيتات بتاتاً والتفكر جلياً في ما وراء الخبر، ولعل البحث عن مانشيت مشابه لذاك الياباني في خبايا الصحافة العالمية وتكرار ما هو مشابه سيجعل القارئ واعياً لما أعنيه تماماً.