إن لم تكن شريكا في الحكم، احرص على حجز مكان لك في صفوف المعارضة. المعارضون الذين أيدوا فصائل المعارضة المسلحة التي أرادت إسقاط النظام في سوريا، دون أي تدقيق في برامجها السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، تحولوا فجأة إلى معارضين لنفس القوى التي أسقطت النظام، وحلت محله، دون إعطاء الحكومة الجديدة فرصة لعرض برامجها وإثبات حسن نواياها. المعارضة ظاهرة إيجابية، وآلية دفاع ذاتية لحماية المجتمعات ومراقبة الحكومات وتقويمها إن اقتضت الضرورة؛ شرط ألاّ تتحول إلى معارضة من أجل المعارضة. الحكومة الانتقالية في سوريا، لم ترث وضعا أمنيا معقدا ووضعا اقتصاديا متهالكا، وبنية تحتية مدمرة، فقط، بل ورثت قبل كل هذا فراغا إعلاميا تعتبر فيه وسائل التواصل الاجتماعي مصدرا مهما لنقل ما يحدث على الأرض، وهو ما سمح بانتشار معلومات مضللة وسهّل نشر الشائعات. ◄ إذا تمكنت حكومة الشرع من كسب المعركة الإعلامية، فإنها لن تسهم فقط في مواجهة حملات التضليل، بل ستضع أساسا قويا لإعلام يدعم جهود إعادة الإعمار قد تكون الضبابية مفيدة للطرفين، الطرف المعارض والحكومة، في مرحلة معينة. لكن، لا شيء يضمن أن تكون في صالح الحكومة الانتقالية على المدى المتوسط والبعيد. الشارع أكثر ميلا واستعداد لتقبل الصورة السلبية التي تنقل عن الأحداث. نظرية المؤامرة تحظى بجاذبية شعبوية، خاصة بعد أحداث قد تثبت ما ذهب إليه مروّجوها. في سوريا شكل سقوط نظام الأسد، بيئة خصبة لنشر الشائعات، لتجد الحكومة المؤقتة نفسها في مواجهة معركة صعبة على جبهتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بإعادة بناء البلاد بعد سنوات من الصراع. والثانية التصدي لحملات التضليل الإعلامي المتزايدة، التي تهدف إلى قلب الحقائق على الأرض وإثارة الرأي العام. الموقف يزداد تعقيدا بسبب الوضع الإعلامي المتدهور الذي ورثته الحكومة عن النظام السابق، ما يجعل مهمة إصلاح الإعلام ومواجهة التحديات الإعلامية أكثر إلحاحا. فما هي الخيارات المتاحة أمام الحكومة السورية لمواجهة هذه التحديات؟ الخطوة الأولى، للحكومة السورية الجديدة أن تبدأ بإصلاح شامل لمنظومة الإعلام المحلي. فالمؤسسات الإعلامية تحتاج إلى إعادة بناء على أسس مهنية وموضوعية، بعيدا عن النهج الدعائي الذي كان سائدا في عهد النظام السابق. ويتطلب هذا الاستثمار في تدريب الصحافيين وصقل مهاراتهم لضمان تقديم محتوى إخباري دقيق وشفاف. إصلاح المؤسسات الإعلامية الحكومية وحده لن يكفي، لا بد من صحافة حرة مستقلة، قادرة على بناء الثقة مع المواطنين. فالحكومة في حاجة إلى وضع قوانين تضمن حرية التعبير، مع مراعاة التوازن بين الاستقلالية الإعلامية والمساءلة. وتوفير بيئة آمنة للصحافيين أمر ضروري أيضا لضمان قيامهم بدورهم بحرية ودون خوف من التدخلات أو القمع. الإعلام المستقل يُعد شريكا محوريا للحكومة في مواجهة التضليل. فدعم الإعلام المستقل داخليا، بقوانين تحمي حرية الكلمة يمكن أن يعزز الأصوات المحايدة التي تعمل على تقديم صورة واقعية للوضع في البلاد. والتعاون مع وسائل إعلام دولية موثوقة يمكن أن يساعد في تحسين صورة سوريا عالميا وإظهار جهود الحكومة في إعادة الإعمار والاستقرار. يجب ألاّ تترك المهمة لمنظمات مدنية هناك شكوك في حياديتها أحيانا. بالمقابل يجب ألاّ تسارع الحكومة إلى توزيع الاتهامات ضد كل صوت معارض، فهذا سيزيد الأمر سوءا. للتغلب على التضليل الإعلامي، يجب على الحكومة السورية الجديدة تعزيز تواصلها المباشر مع الشارع السوري ومع الجهات الإقليمية والدولية. ◄ الإعلام ليس مجرد أداة مكمّلة أو منصة لنقل الأخبار حقيقية كانت أو مزيفة بل هو وسيلة لرصد التحديات واستشراف الحلول عن طريق تحليلات عميقة في عصر تصل فيه المعلومة التي يطلقها المشاهير وصناع المحتوى الرقمي، والمؤثرون للملايين من المتابعين، يصبح من العبث الاعتماد بشكل حصري على وسائل