×
محافظة الحائط

مسرحية جديدة للمشاغبين.. ترامب يضع بصمته الدولية ترامب لن يتراجع عن أدائه المسرحي الكوميدي لأنه جزء من شخصيته وفي قلب برنامجه الانتخابي وفقرة رئيسية لتحقيق أهدافه.

صورة الخبر

كل من شاهد الاجتماع الذي عقده الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، الجمعة، يستطيع أن يخرج باستنتاجات مختلفة، وفقا للزاوية التي ينظر منها إلى مضمون اللقاء وتداعياته. البعض اعتبر ترامب ونائبه أحرجا الضيف وقضيا عليه سياسيا ووصماه بناكر الجميل لواشنطن. والبعض استحسن شجاعة رئيس أوكرانيا في الرد عليهما داخل عقر دارهما، ولم يهب مكانة رئيس الولايات المتحدة أو يخشى غطرسته، واستفاد من خبراته في مجال التمثيل. تشير الكوميديا التي رآها العالم إلى وجود طور جديد في العلاقات الدولية يسعى ترامب إلى وضع بصمته عليه، كي ينال ما يصبو إليه من أهداف معلنة وتسليط الضوء على ما يمر به النظام الدولي. وهي حالة قريبة الشبه بما فعلته مسرحية شهيرة عرضت بالقاهرة في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي، اسمها “مدرسة المشاغبين” لا تزال عنوانا للكوميديا الساخرة من نظام التعليم في مصر. المسرحية بطولة عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي وسهير البابلي، حققت نجاحا مدويا آثاره مستمرة حتى الآن، وتحكي قصة تطاول طلاب على معلمتهم، وسخريتهم من أمور كثيرة تتعلق بالتعليم والمجتمع، ونسي الجمهور أن المعلمة انتصرت ونجحت في ترويضهم وتهذيبهم وضبط الأمور قبل نهاية المسرحية. هكذا يمكن أن يتناسى من تابعوا مشادة ترامب وزيلينسكي النتيجة التي ستفضي إليها قريبا برضوخ كييف إلى واشنطن وعدم مناطحتها، ويتذكّرون فقط المسرحية الهزلية بينهما، وتعبر عن منهج وضعه الرئيس الأميركي في لقاءاته السياسية. ◙ الكوميديا التي رآها العالم تشير إلى وجود طور جديد في العلاقات الدولية يسعى ترامب إلى وضع بصمته عليه، كي ينال ما يصبو إليه من أهداف معلنة ما قام به ترامب، كان يحدث مع رؤساء كثيرين في الغرف المغلقة ولم نشعر به. الرجل فقط أظهره للعلن، وفي حضور وسائل إعلام يجيد القائمون عليها مهمتهم، واستيعاب الطريقة التي يدير بها ترامب الأمور، كأن هناك تناغما بينهما، فما لم يتفوه به الرئيس الأميركي أو نائبه تكفل صحافيون بطرحه على زيلينسكي، مثل سؤاله عن عدم حضوره ببزته الرسمية ودخوله البيت الأبيض بزي (كاجوال) قال إنه اعتاد على ارتدائه منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا. قد تتحول ثرثرة ترامب وزيلينسكي إلى علامة فارقة في التفاعلات السياسية، كما أصبح حذاء رئيس الاتحاد السوفييتي خوروشوف أثناء الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 902 بنيويورك في الثاني عشر من أكتوبر 1960، علامة في دبلوماسية قادة الدول، حيث ضرب خوروشوف الطاولة بحذائه اعتراضاً على خطاب رئيس الوفد الفلبيني لورينزو سومولونغ الذي انتقد السياسة الخارجية لموسكو وتصرفاتها في شرق أوروبا، ووصفها الرجل بالاستعمارية. مرت الحادثة ولم يتبق منها سوى دلالاتها وحذاء خوروشوف. الفرق بين تصرف ترامب وكل من مسرحية مدرسة المشاغبين وحذاء خوروشوف، أن الأول يريد وضع آلية جديدة في العلاقات الدولية، تعتمد على المبالغة والمقامرة وضرب عرض الحائط بالكثير من القيم والثوابت، وترسيخ مدرسة براغماتية خاصة به، يحقق من خلالها أهدافه ومصالحه، دون التفات لأهداف ومصالح الدول الأخرى، بينما مدرسة المشاغبين وما حملته من سخرية كانت ترمي للتحذير مما يجري في التعليم، ولو فهمها كثيرون على أنها دقت مسمارا في نعش العلاقة بين المعلم والطالب. كما أن حذاء خوروشوف الشهير، انطوى على نوع من استعراض القوة والحسم والصرامة، وهو في محصلته تعبير على توازنات القوى إبّان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وهو ما يفتقر إليه زيلينسكي حاليا، حيث تصرف مع ترامب كأن بلاده منتصرة على موسكو أو لم تعتمد منذ بداية الحرب على واشنطن، أو لا يعلم بالمصيدة التي نصبت لبلاده مع بداية الحرب لتكون رأس حربة للغرب في عملية التصدي لنفوذ روسيا. عزز لقاء ترامب وزيلينسكي ما قيل أثناء اجتماع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض مع كل من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، وبدا كلاهما مهذبا للغاية مع ترامب وهو في قمة فجاجته، لكن هذا لا يعني قبولهما بكل ما ردده رئيس الولايات المتحدة، ولجأ الملك عبدالله والرئيس ماكرون إلى توضيح موقفهما عبر تغريدات على منصة إكس، وهو ما فعله زيلينسكي، لأن أجواء الصدمة والرعب والخوف التي يتعمد ترامب إشاعتها في البيت الأبيض لا تمكّن البعض من صدها ومجاراتها في حضرة إعلاميين جاهزين للمباغتة. استشعر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ما يمكن أن ينصب له من فخ عقب إثارة ترامب مقترحه بشأن نقل جزء من سكان قطاع غزة إلى مصر، وألغى زيارة كانت منتظرة لواشنطن، مشترطا عدم مناقشة ملف التوطين. وهي نتيجة يمكن تعميمها، فالكثير من رؤساء وزعماء الدول سيفقدون شغفهم للذهاب إلى واشنطن، وربما يزهدون في زيارتها بعد أن كانت أشبه بالحج الذي يؤكد فيه بعض القادة على عمق علاقتهم بساكن البيت الأبيض. ◙ مشادة ترامب وزيلينسكي تفضي إلى إضعاف موقف الأخير، فإما أن يقبل بالعرض الأميركي أو يتحمل ما يجلبه عليه عناده لن يتراجع الرئيس ترامب عن أدائه المسرحي الكوميدي والساخر، لأنه جزء من شخصيته وفي قلب برنامجه الانتخابي، وفقرة رئيسية لتحقيق أهدافه، فهو قليل الدبلوماسية منذ فترة رئاسته الأولى، وإن كان أكثر “وقاحة” سياسية في فترة رئاسته الثانية، ويمكن من خلالها أن يتحصل على نتائج جيدة، فعندما يهدد ويتوعد ويصمم يربك خصومه ويخلط حساباتهم، لأن عنده من الأدوات ما يجعله يمارس ضغطا معنويا وماديا كبيرا عليهم، ما يضطر بعضهم أو جُلهم للاستجابة لما يريده. تفضي مشادة ترامب وزيلينسكي إلى إضعاف موقف الأخير، فإما أن يقبل بالعرض الأميركي بشأن السلام وتمرير اتفاقية تقاسم المعادن النفيسة أو يتحمل ما يجلبه عليه عناده من أزمات، ومهما كان التضامن الأوروبي معه لن يفلح في مؤازته طويلا أو التصدي لواشنطن أو ردع موسكو. فالقصة متشابكة وأكبر من عرض مسرحي قدمه كلاهما أمام وسائل الإعلام، لأن الجميع سيغادرون مقاعدهم ويبقى الرئيس زيلينسكي عاريا في مواجهة الحقيقة، وهي أن الرئيس ترامب يملك من الأوراق ما يخول له إضعاف رئيس أوكرانيا كثيرا، والذي استمع بوضوح من ترامب أنه لا يملك أوراقا يناور بها أو تمكنه من الثبات على موقفه. تراجع زيلينسكي أو اعتذر عن موقفه وقبل العرض الأميركي أم لا، سوف تظل تداعيات المسرحية التي عرضت على خشبة البيت الأبيض يوم الجمعة مستمرة معنا بعض الوقت، لتمثل حلقة في سلسلة من الحلقات الفنية والسياسية في العالم، وهو ما يريده الرئيس ترامب، إذ وصل إلى السلطة محمّلا بأجندة غير تقليدية، ويسعى إلى تنفيذها عبر تغيير موازين القوى في العالم، وبالتالي وجهه بالطريقة التي وضع قواعدها إيلون ماسك، وهي تضم في طياتها تحولا واسعا في الداخل الأميركي. ما حدث مع زيلينسكي لا ينطوي على افتعال من جانب ترامب، لأن العصبية التي ظهرت على وجه الأخير تؤكد أنه يدافع عن منهج يتبناه، وليس عن موقف لا يتماشى مع أهدافه، ما يعني انتظار صدامات عديدة مع قادة بعض الدول، وفي اللحظة التي يتفوق فيها منهج الرعب سيكون ترامب نجح في وضع بصمته على النظام الدولي.