الإعلام التقليدية. فمنصات التواصل الاجتماعي توفر وسيلة فعالة للوصول السريع إلى المواطنين، حيث يمكن نشر الأخبار الموثوقة والرد على الشائعات فور ظهورها. كما يمكن تنظيم مؤتمرات صحفية دورية لتوضيح الحقائق والإجابة عن أسئلة الإعلام والمواطنين على حد سواء، مما يعزز الشفافية والمصداقية. الإعلام الحكومي يجب أن يكون جزءا من جهد جماعي يعكس انسجام مؤسسات الدولة. وبدلا من طرح أجندات تعكس سياسات متناقضة، تحتاج الحكومة إلى تقديم رسائل موحدة وواضحة للجمهور. بعد أربعة أشهر تقريبا تقتصر مصادر المعلومات حول ما يجري داخل سوريا على ما يصدر من بيانات عن منظمات حقوقية ومدنية. والمتابع الموضوعي الذي يتعامل مع ما يجري داخل سوريا دون انحياز سيجد نفسه عاجزا في النهاية عن إصدار حكم قطعي. وهنا لا بد من التساؤل، هل لدى الحكومات الأوروبية، حقا، صورة صحيحة عمّا يجري داخل سوريا؟ انتشار الشائعات واستخدام التضليل الإعلامي من قبل جميع الأطراف في الصراع يجعلان الحصول على صورة واضحة تحديا كبيرا. فبعض الحكومات قد تعتمد بشكل مفرط على وسائل الإعلام أو المنظمات ذات أجندات معينة، مما يؤثر على الموضوعية. بالتالي، يمكن القول إن الصورة لدى الحكومات الأوروبية حول الوضع في سوريا تعتمد على مزيج من المعلومات، الدقيقة وغير الدقيقة، وغالبا ما تتأثر بالعوامل السياسية والإعلامية. ليس من مصلحة الحكومة الانتقالية في سوريا اليوم حجب المعلومات، لأنها إن فعلت ذلك تكون قد منحت المتربصين فرصة ذهبية لنشر الأخبار المضللة، ونقل صورة سلبية للعالم لن تخدمها في معركتها الرئيسية لرفع العقوبات، التي يقف عليها مصير سوريا والسوريين، ومصيرها هي كحكومة. بعد صمت صوت السلاح، يصبح الإعلام أكثر أهمية من الحلول الأمنية لكسب الثقة وتحقيق الاستقرار داخل المجتمع. فالإعلام يعد القوة الناعمة التي تكمل القوة الصلبة، ويلعب دورا محوريا في تشكيل الرأي العام وتعزيز التماسك الاجتماعي. ففي الحالات التي تعاني فيها الدول من الأزمات أو الصراعات، يصبح الإعلام الأداة الأساسية لبناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، من خلال تقديم الحقائق بشفافية ومواجهة الشائعات بسرعة وفعالية. الحلول الأمنية والعسكرية قد تحسم المواجهة على أرض المعركة وتمهد الطريق للسيطرة على الأزمات، ولكن الإعلام وحده قادر على بناء سردية وطنية موحدة تلهم المواطنين للتمسك بوطنهم والعمل من أجل مستقبله. فالإعلام ليس مجرد أداة مكمّلة، أو منصة لنقل الأخبار، حقيقية كانت أو مزيفة، بل هو وسيلة لرصد التحديات واستشراف الحلول عن طريق تحليلات عميقة. ◄ المعارضة ظاهرة إيجابية، وآلية دفاع ذاتية لحماية المجتمعات ومراقبة الحكومات وتقويمها إن اقتضت الضرورة؛ شرط ألاّ تتحول إلى معارضة من أجل المعارضة عندما تستخدم الحكومة الإعلام بحكمة، يصبح أداة دعم لسياساتها الأمنية، ويُظهر للعالم الجهود التي تبذل لتحقيق الاستقرار والتنمية، ويؤدي دوره في حماية استقرار الدولة وتعزيز صورتها داخليا وخارجيا. التضليل الإعلامي اليوم ليس مجرد تحدٍ عابر، بل هو معركة قد تطول وتتطلب بالتالي جهدا متكاملا لإصلاح الإعلام والتواصل مع المواطنين وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة. في عصر أكثر ما يميزه هو السرعة والتغيّر، لا يمكن للحكومة أن تكتفي بإستراتيجيات إعلامية تقليدية. فلا بد من الابتكار في التصدي للشائعات وبناء منظومة إعلامية مهنية ومستقلة، لتحقيق الاستقرار وإظهار الحقائق. إذا تمكنت حكومة الشرع من كسب المعركة الإعلامية، فإنها لن تسهم فقط في مواجهة حملات التضليل، بل ستضع أساسا قويا لإعلام يدعم جهود إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات وبناء مستقبل أفضل لسوريا والسوريين. على المسؤولين في الحكومة الانتقالية أن يتذكروا دائما أن “رأس المال جبان” ليس على مستوى الأفراد فقط، بل على مستوى الحكومات أيضا.